بقلم: مراد ملاح من تجارب الدول…… ماليزيا (2) التنمية في ماليزيا وكيف تحققت ؟ لا شك ان التنمية عملية مركبة ومتعددة الابعاد، فهي على الصعيد الفردي تعني تحسينا وتطويرا، تمهينا وإقدارا وتمكينا للفرد بمايرفع من مستوى ونوعية الحياة التي يعيشها وتمتد للمجتمع بأسره متناولة الجوانب الحياتية المختلفة بمافيها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولعل أهم رافد من روافد النجاح الماليزي هو العقد الاجتماعي الذي طروه الماليزيون بشكل مذهل ومبهر، اذ الاعتراف بالتنوع الديني والعرقي واللغوي ساهم منذ البداية في تحرير الافراد من كل ما يمكنه أن يشكل حساسيات مقيتة قد تلقي بظلها على جهود التنمية لاحقا، كما أقر الماليزيون بوجود فوارق حقيقية خاصة ما تعلق بالدخل والتعليم لذا تبنىوا نهجا متأنيا وهادئا واقعيا وتدريجيا ما أسهم في توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي بدون عقدة الأصل والتاريخ واللغة والعرق، حيث وطيلة 50 عاما أي من الفترة ما بين 1957-2007 قاد ماليزيا ستة (6) رؤساء وزراء فقط، ابتداء من بطل الاستقلال كما يسمى تنكو عبد الرحمن أول رئيس وزراء مرورا بالظاهرة الماليزية وأب النهضة الطبيب خريج سنغافورة مهاتير محمد وصولا الى رئيس الوزراء عبد الله أحمد بدوي الذي لم تكن اصوله اليمنية عائقا في استمراره على نهج سلفه مهاتير وهو الذي حرر والده نص وثيقة استقلال ماليزيا. لقد توفر لماليزيا هذه الكوكبة من السياسيين الافذاذ ذوي بعد النظر والتخطيط الاستراتيجي وشكلوا خلال سنوات متعاقبة رافعة للنهضة الماليزية لذا شكل الفضاء السياسي التوافقي مناخا صحيا للتنمية الاقتصادية. ومما أوصل ماليزيا الى قطف ثمار جهودها في التنمية عامل آخر لا يقل أهمية هو الانتقال بتعاليم الدين من الشعائر الى الأثر في سلوكيات الناس، فالمسلم في ماليزيا يدرك تماما أن الدين عادات وعبادات ومعاملات وأنه مناعة ضد الافكار المستوردة، لذا يضرب الماليزيون اروع الامثلة في الوسطية والاعتدال والحفاظ كل الحفاظ على القيم الاسلامية في الاقتصاد والتعامل على مختلف الأصعدة والمستويات. لقد شكل الوافد الاجنبي في ماليزيا اضافة تيسر الاستفادة منها لدى شعب يتقن عديد اللغات دون أن يتخلى عن لغته، وهو الذي ينتج عديد العلامات التجارية دون أن يفرط في زيه الوطني محافظا على خصوصيته الثقافية وكل هذا مردُّه إحداث القطيعة في بداية تاسيس الدولة مع كل ما من شأنه تشكيل عقدة لدى الماليزيين الذين طوروا نظم الادارة والعدالة والمساءلة والمحاسبة، إنها ماليزيا راعية التنمية والاستثمار في الموارد البشرية وذلك عبر الاستفادة من التقنية والمهنية التي عفت بها الشركات الاجنبية العاملة بالبلد، حيث تم الزج بالشباب الماليزي للاستفادة من هذه الخبرات ثم تكليفه بمشاريع مماثلة لتدوير تجارب النجاح والتعلم وتعزيز المكتسبات المعرفية. لقد عملت ماليزيا على الاستغلال الامثل لمواردها الطبيعية فأماكن الزراعة للزراعة واماكن الصناعة للصناعة وبالمثل للسياحة، فيما تم إعداد أدلة ارشادية وتطبيقية لكل ما يتعلق بالاستثمار والخدمات مع تحديد واضح وفصل أوضح للصلاحيات والمهام المنوطة بكل فرد وإدارة، وقد أسهم ذلك في تذليل العقبات امام المستثمرين في بيئة اتصفت لسنوات طويلة بالموضوعية في مواجهة العقبات والاعتراف بها وحلها وعدم ترحيلها ومداراتها عبر مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة الادارية وزيادة الفعالية ورفع الانتاجية بحزم منقطع النظير سماه بعض المراقبين خاصة في حقبة رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد بالديكتاتورية الايجايبية والتي تجمع بين العدل ومحاسبة المقصرين لأن نماء الوطن لا يمكن أن يرهنه أحد وها هو نفس الشخص الدكتور مهاتير يصف تجربة ماليزيا في احدى المؤتمرات التي لا يتاخر في الحضور اليها بالقول: "إن تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة نظرا لتعدد الاعراق داخل المجتمع الماليزي ولكن رغم ذلك قرر المجتمع ان يضع خلافاته جانبا ويهتم بنهضة ماليزيا" فهل نحن فاعلون ؟