إن أي منافح عن الأطباق الاعلامية المقدمة على المائدة الرمضانية الخاصة بالتلفزة الوطنية إما مصاب بانعدام حاسة الذوق أو بعدوى الهوس المشهدي تمنعه من التفريق بين برامج 2013 و 1962 حينما كانت مؤسسة التلفزة الوطنية تحتوي على عدد قليل من الكاميرات و عدد أقل من الذين يجيدون القبض على الصور و المشاهد بها ، لكن في الوقت الذي تتطور فيه الأقوام نزداد نحن إدمانا على السباحة ضد التيار فقد خسر تلفزيوننا العتيد آخر مشاهديه هذا الشهر الكريم ففي الأعوام الماضية على الأقل كان الجزائريون يتذكرون أن لهم تلفزة وطنية يتسمرون أمامها أثناء التهامهم "للحريرة" و "البوراق" معلنين عن نهاية يوم رمضاني شاق لكن قوة أعاصير الرداءة و البلاهة لهذه السنة الاعلامية اقتلعت آخر الكائنات التلفزيونية من فئة الشيوخ و العجائز من مشاهدة "دزاير" . الجزائري بطبعه محلي و في المناسبات الوطنية أو الدينية يرغب في ملئ عينيه و أذنيه بمشاهدة و سماع أبناء لهجته و بما أن الاطباء قد نصحوه بالابتعاد عن برامج التلفزة الوطنية حتى لا يصاب بأمراض عضوية كالصرع أو السكر أو الضغط أو أمراض نفسية كالانفصام عن الواقع أو العته و البله قرر أن يبقى في دائرته الاعلامية الجزائرية لكن بالانتقال من العام إلى الخاص فالحمد لله نحن معشر الجزائريين لدينا قنوات فضائية خاصة تقدم برامج هي مرآة عاكسة لطبعنا و ثقافتنا و تاريخنا بشكل في قمة الاتقان ، هذا ما كنا نتمناه حينما احتلت هذه الفضائيات مواقع لها في قائمة قنواتنا المفضلة في جهاز التحكم عن بعد ثم جاء الامتحان الأكبر في رمضان فأهانت نفسها هذه الفضائيات شر إهانة و روت المواطن المتسول لجرعة مرح أو شربة فرح بعد مكابدة لعطش الصيام لساعات طوال غما و سقته هما ، برامج كوميدية تزيدك حزنا و قوالب هزلية تفضح هزال معديها و قحط في الخيال و تصحر في الابداع بل أن بعض البرامج تجاوزت حتى الخطوط الحمراء للباقة و اللياقة في اختيار الكلمات مستعملة عبارات تخدش الذوق العائلي جاهلين أو متجاهلين مقدمو هذه الحصص أن للأسر الجزائرية قاموس لفظي محدد لا يجب التحليق خارجه خاصة وقت احتشاد عموم العائلات على مائدة الافطار قبالة الصندوق العجيب . قد يقول البعض أن المقارنة بين الفضائيات الجزائرية الخاصة و التلفزة الوطنية ظالمة لتفاوت مستوى الامكانيات المالية و اللوجستية و لتباين رصيد الخبرات و الكادر البشري و المقارنة ستكون أظلم لو وسعنا الدائرة أكبر لتشمل فضائيات الجيران و العرب عموما فهم يبعدوننا بمئات السنوات الفضائية و ينتظرنا عمل كبير و جاد للوصول إلى مستواهم و الخطوة الأولى في رحلة التأهيل الاعلامي لا بد أن تكون بالاعتراف بالخطأ أولا و عدم الكيل بمكيالين خاصة الجرائد التي لها أذرع فضائية و التي كانت من قبل تحول صفحاتها في شهر رمضان إلى منصات تقذف منها صواريخ حاملة لأشد رؤوس النقد و الجلد لبرامج التلفزة الوطنية ناعتة إياها بآخر صيحات السخرية و الاستهزاء لكن حينما تعلق الامر اليوم ببرامجها السابحة مع ذبذبات الاقمار الصناعية و التي لا تقل بلاهة و في بعض الأحيان تفوقها بذاءة تصوم الأقلام عن كتابة الحقيقة ثم تفطر بتمر الذاتية و حليب النرجسية .