سيكون الجمهور الجزائري على موعد لأول مرة -تقريبا- شهر رمضان المقبل، مع تجربة الاختيار بين ما تقدمه التلفزيونات الجزائرية الخاصة، والمؤسسة العمومية للتلفزيون التي لم تكن تخشى أية منافسة منذ أن افتتحت، فعلى مدار عقود كان التلفزيون الجزائري، هو الخيار الأوحد للمشاهد قبل دمقرطة أجهزة الاستقبال الفضائي، الذي فتح المجال للجزائريين لاختيار البرامج التي يفضّلون مشاهدتها، ولم يشف هذا الفتح غليل الكثير من الجزائريين، على اعتبار أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لاستهلاك منتوج غير جزائري. وإلى غاية افتتاح المزيد من القنوات، بداية ب ''كنال ألجيري''، ثم القناة الثالثة، فقناة القرآن الكريم والقناة الأمازيغية، لم يكن هناك من تعدد فعلي يضمن الحد الأدنى من الخيار للمشاهد، فحتى القنوات الجديدة التي افتتحت كانت تبث بشكل كبير نفس برامج القناة الأرضية، بتوقيت عرض مختلف. مع بعض الإنتاجات الخاصة المرتبطة بنوعية القناة. وباستثناء تجربة ''بور تي في''، التي كان من المفترض أن تكون عودتها شهر رمضان الماضي، بداية لعهد جديد في هذه القناة، حسب الحملة الإعلامية الكبيرة التي أطلقت وقتها، لتجد نفسها تغلق أبوابها في مفاجأة لم يكن يتوقعها أحد. فإن المشاهد الجزائري لم يجد متنفسا يوفر له بديلا ذا طابع جزائري ولو بشكل جزئي، قبل افتتاح قناة نسمة منذ ثلاث سنوات. بشكل فعلي أصبح للجزائر قنوات خاصة، في إطار فتح مجال السمعي البصري بقرار يندرج ضمن الإصلاحات التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة منتصف العام الماضي، ولعل أكثر هذه القنوات نشاطا هي قنوات ''الشروق''، ''النهار''، و''الجزائرية''. وفيما بدا أن قناة النهار توجهت إلى التركيز على الأخبار، تقدم قناتي الشروق والجزائرية شبكة برامج متنوعة تشمل الأخبار، البرامج الحوارية، المسلسلات والوثائقيات، الأمر الذي يجعل المشاهد الجزائري يعول كثيرا على هاتين القناتين من أجل صناعة التنوع الذي يبحث عنه. عادة، ترتفع نسب مشاهدة القناة الوطنية في شهر رمضان، قياسا مع هجران المشاهد لها في بقية الأشهر، هذا ما يدفع المعلنين إلى استغلال فرصة هذا الشهر لعرض منتوجاتهم في وصلات إعلانية، تحاول اختيار أوقات الذروة التي تصاحب بما يقدره مسؤولو مبنى شارع الشهداء الأحسن. وإن كان المشاهد الجزائري يحلو له متابعة التلفزيون الوطني في رمضان، فهذا لا يعفيه من انتقاد مستواه، وهو الأمر الذي انضم إليه وزير الاتصال لأول مرة رمضان قبل الماضي حينما صرح ''أنه يعتذر للمشاهد على مستوى البرامج الرمضانية''، قبل أن يعود العام الماضي ليقول ''إنه يبكي على حال التلفزيون''، تصريحات وإن كانت شجاعة وغير معتادة من الوزراء الجزائريين، إلا أنها لا تسمن ولا تغني من جوع إن لم تكن وراءها نية حقيقية في تطوير المستوى. رغم هذا، لن تكون مهمة القنوات الخاصة في استمالة الجمهور الجزائري الذي تعوّد على القناة الوطنية، سهلة، لكنها تبقى الفرصة الأولى التي ستصنع لها قاعدة جماهيرية، وهو الأمر الذي تفطن له مسؤولو هذه القنوات، وجندوا من أجله فرق العمل، من أجل إنتاج برامج ترقى لمستوى تطلعات الجمهور الجزائري في زمن الفتح الإعلامي. ولا يقتصر الأمر على إنتاج برامج خاصة، الأمر الذي تملك قناة الجزائرية خبرة فيه، على اعتبار أن المشرفين عليها قدموا من خلفية إنتاجية، ولهم خبرة في صناعة برامج بثت في فترة سابقة على التلفزيون الجزائري مثل ''الصراحة راحة''، بل يتعداه إلى الإنتاج المشترك مع خواص، وشراء حقوق بث مسلسلات، وهو الأمر الذي تعتمده قناة الشروق في مسلسل ''عمارة الحاج لخضر'' مثلا. ويبقى المستفيد الأول من هذا التعدد هو الجمهور الجزائري، الذي سيكون لأول مرة على موعد مع جهاز التحكم، من أجل اختيار القناة التي تحقق له الحد الأكبر من احترام ذوقه.