كلمة مراسل محمد مرواني حين كانت مصر تستعد سياسيا وعسكريا لحرب أكتوبر 1973 لاسترجاع سيناءالمحتلة آنذاك من الكيان الصهيوني، كان قرار الحرب يؤجل كل مرة، وسبب ذلك ما قاله يومها الرئيس المصري الراحل أنور السادات عن "ضباب سياسي دولي " يؤجل قرارا هاما كقرار الحرب ضد العدو، ولعل في هذا الطرح بسياقه التاريخي ما يتصل أو يشبه على الأصح وضع الحياة السياسية بالبلاد في الوقت الحالي، إذ عم بالفعل الضباب وأضحى المناخ الوحيد الذي يحاصر العمل السياسي ويخنق إلى درجة كبيرة أي دينامكية أو حراك يراد منه كسر الروتين السياسي الذي فرضه خطاب التخوين والتراشق الاعلامي بين أحزاب لا تأبه كثيرا بحزب الصامتين المتحفظين على الآداء الحالي في العمل الحزبي. لقد أجّل الضباب السياسي الذي تعرفه الساحة السياسية، وحالات التراشق والتصارع الإعلامي بين الموالاة والمعارضة أي مشروع لبناء مجتمع سياسي يحركه الوعي بقضايا الراهن ولا يختزل فيه العمل العام ضمن خانة فئوية تستأثر بإدارة الأحزاب والمؤسسات، مناقضة بذلك بعد التداول السياسي على إدارة الشأن العام ضمن الأطر الديمقراطية التي تكفل لجميع المواطنين حقهم في تنمية بلدهم سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا. كيف يمكن لهاته الأحزاب التي تتحدث الآن عن جزائر الغد أن تحمل في آدائها وممارساتها للفعل السياسي أي استشراف لحاضر ومستقبل البلد، وهي لا تنتخب حتى أمناءها الولائيين بشكل شفاف أو نزيه، هذا بالطبع دون تعميم، فقد لا ينطبق هذا على البعض ممن يحاولون تأسيس نموذج حقيقي للتدوال على إدارة الأحزاب السياسية التي يحفظ لها قاموس التاريخ والممارسة أنها وجدت لتأسيس الوعي لا للتحايل على الناس. إن الضباب السياسي الذي يحاصر بالفعل أحزابنا السياسية من حيث غياب أي رؤية للعمل المشترك أو إطار حقيقي للتحاور بين الأطياف المختلفة على تسيير الشأن العام للبلاد قد يؤجل كل انتقال نوعي أو تقدم في الآداءات العامة التي ينشد منها تطوير البناء المؤسساتي للدولة وتعزيز قوتها السياسية والاقتصادية . والأخطر في كل ذلك، أن قطاعا واسعا من الجمهور والرأي العام، قد اعتاد على هذا الإيقاع وسلّم أنه مناخ عادي يجب أن تتكيف معه كل القوى الفاعلة من نخب وجمعيات ومؤسسات، وهو ليس مناخا أو وضعا عاديا، بل أن الضباب السياسي الذي لو تعمقنا في تفاصيله، لوجدنا أنه لا يرتبط بأداء المؤسسات داخل الدولة، بل يتصل في الحقيقة بفقدان نخبنا السياسية أي موقع في العمل العام أو تأثير على الجمهور والحياة السياسية التي أصابها ركود وجمود في الخطاب وضبابية في الآداء أصبحت أكثر وضوحا خلال الآونة الأخيرة.