شهدت سنة 2017, تسريع وتيرة الإصلاحات الإدارية تجسدت في عدة قطاعات حساسة وعلى علاقة مباشرة مع المواطن, بالاعتماد على نصوص تشريعية جديدة مواكبة للتغييرات الحاصلة في الجزائر و العالم وعلى استغلال أمثل للتكنولوجيات الحديثة. وعكف قطاع الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية, خلال السنة التي ستنقضي بعد أيام, على تطوير أداء الجهاز الاداري, في إطار مخطط وطني لتبسيط الإجراءات تم الانطلاق في تجسيده منذ ثلاث سنوات بعنوان "تقريب الإدارة من المواطن", هدفه تسهيل وتسريع عمليات استخراج الوثائق الإدارية على مستوى مصالح البلديات والدوائر والولايات. كما كان لقرارات عصرنة أداءات الإدارة وإلغاء العديد من الوثائق في تكوين الملفات الإدارية وكذا الاستعانة بالخدمات عبر الانترنت وإلغاء التصديق على النسخ طبق الأصل, آثارا إيجابية على مستوى الإدارات والمرافق العامة, حيث أصبح في الإمكان طلب وثائق هامة دون تكبد عناء التنقل من خلال بوابات الكترونية وفرتها وزارة الداخلية كبطاقة التعريف الوطنية البيومترية, كما يتيسر حاليا استرجاع وثائق بصفة آنية كالبطاقات الرمادية. وقامت وزارة الداخلية بتجسيد عدة مشاريع هامة في مجال عصرنة المرفق العام باستعمال الوسائل التكنلوجية الحديثة, ومن بين أهم الإنجازات, رقمنة جميع سجلات الحالة المدنية على المستوى الوطني وإحداث السجل الوطني الآلي للحالة المدنية وربط كل البلديات وملحقاتها الإدارية وكذا البعثات الديبلوماسية والدوائر القنصلية به. ومكن هذا الإنجاز المواطن من استخراج كل وثائق الحالة المدنية بصفة آنية من أي بلدية أو ملحقة إدارية عبر الوطن دون التنقل, وسمح للجالية الجزائرية المقيمة بالخارج من تقديم طلب الحصول على عقد الميلاد الخاص رقم 12 مباشرة عبر خدمة الانترنت والحصول عليه من الممثلية الديبلوماسية أو القنصلية المسجل فيها, بالإضافة إلى إنشاء السجل الوطني الآلي لترقيم المركبات الذي مكن المواطنين من الحصول على بطاقات الترقيم لمركباتهم بصفة آنية ودون التنقل إلى ولاية التسجيل. وتم كذلك إدراج خدمات جديدة عبر الانترنت تمكن طالبي جواز السفر البيومتري من متابعة مراحل معالجة ملفاتهم كطلب بطاقة التعريف الوطنية, ومتابعة طلب بطاقة التعريف الوطنية البيومترية الالكترونية وطلب جواز السفر البيومتري وطلب شهادة الميلاد رقم 12خ بالإضافة إلى خدمة جديدة تم استحداثها بمناسبة الانتخابات المحلية ليوم 23 نوفمبر الجاري وهي معاينة القوائم الانتخابية عبر الانترنيت. وأصبح استخراج وثائق كجواز السفر وبطاقة التعريف ورخصة السياقة لا يستغرق أكثر من اسبوع بعدما كانت العملية في الماضي تتطلب عدة شهور قد تصل في بعض الاحيان الى سنة كاملة. وتم التسريع من وتيرة إصلاح القطاع, من خلال تفعيل نشاط المرصد الوطني للمرفق العام الذي يرفع تقريره السنوي الذي يتضمن حصيلة نشاطاته للسنة الجارية الى رئيس الجمهورية بداية من السنة القادمة, كما يقوم بالتشاور والتنسيق مع لجنة الإشراف على تنفيذ المخطط الوطني لتبسيط الإجراءات الإدارية التي يرأسها المدير العام للوظيفة العمومية, بعمليات تقييم ومتابعة سمحت بإحصاء أكثر من 1300 عملية لمحاربة البيروقراطية خلال السنة الماضية. في المقابل, تشرف ذات الهيئتين على تنفيذ خطة العمل المعتمدة في مجال العصرنة وكسب رهان الإدارة الالكترونية في مطلع سنة 2019, حيث يرتقب إجراء تغييرات جذرية في أساليب التسيير وتقديم الخدمات. وفي هذا الصدد, تشير حصيلة نشاط لجنة الإشراف على المخطط الوطني لتبسيط الإجراءات الإدارية لسنة 2016, إلى تسجيل 1345 عملية تبسيط تم إنجاز 1208 منها بصفة كاملة, في حين تم إرجاء 137 عملية لأسباب "موضوعية", وقامت مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية بتسليم 082 208 10 جواز سفر بيومتري و484 282 4 بطاقة تعريف بيومترية إلى غاية ماي المنصرم.
ترسانة قانونية لتعزيز حقوق الإنسان وضمان حريات المواطنين
وبدوره عرف قطاع العدالة حركية مشهود لها في إطار تعزيز الحريات الفردية وعصرنة أداء الجهات القضائية, حيث وافقت الحكومة على مشروع القانون المتضمن تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين المتواجد حاليا على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان, والذي يقترح نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية, كبديل للحبس المؤقت, عن طريق حمل الشخص المحكوم عليه لسوار الكتروني. ويهدف هذا النص إلى إعادة الإدماج الاجتماعي للمستفيد منه, بقضاء عقوبته أو ما تبقى منها خارج المؤسسة العقابية وبالتالي التقليص من حالات العود إلى الإجرام, ويتوخى تقليص مصاريف التكفل بالمحبوسين داخل المؤسسات العقابية وتجنب الاكتظاظ بها. وسيعزز مشروع القانون المنظومة القانونية في شقها المتعلق بعصرنة القطاع بإدراج الوسائل التكنولوجية الحديثة في مجال التكفل بالمحبوسين وإعادة إدماجهم الاجتماعي, وهو ما يعد تجسيدا لمبادئ حقوق الإنسان. وفي سياق متصل, ستناقش الحكومة "قريبا", مشروع قانون متعلق بحماية المعطيات الشخصية, وذلك في إطار استكمال تنفيذ برنامج إصلاح العدالة الذي بادر به رئيس الجمهورية منذ سنة 1999, بهدف ضمان عدم استعمال البيانات الشخصية لأغراض أخرى وتحديد المبادئ الواجب احترامها أثناء معالجة وحفظ المعلومات. وتأتي هذه المشاريع لتجسيد أهداف المراجعة الأخيرة للدستور من خلال ترسيخ وإرساء أكثر لدعائم النهج الديمقراطي وزيادة في تكريس مبادئ وضمانات جديدة لتعزيز دولة الحق والقانون وإضفاء المزيد من الوضوح والدقة على مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال العدالة والحماية القانونية ورقابة عمل السلطات العمومية. وفي مطلع السنة الجارية, عرف ذات القطاع "إصلاحات جوهرية" مست قانون الإجراءات الجزائية, وكذا إخضاع الضبطية القضائية لمراقبة وكيل الجمهورية وإصلاح محكمة الجنايات وعمليات عصرنة لها علاقة وطيدة بحقوق الإنسان وضمان حريات المواطنين. 2017, كانت أيضا سنة الانطلاقة الرسمية والقانونية لمشروع الدفع الالكتروني والتجارة الالكترونية, حيث صادق مجلس الوزراء مؤخرا على مشروع القانون الخاص به والذي عرض على البرلمان, ويهدف إلى تأطير التجارة الالكترونية غير الممارسة بالشكل الكافي حيث لا يوجد سوى حوالي 15 موقع الكتروني ناشط في هذا القطاع خارج كل تنظيم. كما يهدف الى تأطير حقوق وواجبات التاجر وحقوق المستهلك وكيفيات التطبيق لاسيما العقوبات في حالة نشاط غير مقنن وكيفيات تطبيق الدفع الالكتروني من أجل حماية سرية الصفقات الالكترونية والمعطيات الخاصة بالمواطن. وينص القانون على أن تكون الأرضيات الخاصة بالدفع الالكتروني بالضرورة مؤمنة وتستجيب للمعيار الخاص بالسرية والتأمين اللتين سيحددهما بنك الجزائر, ويتضمن قانون المالية لسنة 2018 إلزام كل تاجر بالتزود بجهاز الدفع الالكتروني قبل نهاية سنة 2019. ويتواجد على مستوى المجلس الشعبي الوطني, مشروع قانون آخر, يحدد القواعد المتعلقة بالبريد والاتصالات الالكترونية ويتضمن تدابير تعزز خصوصية المشتركين وسرية اتصالاتهم مع تأطير الشبكات الخاصة, كما يهدف إلى عصرنة الخدمات البريدية وحماية حقوق الزبائن, بالإضافة إلى تحيين مبالغ العقوبات المطبقة على المتعاملين أو المستخدمين في حالة مخالفتهم للأحكام التشريعية.
وبهذه الحركية المتعددة المستويات, فإن سنة 2017 تعتبر محطة مفصلية في إطار تجسيد مشروع الإدارة الالكترونية في آفاق سنة 2019, حيث أن أهم المشاريع الرامية إلى تكريس عصرنة المرفق العام وفاعلية الخدمة العمومية قد دخلت حيز التنفيذ أو في طريقها إلى ذلك.