يقولون إن كثرة هات ومدّ تهد (الجبال)·· وتطير الوتد! فأين حظ المثقف والمخربش من المد، إن لم يكن تسويفا وكذبا؟! مال وفرجة ؟! هذه مشكلة جديدة لم تخطر على بال أحد: آلات إنتاج الأوراق المالية والصفائح الحديدية عاجزة عن مواكبة الطلب الكبير عليها، تماما كما يحدث مع الشركات، وكلما دار مصنع ضرب السكة لينهار ووجد نفسه كمصنع الحجار (سابقا) للحديد والصلب لايلبي طلب الزبائن والتجار، ولابد من التطلع إلى أعالي البحار! سابقا كانت معضلة الجزائريين أنهم يرون بأعينهم أو يسمعون عن السلعة ولايشترونها إلا بشق الأنفس، بتوصيات ومع صاحب صاحبي، مع أنهم يملكون المال و''لا باس عليهم''! وقبل مدة صار بإمكان الزبائن أن يروا مايحلو لهم ومايطيب، لكن معظمهم عاجزون عن الشراء لأن ما عندهم من النقود لايولّد إلا نكدا وعيشة على شاكلة عيشة كلب عرب (وقبائل) أينما ذهب طرد وسب، رغم أنه لم يقترف أي ذنب (سوى السير دون ترخيص من الولاية)! والآن وفي الحال صار بالإمكان المشاهدة بإمعان والاكتفاء بالشراء قدر الإمكان مايحتاجه الإنسان من ضرورات، لكن الدينار، على رخصه، غير متوفر في البنوك بما يكفى لتلبية الطلبات·· فما الذي جعل الواحد من الخلق يقبل بنهم على سحب كل مايدفع له من مال، رغم كل الزيادات في الأجور والتي لاتلبي الحاجات؟ وقبل ذلك، على أي أساس تضيف الحكومة للبعض دون الآخر أو تغض الطرف عن الآخرين؟! المصور أهم··· منذ سنوات، أي قبل الخوصصة المشوهة التي فتحت (بتشديد التاء) على مصرعيها، صممت الحكومة سلما للأجور أعلى من سلم ريشتر مرتين أو يزيد، يضفي الشفافية عليها حسب مقاييس محددة كالشهادة ومستوى الفهامة والحاجة إلى صاحبها من عدم الحاجة إليه! ومن المفارقة مثلا في عالم الصحافة، وهي مهنة كانت محترمة ماديا على الأقل أن أجرة مصور تلفزي تعادل أو تفوق أجرة صحفي في نفس المؤسسة! حتى وإن كان الأول لايتعدى مستواه الرابعة متوسط في حين أن الثاني مستواه جامعي! وبالطبع لم تقدم السلطة حجتها على الأقل في ذلك الوقت، ولكن الكثيرين فهموا بأن التصنيف يستند إلى فكرة أن المصور التلفزي أكثر أهمية من الكاتب أو المخربش كما كان يسميه المرحوم مولود قاسم، بدليل أن الوزير (بوعلام وزيد الفدام) وهو اسم رائج في ذلك الزمان كاسم يصلح للاستوزار، لايفتتح الجلسة إلا إذا حضر المصور··· فهو يريد أن يشاهد شكله الجميل في نشرة الثامنة، لكي يقال عنه إنه وزير يشتغل ولايكف عن العمل! أما المخربش، فإن حضوره من عدم حضوره، لايعني شيئا لأن الذي سيلقى من أخبار لا يتم إلا بعد أن يخضع للغة الخشب ويدقق فيه، ثم يعطي الموافقة بالإيجاب! والمهم أن هذه الصورة النمطية مازالت إلى الآن تسير نمط الحكم كأن الزمن توقف في هذه البلاد منذ سنوات ولايبدو أن ثمة نية لادارة عجلته من جديد! يحدث هذا، رغم أن الثورات الحالية في العالم العربي بما تحمله من تسارع وزخم في الأحداث، لايؤدي إلى ذلك بالضرورة· شيء لم يستطع مواكبته حتى كبار المفكرين والروائيين، فالكاتب الصحفي الكبير حسنين هيكل وقف عدّاده في تلفزة الجزيرة، معترفا بأن الزمن فاته، وتجاوز كل منطق وتحليل بعد أن عاد أصحاب العز متساوين مع أصحاب ''الدز'' وأكلة الفول والعيش، أي الخبز والآرز! والروائية المعروفة أحلام مستغانمي، صاحبة ذاكرة الجسد، اعترفت بأنها تفاجأت بثورة الشباب في العالم العربي ولم تتوقعها يوما بهذا الحجم والشكل الجارف، وبالتالي تصبح الكتابة أمرا صعبا على من فوجئ بها·· المشكلة أن عددا من هؤلاء المثقفين منعوا من الكتابة أيام الاستبداد ويجدون صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد الذي يسقط الطابوهات ويحذف الخطوط الحمراء والبرتقالية! فهل نحن هذه المرة أمام وضع انتقالي شبيه بوضع سلم الآجور في الجزائر وأوراق المال في علاقتها بالشراء؟ وكيف يمكن تقييم وزن الكلمة نقدا، وقس عليها العلم والمعرفة؟!ذنب الحمار! رغم مايشاع من كون الكلمة كالسيف أو حتى كمطرقة عامل بناء (ماصو) وهناك كلمة مسؤولة (مع مسؤول غير مسؤول أو مسؤول)، ثمة إجماع عام على كون عمل اليدين، بما فيه الذي يحاكي عمل الشياطين في هذه البلاد أكثر احتراما من عمل الفكر· فالنواب مثلا لايتلقون أجورا عالية لكونهم نواب الأمة ويفترض أنهم يتحدثون باسمها لرفع الغمة، وإنما يحصلون على ذلك، لأن لديهم قابلية كبيرة لرفع اليدين كلما طلبت الحكومة منهم··· وهناك من يعتقد أن حركاتهم أصبحت أقرب إلى حركات تجارب بافلوف مع كلبه، حيث لايقوم إلا بتحريك اليد تماما كما يفعل شرطي المرور في تنظيم حركة السير! والنواب معضلتهم في هذه البلاد أن الكثيرين يحسدونهم على هذه النعمة، فأجرهم وامتيازاتهم كبيرة تغري الكثيرين، بعد أن فتحت خزائن الحكومة سلسلة مطالب تدعو لتسوية الأجور بأجرة هؤلاء! والقضاة في هذا المقام كانوا السباقين، فقد سبق للحكومة أن أكرمتهم قبل غيرهم توسما منها أن القاضي الشبعان يحكم بالعدل أفضل من القاضي الجوعان، لكن مشكلة هذا القاضي أنه كرجل الأعمال والسياسي لايشبع أبدا ولو حشي بطنه مالا من فئة ال 2000 دينار التي ستظهر شمسها هذه الأيام، لكي تكون خفيفة الوزن، ثقيلة في الثمن وإن كانت مرشحة لكي تصبح بعد سنوات بقيمة زوج دورو! فما الذي يجعل القاضي والبوليس والعسكري وحتى العساس، أفضل أجرا من المثقف والصحفي والفنان والكاتب والرسام؟ الفرق واضح من ناحيتين، من ناحية قيمة هؤلاء في المجتمع، وهذه المكانة تكاد تكون مفقودة تماما، فمن يسمع عن فنان يعيش تحت الحد الآدنى للأجور وصحفي يتقاضي خمس مائة دينار كما يقول أحمد أويحي في معرض نقده للصحافة الخاصة، وإن كانت الصحافة العمومية أفضل حالا ماديا، ومن يحترم هؤلاء إن كانوا يعيشون على الصدقة، فهل العاجز يمكن أن يحترم أو يسود لكي لا أقول يستبد! والفرق أيضا من ناحية السلطة، فهل يمكن وضع الآراء القائلة إن مهنة المتاعب ومهنة الفنان مهمة وأساسية؟ الجواب على الأرض لايعكس أبدا هذه الحقيقة، ولايبدو أن السلطة في حاجة إلى مثقف واحد، ولو كان بحجم أحلام مستغانمي أو الراحل الطاهر وطار، بقدر حاجتها لحراس المعبد، مصداقا لقول الشاعر السيف أصدق إنباءً من الكتب! فلأهل السيف المال، وللآخرين السوط بالذنب (بفتح النون)، أي ذنب الحمار ذيله! دم الحسين·· ليس طائفياع جرادي