منذ أيام قليلة، وككل عام ،احتفل مسرحيونا ، مثلهم مثل أفراد الأسرة الفنية الجزائرية ، باليوم الوطني للفنان، وهي وقفة لاستذكار الماضي الملحمي لفرقة جبهة التحرير الوطني ، والاحتفاء بما استجد على صعيد المسارح الجهوية و التعاونيات و الفرق المسرحية من أعمال جديدة ، و في الوقت ذاته ، هي سانحة استشرافية لما ستطالعنا به الجهود المسرحية من نتاجات تثري رصيد المسرح الجزائري ، تأليفا و إخراجا. و لعل عيد المسرحيين هذه السنة، عاد في أجواء ميزتها جملة من التحديات الجديدة ، أفرزتها الظروف المستجدة في الساحة الوطنية ، وحتى في الساحة العربية ، وهو – بالضرورة – ما سيرفع من سقف الرهانات، المطلوب من الفنان عامة، والمسرحي خاصة ، استشعارها قبل غيره ، و التواتر معها، من منطق الدور الطبيعي المنوط به في مثل هكذا أوضاع . إن تكريس الثامن من جوان يوما وطنيا للفنان ، يمثل منذ إقراره ، اعترافا صريحا من لدن الدولة والمجتمع بما قدمه الفنان بالأمس للجزائر في سبيل استعادة سيادتها عافيتها ، وضمنيا أيضا ، هو اعتراف بما يصنعه جيل اليوم من الفنانين من إبداعات و ابتكارات ، تستحق التقدير و التجلة والاحترام ، غير أن رهان التنمية الثقافية و الفنية الذي رفعت الأمة رايته في احتفالات يوم الفنان لهذه السنة، يستوجب بالمقابل ، أن ترفع الأمة من سقف المقدرات المخصصة لإسناد الخلق و الإبداع و التفتق الفكري ، عبر الاستثمار غير المشروط في الفنان ، الذي هو رأس مال التنمية المراد مباشرتها في مجال المسرح و السينما وسائر الفنون ، وذلك من خلال اعتماد تكوين ناجع ، وتنشئة ثقافية فعلية ، و تربية جمالية فاعلة ، وتشجيع المواهب المبدعة و مرافقتها ، و تحفيز معتبر للإبداع ( ماديا و معنويا). فعبر هذا السبيل ، واستنادا لهذه المنهجية العملية ، سنضمن للفنان وجودا وكينونة ، وتألقا و توجها مستديمين ، و لنا حينها أن نتأمل في تشكيل مشتلة فنية نوعية أصيلة ، أصولها ثابتة و فروعها في السماء ، نعول عليها - بلاشك – لإعادة الدفء إلى المسارح وقاعات السينما و دور الثقافة و الفنون، و نراهن عليها لتنمية أرواح الجماهير الظامئة ، بالحب و المشاعر النبيلة ، و الشغف بالفن الراقي الجميل ، الذي يوثقهم من جديد بنسائم الفن العذب ، و يحقق فطريا تواصلهم بأصوات قوية صداحة ، غمرت جلجلتها ودويها فضاءات المسرح و دور السينما ، و ملأ صداها الدنا في سنين الجمر ، و في زمن الصمت الرهيب بالأمس القريب. إنهم رجال و نساء، عبق التاريخ بذكرهم ،و سيخلد لا محالة ذكراهم ، و سيشهد بعلو هممهم ، و يشيد بتمايزهم عن سواهم ، لكونهم صدقوا في عزمهم و مسيرهم ، و أمنوا حقا بالفن و دوره ، و بالوطن و مجده، فأمن بهم المجتمع برمته ، و صاروا صدقا مرآته ، ومثله الأعلى في الجرأة و التضحية، و قدوته في المحبة و المثابرة ، و نموذجا يحتذى به في التفاني و الإخلاص لملهمتهم الأبدية ، و معبودتهم الأزلية : الجزائر جميلة.