قدمت أول أمس، جمعية شباب المستقبل بمعسكر، وفي اطار منافسة المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي عرضها المسرحي المقتبس عن نص “سوق النسا” للممثل والكاتب منير بومرداس، ومن توقيع المخرج عبد الوهاب بلحول يحمل عنوان “المشروع”، وهوعرض درامي قدم في شكل ثنائي. مسرحية “المشروع” الذي صمم فيها السينوغرافيا الفنان نور الدين بعطوش، وجاءت أدوارها بتقمص ثنائي لكلّ من قادة تاتي، بتول أوريلس، تدور أحداثها في قالب كوميدي ساردة يوميات رجل يؤمن بمشروع إنساني، يريد من خلاله أن يفكّ رموز شفرة مشكل العصر، فحدث ما لم يكن في الحسبان مع شريكة حياته التي كان يراها سندا للمقولة المشهورة القائلة أنّ “وراء كل رجل عظيم امرأة”. وقد تابع الجمهور الذي غصّت به قاعة العرض مجريات أحداث هذا العمل المسرحي، حيث تفاعل معه بالتصفيق تارة وبالضحك تارة أخرى نظرا للمشاهد الكوميدية التي أبدع في تصويرها هذا الثنائي القادم من مدينة معسكر، وتصاعدت أحداث المسرحية بين الزوجين اللذان حاول كل واحد منهما فرض سيطرته على الآخر، ولكن في قالب كوميدي شيق، وهوما أضفى على المسرحية مسحة من الفكاهة، ولكنها فكاهة تحمل العديد من المعاني والإيحاءات بخصوص هذا الموضوع الاجتماعي الذي يصور كل ما يمكن أن ينشأ بين الزوجين من مشاعر حب السيطرة وفرض وجهات النظر على الشريك، وهي الظاهرة التي يبدوأن المجتمع الجزائري ما زال يعاني منها في كثير من الأحيان. وعلى الرغم من بساطة العرض من حيث أدواته السينوغرافيا، إلا أنه استطاع بقدرات الثنائي الذي شارك في إنجازه وتجسيده على الخشبة، أن يأسر الجمهور الذي خرج عند نهاية العرض معبّرا عن إعجابه بالمسرحية التي خرج أبطالها تحت تصفيقات وزغاريد الإعجاب.
كما قدم في ذات اليوم عرض مسرحي آخر، خارج اطار منافسة المهرجان يحمل عنوان “الفحلة”،وتشكل المسرحية صورة لكلّ امرأة جعلت المقاومة قبلة لإثبات الذات، وتحقيق الوجود، حيث تسرد لنا المسرحية حكاية امرأة فقدت فجأة رفيق دربها (زوجها) الذي لازمته ويلات المرض لسنوات طويلة، لتجد نفسها وحيدة محاصرة ومستهدفة في كرامتها، وإنسانيتها، وشرفها، تلك الوضعية الإنسانية الوجودية التي يضعنا في قلب عاصفتها المؤلمة كاتب النص علي ناصر، ومخرجه عز الدين عبارة، في مونودراما، أدت أدوارها بجودة وشجاعة الممثلة القديرة نسرين بلحاج… عبر مشاهد العرض، تتكشف أمام المشاهد شخصية “فحلة”، التي اتخذت المقاومة عنوانا لحياتها بعد وفاة زوجها، والتحدي غايتها لتكسير المضايقات التي تحيط بها من كل الجوانب، فلا تستسلم، بل تقرّر اختراق الجدران الأربعة نحوالعالم الذكوري، لتنافسه منافسة من يريد كسب قوت يومه، حتى لا تبسط يدها لنيل إحسان الآخرين، بل تناضل لأجل كرامتها وترفض الاستسلام للقدر الذي يريد أن يرسمه لها المجتمع، ولم يكن ذلك دون ثمن، حيث دفعها ذلك إلى المقاومة اليومية، والشرسة، التي لا تستهين بكلّ المحاولات التي تسعى للحطّ من شأنها، وتشويه صورتها… جاء الفضاء السينوغرافي للعرض فقيرا، وخال من الديكور، اعتمده المخرج عن قصد، حتّى لا يشتت ذهن المتفرج، ويجعله يتماهى مع الأداء الفردي، فجاءت بلاغة العرض في فقره الذي جعل جمهور العرض في مواجهة مباشرة أمام الحقائق التي طالما سعينا لتغطيتها، والتحايل عليها بعديد المبرّرات المزيفة في التعامل مع المرأة في الحياة اليومية الخارجية، كما سعى مخرج العرض، في إدارة الممثلة، إلى التركيز على العالم الداخلي السيكولوجي لديها، وتحويل باطنه إلى لغة شفافة تخاطب الوجدان والعقل، على حد سواء، وتجعل غايتها القصوى المتعة والإمتاع في فرجة لا تتنازل عن إستتيقا الالتزام، والدفاع عن القيم الإنسانية، ضمن الانتصار لسلطة المؤنث في مواجهة المذكر…