يعد عنوان النص اليوم سمة بارزة في الدراسات النقدية الحديثة فهو تركيب دال وعتبة أولى للولوج إلى النص ومضمونه يقف عليها المتلقي وتقع عينه عليها للوهلة الأولى فكيف إذا كان الديوان الشعري يحمل في جوفه القصيدة التي شكلت عنوانه ؟ في الزمن المقطوع يصنع الشاعر الجزائري الحديث سليم دراجي حضوره المخضل بالحرف الشامخ ، شاعر حقيقي يصنع حضوره لما يمتلكه من زمام اللغة و أبجديات التجلي ففي قراءة لديوانه استوقفتني قصيدته التي عنون بها ديوانه الشعري « اغتيال زمن الورد « فالعنوان كما ذهب محمد مفتاح في كتابه ( دينامية النص ) فيما يخص العنوان ،هوية القصيدة ،وهو بمثابة الرأس للجسد وعليه يبنى الجسد. والشاعر سليم دراجي في إسقاطه عنوان القصيدة السابعة من ديوان «اغتيال زمن الورد» الذي يحتوي خمس عشرة قصيدة يختار بينية عنوان يَحملُ المتلقي على الإبحار في القراءة المعمقة والتأمل، وقد كان اختياره الدقيق والمتناهي مقصودا وليس اعتباطيا ففجر بهذا العنوان الخمسة عشر نصاً التي تضمنها الديوان ومن الصدف العجيبة أن تكون هذه القصيدة التي تحمل عنوان الديوان في الترتيب السابع، لما لهذا الرقم من دلالة في المورث الاجتماعي والديني والروحي،فهو رقم مهم وجوهري في بناء هيكل الكون وفي تكوين الإنسان، وهو بمثابة محور القصيدة وأنا من هذا المنطلق وبعد قراءتي الديوان رأيت أن أسلط الضوء على هذه القصيدة المحورية (اغتيال زمن الورد) في مقاربة من حيث بنية العنوان الذي يوحي للوهلة الأولى بالضياع والشتات والجريمة فقد وردت دلالة الاغتيال في النص في عدة معاني مختلفة ( خراب، تطعنه، الرعب، الطعن، النزيف، القتال، الخريف، الغدر، الشقاء، ورطة، اللظى، مزقتني، الأسى، تقطع، انتهينا، العناء) ،وجاء الورد يلبس في معناه عدة أثواب:(مذبلة للورد، تفتح أجفانها ، افتح قلبك متسعا، خيام من الدفء، نبضة الحب، حب وفاكهة، لهو الصبا، توغلنا في الغوايات، لنوزع أحلى ابتساماتنا، سأغني )...فالعنوان ذو التركيبة الدينامكية المتضادة الدالة على الجرم المستمر وهو يكشف عن نفسية شاعر أثقلته الخيبات والغدر خيبة الأصدقاء والحب، وخيبة الوطن ،وخيبة الانتماء القومي للجسد العربي الممزق وإن كان قد اختار لهذا الاغتيال زمنا محددا صنعته قريحته الشعرية زمن الورد فالشاعر يفقد الأمل في زمن الأمل ويفقد الدفء في زمن مقتطع كان ينبغي أن تلتئم فيه الجراحات فالخيانة والغدر والطعن والشقاء والسير فوق اللظى و الوصول إلى لحظة الانتهاء والعناء... كلها تراكمات نفسية جسيمة تلقى على قلب شاعرنا شاعر الورد والحب والدفء ولهو الصبا الذي يوزع الابتسامات مثلما يوزع الورد والغناء رغم الوجع فيجمع الشاعر سليم دراجي بين ثنائية ضدية، بين الاغتيال والورد ، فالاغتيال مهما كان شنيعاً فإن الزمن الذي حدث فيه زمن الورد كفيل بتضميد الجراحات،والورد وإن كان قد احتل حيزاً زمنيا فهو يثبت وجوده و عصمته رغم الذبول والغدر والاغتيال، فنجد الشاعر بقدر ما يوغلنا في نظرته السوداوية المتبصرة بالواقع المرير والمصورة له بقدر ما ينبعث ويخرج من بتلات زمن الورد لينتشل نفسه من براثين الضياع وينتشلنا ، مما يؤدي إلى انسجام القارئ مع نصه الشعري المحض و هو الشاعر الجزائري الوحيد الذي تتعدد معاجمه الدلالية وتقفز اللغة من بين يديه إلى معالم بهية تمتع المتلقي وتسحر لبه فلا تستعصي عليه مفردة ولا ينازله في معركة الصدق معنى. إن ديوان اغتيال زمن الورد في تاريخ الشعر الجزائري الحديث وفي تاريخ الشعر العربي هو ثورة حقيقة في عالم معاجم الدلالة و حقولها، ونقلة نوعية للشاعر السلقي الوحيد الذي تزدحم ذاكرته ما بين زمن مفقود وزمن موجود فيملأ مساحات الفراغ بنصوصه المسربة من عمق الدهشة والجمال أنجبته الجزائر من عمق عين وسارة بولاية الجلفة. فمسار التجربة الشعرية الفريدة والناضجة على يدي الشاعر سليم دراجي وغيره من الشعراء يطرح بين أيدي المتلقي في الساحة الفكرية والأدبية الجزائرية والعربية زخما من المعاني وبوادر للارتقاء وجب أن يلتفت لها النقاد باحتضان الحرف وتفجير كوامنه والكشف عن طاقات الإبداع الزاخرة التي يحتويها و إلاّ كيف يكون لنا كل هذا الكم من الإنتاج الزاخر ولا يكون لنا نقاد وقراء يحركون ويفجرون جماليته؟