هل للسياسة علاقة بالصدق والشرف وأين نجد ذلك السياسي الصادق الشريف العفيف الذي لا يخون ولا يكذب ولا يسرق ولا ينهب في نظام سياسي بني على القوة واغتصاب السلطة منذ الساعات الأولى للاستقلال فقد عوض بيان نوفمبر بميثاق طرابلس في جوان 1962 وأطاحت الجماعة بالحكومة المؤقتة ونصبت بن بلة رئيسا للجمهورية قبل أن يطيح به زميله العقيد هواري بومدين زميله ووزير دفاعه ويستولي مع جماعة مجلس الثورة على الحكم ووضع بن بلة في السجن مدة 15 سنة أو يزيد وتم قمع المعارضة بقوة فأعدم شعباني واغتيل كريم بلقاسم ومحمد خيضر وفر بوضياف وآيت أحمد وآخرون وفرض على الشعب نظام اشتراكي والحزب الواحد والرأي الواحد فإما أن تصفق للنظام وانجازاته العظيمة وخياراته التي لا رجعة فيها أو تعتبر معاديا ورجعيا وخائنا فعليك أن تراوغ كما يروغ الثعلب للحصول على الدجاج والعنب ودجاج السلطة سمين ولذيذ لكن قد يكون مسموما أيضا(...). لقد بني النظام على الدعاية و المبالغة في المدح وكلما ضعف النظام وكثرت أخطاؤه ومفاسده ازداد كذبه وادعاؤه وانتفاخه في الثورة كان لقب الأخ وسي (اختصار السيد) يطلق على المجاهدين واستمر في عهد بومدين الذي كان يبدأ خطابه ب (أيها الأخوة أيتها الأخوات) واستعمل لقب السيد في عهد الشادلي وفي عهد الرئيس طويل الأمد بوتفليقة عوقبت صحافية في اليتمية لأنها لم تستعمل كلمة فخامة ولقب الوزراء بأصحاب المعالي وكل شيء في انخفاض وصارت المناصب بالولاء و(المعريفة) والجهة والشيتة والرشوة واشياء يمنعنا الحياء من ذكرها فمن أين يأتي الصدق والانتخابات بالشكارة والتزوير ولا مجال للكفاءة والنزاهة والالتزام وغيرها من الشعارات. فالوعود الانتخابية تنتهي مع إعلان النتائج والبرنامج الانتخابي والسياسي مجرد كلام والمصلحة الشخصية مقدمة على المصلحة العامة فمن أين يأتي الشرف للذي يعد ويخلف ويكذب على أمة لسنوات فالكاتب البريطاني الساخر وجدا قبرا مكتوبا عليه «هنا ينام السياسي الصادق» فقال (لأول مرة أجد رجلين في قبر واحد) وهذا ينطبق على الكثير من السياسيين عندنا سمتهم الكذب والاحتيال والمكر واختلاف الوعد يستطيعون التكيف بسرعة مع الأوضاع الجديدة فمن السهل عليهم التخلي عن مواقفهم السابقة والانشقاق والانتقال إلى الجهة الأخرى سواء كانت حزبا أو سلطة أو مسؤولا وحتى وإن تم طردهم يعودون بدون خجل أو حياء يغتنمون الفرص ويبيعون أنفسهم لمن يدفع أكثر وعندما يسقط يتخلون عنه ويتنكرون له 'انظروا ماذا يفعلون للرئيس المستقيل الذي كانوا يعلون له الولاء وينسبون له كل عمل أو حركة وكل فضل ولو لم يكن صاحبه(...).