لم يتوقف انقلاب العقيد معمر القذافي على الملك إدريس السنوسي عام 69 وفي عهد حكومة ونيس القذافي عند حدود مقاليد الحكم، بل كان انقلابا على التاريخ حين نجح في طمس معالم تاريخ الملك المجاهد الذي قاد الثورة الليبية ضد الإيطاليين. الملك إدريس السنوسي دفين المدينةالمنورة أقام دستورا ديمقراطيا بعد خروج الاستعمار الإيطالي، نادرا ما نجد مثله في بلد عربي الآن، وتداول على السلطة التنفيذية تحت سلطة حكمه 11 رئيس حكومة خلال 18 عاما من الحكم. كرس نظام الملكية الدستورية والنظام البرلماني عبر صناديق الاقتراع، وأقام العدل على قلة المداخيل والفقر والحاجة، وأسس لعدالة بين القبائل، وبنى الجامعات والمعاهد، بل وتبرع لها بقصوره. هكذا كانت نتيجة الذهنيات الانقلابية في العالم العربي، التي لا تؤمن بإرث الآخرين فتسعى لطمسه وصناعة تاريخ مزيف لها، حدث هذا في كثير من مراحل التاريخ العربي. لقد تعامل العقيد القذافي باستخفاف مع المسألة التاريخية، فهمش ليبيا بمثقفيها وتاريخها ضد الإيطاليين وحول انقلابه على الملكية إلى المرجعية التاريخية للشعب الليبي، فخرج عليه أبناء عمر المختار من الجهة الشرقية ومن مسقط رأس السنوسيين الذين أسسوا الزوايا والكتاتيب ودور العلم، وتقاطعوا مع باقي المدن الليبية في الظلم نفسه الذي لحق بهم من طرف العقلية الثورية التي فشلت في تلبية متطلبات الأجيال الجديدة فحدث الصدام. إن تفاعلات عدة صنعت ثورة الشعب الليبي ضد نظام شمولي قائم على السطو والانقلاب على القيم والتاريخ، لذلك لن تنتهي ثورة الليبيين إلا بنهاية عهد معمر القذافي الذي يمثل واحدا من رموز الديكتاتوريات التي تملك نفسا طويلا بحكم التقادم، فهو الذي حكم ليبيا أكثر من الملك إدريس السنوسي.