صدام حسين.. طفولة شقية الحلقة 17 مجدي كامل أما بالنسبة لمصير والده، فإن أكثر ما يمكن أن يقال، إما أنه قد تُوفي بعد فترة قصيرة من ولادة سهام، أو أنه ترك منزل العائلة. ويقول بعض من عاصروا صدام في تكريت بأن حسين المجيد هجر صبحة إلى امرأة أخرى، وعاش معها لسنوات عدة بعد ولادة صدام، رغم أن العلاقة بين الجانبين من العائلة كانت مسمومة. ورغم أنه من الصعب تقديم سيرة دقيقة لطفولة صدام المبكرة، فإنه يمكن تجميع بعض الخيوط بعد هجر حسين المجيد لمنزل الأسرة، كانت صبحة والدة صدام تعاني من العدم، كان عملها الوحيد قراءة الطالع أي "مستبصرة"، وكان السكان في تكريت، قد تذكروها كامرأة بملابس سوداء على الدوام وجيوبها مليئة بالأصداف التي كانت تستخدمها في مهنتها، وتحدثت بعض الروايات عن أنها كانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله، الذي كان يسكن في تكريت، بينما تكفل الأخير بتنشئة صدام، وتعود شهرة تكريت تاريخيا إلى أنها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الشهير الذي هزم الصلبيين الغزاة في فلسطين. وخير الله طلفاح الذي كان يعمل ضابطا في الجيش في تكريت من القوميين العرب المتحمسين، وسيصبح له نفوذا كبيرا على تشكل صدام الصغير، وفي الأدلة على الرابطة القوية التي تطورت بين الخال وابن أخته هي أنه بعد أن أصبح رئيسا كافأ صدام خاله بتعيينه رئيسا لبلدية صدام. وعندما أدى حماس خير الله للنازيين إلى كرده من الجيش عام 1941، افتقده صدام كثيرا، وقال صدام لفؤاد مطر أحد كتاب سير حياته الرسميين "كان خالي قوميا ضابطا في الجيش العراقي، أمضى خمس سنوات في السجن، وكان دائما يبث فينا الروح الوطنية والقومية، وعندما كنت أسأل عنه، كانت أمي تقول: إنه في السجن"، وقد زرع خير الله في الصبي الكراهية للعائلة الملكية، التي كانت تحكم العراق في ذلك الحين، ومن يدعمهم من الأجانب، والبريطانيين قبلهم على سبيل المثال، وقد كان هذا الشعور عميقا لدى صدام، الذي كتب قائلا بعد أن أصبح رئيسا "يجب تعليم أطفالنا الحذر من كل ماهو أجنبي، وعدم البوح بأي سر من أسرار الدولة والحزب للأجانب لأن الأجانب هم عيون بلادهم". كان سدن خير الله يعني عودة صدام للعيش مع والدته التي كانت قد تزوجت لدى عودة ابنها إلى العوجة من قريب لها يدعى حسن الإبراهيم، الذي كان فقيرا بوابا بمدرسة في تكريت، وكان يعتدي بالضرب على صدام، حيث أنه كان يجبره على الرقص في الوحل للنجاة من الضرب بالعصا، كان البيت المبني من الطين صغيرا، وحتى صدام نفسه يعترف بحياة الحرمان والشقاء أثناء طفولته، فقد أسرّ لأمير إسكندر أحد كتاب سيرة حياته، أنه لم يعش حياة الصغر، وكان طفلا حزينا يتجنب صحبة الآخرين، وهناك فقرة تثير الشفقة في قوله: إن مولده لم يكن مناسبة سعيدة، ولم تكن هناك زهور إلى جانب مهده. وإلى جانب هذه الظروف القاسية، فقد كان صدام يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج أمه الفاسد الذي كان يعرف في القرية ب"حسن الكذاب"، لأنه ادعى _كذبا_أنه أدى مناسك الحج، رغم أنه لم يفعل. وقد حرم صدام من الذهاب إلى المدرسة، وكان يُكلًّف بالقيام بالأعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران، وقد يقال إنه: قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لأفعاله تلك، ويقول وزير عراقي سابق: إن والدته صبحة كان لها دور أيضا في تشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم أو المسروقات في الليلة نفسها. وإن كانت الحياة صعبة في المنزل، فإنها لم تكن أحسن حالا عندما كان يتمكن صدام من الإفلات من زوج أمه ويخرج إلى الشارع، وكان شائعا في القرية أن الصبي يتيم… الأمر الذي لم يفعل حسين شيئا لدحضه، ونتيجة لذلك فإن الصبية كانوا يضايقون صدام ويتحرشون به أحيانا، حتى أنه كان يضطر للتسلح بقضيب من الحديد عندما يخرج للشارع للدفاع عن نفسه إن دعت الضرورة، وتحدثت روايات عن أن صدام كان يضع القضيب في النار ويبقر بطون الحيوانات به من أجل التسلية ليس إلا، وكان صدام يعاني من الوحدة. ومن الممكن سبر وفهم وجهة نظر صدام عند طفولته من خلال سير حياته الرسمية، لم يذكر زوج والدته إلا نادرا وبسوء، حيث كان يوقظه في الفجر ويسبه كي ينهض لرعي الغنم، وهو يعترف بأنه عاش في بيت متواضع، وفي السبعينيات، وعندما كان صدام يسعى لبناء قاعدة نفوذ له في العراق، كان يؤكد على أصوله المتواضعة، والتي كان يأمل من ورائها التقرب وكسب تعاطف المواطنين العاديين. وفي جوان من عام 1990، وعشية حرب الخليج، كان صريحا أثناء مقابلة مع ديانا سوبر من شبطة "آي بي سي" التلفزيونية عندما قال: إن الحياة كانت صعبة للغاية في العراق، قلة قليلة كانت ترتدي أحذية، وفي كثير من الحالات، فإنهم كانوا يرتدونها في المناسبات الخاصة، وبعض الفلاحين لم يكونوا يلبسون أحذيتهم إلا عند وصولهم إلى مقصدهم حتى تبقى نظيفة. ومثل معظم الأبناء فإن صدام كان متعلقا بأمه، وهو ما تمثل في البناء الذي أقامه لها في تكريت_وإن كان ذلك بأموال الدولة_وقد احتفظ صدام بعلاقات جيدة مع إخوته من أمه، رغم أن تلك العلاقات كانت صعبة أثناء الطفولة. وقد أسند صدام لكل من برزان، وسبعاوي، ووطبان مناصب رسمية مهمة بعد أن أصبح رئيسا للعراق، حتى أن برزان اعتبر نفسه لسنوات عدة ولي عهد صدام، الذي علمته تنشئته بأن لا يثق بأحد، وأهمية الاعتماد على النفس، وقيمة وأهمية استخدام القوة لإطاحة من يقف في وجهه أو طريقه، وتعلم أنه أيا كانت عدم كفاءة أسرته الوظيفية فإن هؤلاء هم الأشخاص الوحيدون الذين يمكن أن يثق بهم ويعتمد عليهم. يتبع…