المقابر مستويات يمكن اعتبار هذا الشهر شهر الشهداء بالنظر إلى العدد الكبير من الوجوه المعروفة التي جاءها الليل وحملها (إلى الآخرة) في الموسيقى سقط عمّنا بوليفة في عمر يقارب متوسط أعمار الصحفيين والمخربشين، أي أقل من المستوى الوطني سبعون، وفي سياستنا (الواضحة) سقط الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وهو (للتاريخ والجغرافيا أول من رفض علنا وأمام التلفزة أن ينادى بالأخ… كما كان يقال للأخ هواري بومدين وسائر الوزراء فهو يريد أن يخاطب بالسيد الرئيس، والحمد للَّه أنه لم يطلب أن ينادى له بصفة المعالي، مع أن هذا اللقب كاد يحصل عليه رئيس الدائرة (والمربع)! وإن كان هذا الرئيس وأمثاله أجوف وعقله خاليا وجيبه ملآن بالمال المشبوه! وفي ميدان جمع الطب بالنضال بالصحافة سقط المجاهد الجزائري من أصل فرنسي بيار شولي وشاءت الأقدار أن يسقط مع رئيسنا أبيض الشعر أبيض القلب وهذا الرجل باعتراف الجميع ناضل من أجل القضية الجزائرية أيام التحرير واشتغل في عدة مناصب بعد الاستقلال، وكان بالإمكان أن يطلب أن يدفن في مربع الشهداء أو بالقرب منه ليشم رائحة الشهادة على الأقل! أما هو، فلم يفعل، فقد طلب من زوجته أن يدفن على الطريقة المسيحية في مقبرة المسيح بالمدنية في أعالي العاصمة، بجوار رفيقه "الشهيد "هنري مايو" الذي يحمل اسمه مستشفى "مايو بباب الوادي" هؤلاء الثلاثة قضوا نحبهم في يوم واحد تقريبا، وكل دفن في مكانه حسب طلبه أو حسب سلم ترتيبه في سلم تنقيط الدولة للمسؤولين والمجاهدين (وحسن أولئك رفيقا)! والتصنيف هذا أوجد على شاكلة الأحياء مقابر رسمية لعلية ومقابر شعبية لعامة الناس وهناك مقابر خاصة للعائلة (المالكة) كمقبرة آل بورقبية في المنستير بتونس وكان سلفي قد حاول الاعتداء عليها ومقبرة آل الأسد وهناك بالطبع مقابر طارئة كقبر الجندي المجهول ويضاهيه عندنا مقام الشهيد أو مقام هوبل كما سماه البعض بعد أن بنى في أيام بن جديد ولا تثير هندسته الى الآن فضول الناس أو الأجانب، وبالطبع هناك مقابر ضحايا الحروب على شاكلة مقابر جنود الألمان وجنود الأمريكان الذين أهلكتهم الحربان العالميتان، وميزة تلك المقابر أنها متساوية في الشكل (والمضمون) فلا فرق بين جنرال أو عقيد أو كبران. وعودة للجزائر الرسمية والشعبية مع سكان ما تحت الأرض، فإن مقبرة العالية عند المدخل الشرقي للعاصمة قد تكون الأكبر وهي الأشد اكتظاظا، جزء من هذه المقبرة يشكل ما يعرف بمربع الشهداء وهو الجزء المخصص لمجموعة ال 22 التي أعلنت الثورة وعدد من وجوه المقاومة الوطنية كالأمير عبد القادر مؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة والرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم وحتى الروائي الطاهر وطار، وهو مجاهد كتب "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" ووري التراب هناك! وقد يكون الفضل في وجوده بينهم عنوان هذه الرواية التي توحي لهؤلاء المسؤولين بأنهم سيعودون (من تحت الأرض) لحكمنا مرة أخرى قريبا جدا! ترتيبات بروتوكولية!! الأصل في مربع الشهداء أنه مستطيل، وإنما سمي مربعا تيمنا بالمربعات التي تتشكل فيها الفرق العسكرية وشبه العسكرية عند الاستعراضات وعرض العضلات! جزء كبير من تلك الأرض قد تم تعميرها ولم يبق إلا جزء قليل، قد تضطر معه السلطة الحاكمة إلى أن تقوم بعده بعملية توسعة، أو تقوم بتحديد مفهوم الشهيد نفسه الذي يستحق أرضا صالحة للدفن ليست مدفوعة الثمن وبين قوسين الجزائريون لا يعرفون مثلا أن الحكومة تحشر على كل قبر مليونا و100 ألف سنتيم تمثل قيمة الأرض التي يستحوذ عليها بغض النظر عن موقعها! وهذا ما جعل نائبا من المهجر في فرنسا تحديدا يقرأ أمام البرلمانيين أنه سيكرس عهدته النيابية لأجل قضية واحدة، وهي إعادة جثامين المهاجرين (ومزدوجي الجنسية والحركة والمتجنسين بالجنسية الفرنسية) الى أرض البلاد على ظهر الحكومة: نقلا ودفنا متهمة إياها بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا تتكفل بموتاها وكأن هؤلاء لم يدخروا يورو واحدا لليوم الأسود! والمهم هنا أن هؤلاء المهاجرين لاحظ لهم في دخول مربع الشهداء باستثناء حالة واحدة فقط وهو أن يتم اختيار شخص منهم كرئيس على شاكلة ساركوزي أو أوباما! وشرط أن يجد مكانا أيضا، فالمساحة كما يري الظاهر والأعمى قليلة! ستكون من نصيب الأقرب فالأقرب للموت منهم، أي من الكبار! القبور داخل مربع الشهداء غير متساوية تعكس لامساواة الحكومة في التعامل مع مواطنيها باعتبارهم طبقات وداخل كل طبقة درجات! وآخر هذا التمييز أن أولاد الشهداء وعددهم يربو على نصف مليون أضافت لهم هذه الأيام 300 نفر منهم قد أغرقت على كل واحد منهم ب 70 مليون سنتيم تمثل مخلفات أجور سابقة. مع أن أقل واحد منه عمره 50 عاما، وفيهم الطبيب والمهندس والبطال من نوع لوكس، والمدير الذي حصل على هذا المنصب بفضل شهادة أبيه مثلما حصل على المسكن والأرض كما هم المجاهدون والحركى! داخل المربع أربعة أضرحة كبيرة تمثل الرؤساء الأربعة بومدين الذي مات وهو في الحكم وبوضياف الذي غدروا به وبن بلة الذي مات قبل أن يحكم وأخيرا الشاذلي. وثمة من يقول إن قبر بن بلة يعطي الانطباع بأنه الأكبر، فلعل الذي صممه كان يعتقد في قرارة نفسه أن الأخ بن بلة الذي انقلب عليه الأخ هواري وحبسه مدة 17 سنة يستحق أن يرد له الاعتبار بقبر أكبر وأجمل! أما باقي القبور فهي متساوية فهم شهداء أبطال ثورة أو وزراء فيما بعد، وليس الوزير كالرئيس! فهذا الأخير هو الأكبر فوق الأرض وتحتها أيضا! والرئيس المتوفي يحظى دائما بمراسم رسمية، والأقل منه بمراسم شبه رسمية و«الشعبي" أي من العامة بمراسم شعبية. أما الرسمية فمعناه أن أصحاب الكسكيتة هم السادة فيها هم أول من يحضروا الجنازة وآخر من يتركوها وهم الآمرون والناهون يعرفون بروتكولات الواجهة فيقدمون الحكومة وأصحابها في الأمام باعتبارها من كبار الخدم عندهم، وفي ذيل الترتيب البروتوكولي يأتي الصحفيون والمثقفون وعادة ما يفرحون بهذه الخطوة بعد أن تتاح لهم فرصة الاقتراب من أصحاب السلطة وما أدراك ما أصحاب السلطة! الجنازات شبه الرسمية عادة ما ينشطها أعوان الحماية المدنية فهم عكس الرسمية التي يحملها العسكر، فإن جنازة المرحوم على أكتاف أصحاب الحماية، وهو يستحق هذا لأنه كان وزيرا أو كان له شأن كبير حتى في الفتوحات البنكية أو على موانئ الصيد! عكس هذا، توجه الجنازات الشعبية فالمرحوم فيها رجل كالآخرين منحته الحكومة قبرا ويحمله إليه عائلته وأقرباؤه وجيرانه، وعادة ما يبدو الحزن علي وجوههم أكثر مما يبدو على مشيعي الجنازات الرسمية وشبه الرسمية! المفصلة في مسألة المقابر والجنائز أن ثمة حالات شاذة والشاذ – كما يقولون يحفظ ولا يقاس عليه! فثمة مجاهدون كبار رفضوا أن يدفنوا في مربع الشهداء، وهذا ما حصل مع المرحومين بن يوسف بن خدة الذي كان بومدين يناديه بن مخدة لكونه يبدو نعسانا وهو قافز أي بومدين على رأي الجزائريين وإن كان يضحك على أذقانهم بعض المهاجرين من جنوب الصحراء باسم الدروشة والشعوذة لكثرة طمعهم، أو ما حصل مؤخرا مع مهري وهو فكريا أكبر مخ سياسي عرفته الجزائر ما بعد الاستقلال، وهو مهندس التقارب بين الرئاسة أيام الشاذلي والفيس المحظور في عملية استباقية لقطع الطريق أمام حرب داخلية (والإرهاب) كما توقعها قبل وقوعها فهذا الزعيم الذي توفي قبيل نحو عام تقريبا طلب أن يدفن في مقبرة عادية في بن عمار بأعالي العاصمة!