بقلم: وائل قنديل بعد دقائق من بدء العدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة الماضي وقف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو (هكذا وصفه قرار أعلى محكمة دولية) ليعلن انتصاراً كاذباً على إيران زاعماً إنه يهدي العالم نبأ الإجهاز على المشروع النووي الإيراني وتدمير قدرات طهران الصاروخية منتشياً وكأنه سيتجوّل في ربوع إيران بعد ساعات. هذا الحرص على إظهار الاستعلاء العسكري الصهيوني ثبت لاحقاً أنه جزءٌ من البارانويا الإسرائيلية المتضخّمة بغية إرهاب خصومها. سرعان ما تبدّد غبار الدعاية السوداء في اليوم التالي بعد أن طاولت الصواريخ الإيرانية كامل مساحة فلسطين المحتلّة وألزمت كل المستوطنين المبيت في الملاجئ تحت الأرض وأصابت المطار الرئيس والموانئ بالشلل وأذاقتهم طرفاً من جحيم غزّة. ذلك كلّه معلوم من تطوّرات أحداث المعركة بالضرورة بعد أن شاهد القريب والبعيد كيف أن العدوان الأميركي الذي نفّذته الآلة الصهيونية أضاف أدلّةً جديدةً على سقوط أكاذيب القدرة الهوليودية المطلقة وبان للمتابع أن مسألة التفوّق اللانهائي ليست سوى شكل من أشكال الردع السينمائي أمّا الجدير بالتوقّف أمامه فهو ذلك الرعب الذي يسكن عقل نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي كلّه من فكرة الزوال الحتمي لهذا الكيان والذي هو في أعماق اليقين الصهيوني مسألة وقت إذ كان أول ما نطق به نتنياهو بعد الضربة الأولى: نفّذنا هذا الهجوم لتدمير البرنامج النووي الإيراني لأنه لو حصلت إيران على القنبلة النووية فلن يكون لنا وجود هنا . *جوهر الحكاية كلّها هنا جوهر الحكاية كلّها أن نتنياهو يعلم (والمجتمع الإسرائيلي كذلك) بأنهم غرباء عن هذه المنطقة وأن بقاءهم فيها مستحيلٌ ما دام هناك مشروع آخر مضادّ على قيد الحياة وأنه لا سبيل للاستمرار على هذه الأرض إلا بالقضاء على كلّ الخصوم القائمين والمحتملين ومن ثمّ تظلّ شهية هؤلاء المزروعين جبراً وقهراً في المنطقة مفتوحةً دائماً على قتل الأغيار وإبادتهم فلا يبقى مسموحاً بالبقاء سوى الذين يرتضون منهم أن يعيشوا عبيداً وخدماً عند الصهيوني الأمر الذي يجعل هذا الكيان في حالة اعتداء مستمرّة يؤجّجها الإدراك الكامن في الأعماق بأن المستقبل هنا لا يقبل القسمة بين اثنين أو أكثر من ذلك. الخطاب الصادر من كلّ ممثلي إسرائيل الرسمية يدور حول هذه العقيدة: قتل الجميع ليحيا الصهيوني وإنهاء كلّ المشاريع المنافسة شرطاً وحيداً لاستمرار المشروع الصهيوني في قيد الحياة فليس مسموحاً لأيّ طرف بأن يمتلك أيّ ملمح من ملامح القوة وأن على العالم أن يدعم هذه العقيدة الفاشية العنصرية ويتعبّد في محراب الإجرام الصهيوني المقدّس وهذا ما يفسّر تلك اللوْثة التي أصابت العقل الصهيوني الذي صدمه أن إيران تلقّت ضربة العدوان الأولى ولم تسقط ولم تسلم بل نهضت وردّت الصاع صاعيْن وأشعلت حرائق الخوف الوجودي داخل الشخصية الإسرائيلية خصوصاً أن هذا الصمود الإيراني جاء في مواجهة عدوان تشارك فيه الولاياتالمتحدة وبريطانيا وبدرجة أقلّ فرنسا في جانب الكيان الصهيوني فضلاً عن الأدوار التقليدية لتوابع واشنطن في المنطقة ليستفيق مجتمع الاحتلال على واقع ينسف كلّ الأوهام المعششة في رأسه بأنه لا قبل لأحد في الإقليم بقوته الساحقة. لم يعد كابوس الزوال الحتمي للوجود الصهيوني نتيجة نبوءات توراتية وعقدة تاريخية فقط بل ها هي إيران والمقاومة في فلسطين واليمن تصدم هذا المجتمع الغريب بوقائع مدركة بالحواس الخمس تخبرهم بسقوط كذبة أنهم يمتلكون مفاتيح الشرق الأوسط لتشتعل مجدّداً آبار الوعي بعقدة النهاية التي تحدّث عنها رئيس وزراء الاحتلال السابق إيهود باراك قبل عام تقريباً من طوفان الأقصى فكتب في مقال له في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم وكلتا الفترتين كانت بداية تفكّكها في العقد الثامن وإن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها. تلك هي نبوءة الشهيد الشيخ أحمد ياسين التي تحدّث عنها الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام (أبو عبيدة) بعد أسبوعين فقط من انطلاق الطوفان بالقول إن زمن أسطورة الجيش الذي لا يقهر قد ولّى وإن المعركة الحالية ستكون فاصلةً في تاريخ الأمة موضحاً أن زمن انكسار الصهيونية قد بدأ ولعنة العقد الثامن ستحلّ عليهم وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيّداً ولينتظروا أوان ذلّتهم بفارغ الصبر . يبقى أن كلّ ما تقوم به إيران الآن مشروع لأنها تردّ عدواناً ابتدأه العدو الصهيوني وداعميه استباح فيه كلّ شيء في الأراضي الإيرانية مدنيين وعلماء وعسكريين بل وأعلن بوضوح أنه يريد استبدال حكومة عميلة بالنظام الإيراني الحالي الذي يُتَّهم أوّل ما يُتَّهم بأنه الداعم الأول والوحيد للمقاومة العربية في غزّة ولبنان واليمن. ما تفعله إيران الآن دفاع عن النفس بشكل أساس ومحاولة منع الاحتلال الصهيوني من ابتلاع المنطقة كلّها والذي إن حدث فلن يستطيع عربي واحد أن يرفع رأسه ووقتها سيتحوّل العرب على كثرتهم العددية ووفرتهم المالية الهائلة إلى مجرّد زبائن في إقليم الشرق الأوسط يشترون وهم الأمن بالتبعية ويبيعون ولاءهم بالمجّان. هذه معركة الأمة وليست معركة إيران فقط واقرأوا جيّداً حالة التماهي التي يعيشها الجمهور العربي مع كلّ زخّة صواريخ إيرانية على الكيان الصهيوني وهي الحالة التي غطّت على ذلك الفحيح المنبعث من خرائب الطائفية.