*هناك حملات إعلامية ومنبرية قوية يقوم بها دعاة وشيوخ السلفية الوهابية المدخلية بالجزائر ضد الشيعة والتشيع وتهويل لم يسبق له مثيل في التحذير من المد الشيعي الذي حسب ادعائهم يمس بالأمن القومي والسلم الاجتماعي ويهدد المرجعية السنية بالجزائر، وبالتالي ينادون بالتصدي له ومحاربته، وحجتهم في ذلك بأن إيران التي ينص دستورها على التشيع الذي هو المذهب الرسمي لها، لا تسمح لأهل السنة ببناء المساجد بطهران وتضيق عليهم في أماكن أخرى، فكيف تقنعون الرأي العام هنا بالجزائر بخلاف ذلك؟ تشييع الخطاب الإيراني، ومن ثم شن حملة عالمية ضدها وشيطنته وصناعة الخوف والرعب منه مشروع كبير عالمي صنعته القوى العالمية، واتبعها في ذلك اللاعبون المحليون أوالإقليميون في العالمين العربي والإسلامي. والحقيقة أن المذهبية هي لعبة هم اخترعوها واستغلوا سذاجة العقل العربي والإسلامي المعاصر وضعف النخب العربية والإسلامية في الرؤية الاستراتيجية. إن المدقق في فلسفة الثورة الإسلامية الإيرانية يدرك جيدا أنها ليست ثورة مذهب أوقوم، وإنما فكرة عالمية ترتبط ببنية الخطاب الحضاري القرآني وروح الإسلام المحمدي الأصيل. إن الحديث عن شيعية الثورة الخمينية هو لتحجيمها وحبسها داخل قضبان المذاهب، لأن التشيع ليس مذهبا إلى جانب المذاهب الأخرى، وإنما خط متقدم يمثل ضمير الأمة الإسلامية دفعاً لحقد الأمويين على دين محمد وروح القرآن الكريم. ليس التشيع والتسنن ثنائية دقيقة تصف الواقع الإسلامي والعربي راهنا أوحتى في التأريخ، وإنما التشيع أتى لمواجهة المشاريع التي استهدفت الإسلام. لم يكن الإمام علي عليه السلام، وهو أصل التشيع من رجالات الشيعة، وهذا لا خلاف عليه، ولا مشروعية لأي فكرة أومشروع إسلامي لو خالف سيرة هذا الإمام، وهو إمام للشيعة والسنة جميعا. ثنائية الشيعة والسنة هي مختلقة لا أساس لها. ليس المسلم إما شيعي أوسني، وإنما المسلم إما شيعي وإما ليس مسلما، وإما سني أوليس مسلما. كل مسلم يجب أن يكون شيعيا في خط متقدم في ضمير الأمة في مواجهة المشاريع الهدامة ضد الإسلام، وكل مسلم يجب أن يكون سنياً يضع نموذج حياته وفقا للسيرة المحمدية الأصيلة. لا أفهم الإسلام من دون أن يكون الإنسان شيعيا، ولا أفهم الإسلام بدون أن يكون الإنسان سنياً. النظر إلى الشيعة وحتى السنة باعتبار كل منهما مذهبا هو الفهم الخاطئ الخطير لمسار الأمة، فلو أردت التطبيق لهذا المبدأ، لقلت لك إن التشيع اليوم هو الوقوف أمام الاستعمار والليبرالية والاحتلال والجرائم والتكفير دون الفرق بين أن يكون شيئا من هذه الجرائم يرتكبه من هو يُصنف ضمن المذهب الشيعي أو السني، فالشيعي هو من يتصرف اليوم بروح حسينية علوية محمدية، حتى لو كان يتبع الخلفاء رضي الله عنهم، وكذلك المنحرف عن الإسلام هو من يتخلى عن الخط القرآني في الفهم الحضاري والأخلاقي والنضالي للإسلام حتى لو كان شيعيا بالمصطلح المألوف. ينبغي أن نعيد ترسيم حدود المذاهب.
*أي قيمة للثورة الإسلامية لو كان مذهبها لا يشمل المسلمين جميعا؟ من اليقين أن الإسلام كله لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر، هو المعيار والمقياس والميزان في أي ثورة مشروعة في الأمة. وأنتم على علم أن القضايا الكبرى في الأمة كانت ولا تزال بعد أربعة عقود هي الأساس والجوهر في الحراك الاستراتيجي الإسلامي الإيراني. فلسطين ليست قضية سنية أو شيعية، وإنما هي قضية الإسلام بل الإنسان. وليس في الدستور الإسلامي الإيراني أن التشيع هو الأصل و السنة هي الفرع، لأن الفكرة من أساسها خاطئة، كيف يمكننا ذلك، ونحن نعلم جيدا أن الإسلام الذي يدعو إلى القيم الإلهية القرآنية وتطبيق السنة النبوية الشريفة لا يختلف عليه المسلمون؟. المختلف عليه المذاهب الفقهية أوالكلامية التي هي خارج النقاش الحضاري والاجتماعي. ليس الشيعة والسنة وغيرهم من المسلمين يختلفون في جوهر الإسلام في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة. إنكم على علم بأن المدن السنية في إيران تمثل لنفسها في المجلس النيابي بنواب سنة أوشيعة كما تشاء، بل لا ينظر الناخب إلى مذهب المرشح، فإن كان رأى أن أبابكر هو يمثله في مطالباته فيختاره، وإن رأى أن عليا هو يمثلها فينتخبه. لم نتحدث عن مذهب المرشحين. والسنة لا يمثلون عندنا في إيران أقلية، وإنما منطق الأقليات الدينية في الدستور يطلق على الديانات الأخرى، وأما الشيعة والسنة فهم مسلمون. قضية المسجد السني والشيعي هي من أساسها قضية انحرافية مفبركة، لأن السنة في محافظاتهم لهم من المساجد أضعاف ما للشيعة. وحسب الإحصائيات فإن أكثر من ستين ألف مسجد، صغير وكبير للسنة بني في المدن السنية في إيران، وأكثر من 13 ألف حوزة علمية دينية لهم تخرج شيوخهم وعلماءهم في المحافظات السنية. ولكن العدو الباحث عن الفتنة يريد أن يثير حساسيات مذهبية بطرح المطالبة بمساجد في مناطق يغلب عليها التشيع للسنة، وفي مناطق يغلب عليها التسنن للشيعة. هذه فكرة خاطئة بالأصل. فلو سألتني هل مطالبة الشيعة في الرياض والقاهرة و الجزائر العاصمة وتونس العاصمة وغيرها من المدن السنية في المذهب هي مطالبة صحيحة؟، أقول لك لا شك أنها مطالبة مدانة غير معقولة وبذرة للفتنة، لأن الشيعي المسلم يجب أن يصلي في أي مسجد يقرب منه في هذه المدن، والبحث عن مسجد يخص الشيعة سلوك غير بريئ وغير سليم، والأمر نفسه في كربلاء والنجف وطهران وقم وأصفهان، فإن الحديث عن ضرورة أن يكون للسنة مسجدهم الخاص بهم فكرة خاطئة تشوبها الفتنة والخراب والتمزيق. المسجد مسجد للجميع، ولا ينبغي أن نفكر بهذه الأفكار المريضة. الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية هي مذاهب إسلامية بينها اختلافات كثيرة جدا في الأحكام المتعلقة بالصلوات، وأنتم أدرى مني بذلك، وعليه فهل أن الأحناف في عواصم المسلمين ينبغي أن يبنوا لأنفسهم مسجدا والشوافع وغيرهم أيضا يتركوا مساجد المسلمين ويعيشوا هواجس المسجد الخاص بهم؟. إن الإعلام الوهابي والغربي يتجاهل ستين ألف مسجد للسنة في إيران، ويركزعلى مساجد للسنة في طهران، وهم يقومون بهذه الحملة غير الأخلاقية بحثا عن التفرقة والفتنة.
*تعرضت جمهورية مصر العربية لكثير من أعمال العنف والإرهاب في عهد الرئيس السيسي، كان آخرها العملية الإرهابية الإجرامية التي استهدفت المرجعية الصوفية بمسجد الروضة، والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء، ومن المؤكد أن من قام بذلك هم الدواعش من مدرسة السلفية الوهابية، ففي رأيكم لماذا ورغم هذه العمليات الإجرامية المعروفة المصدر لازال النظام المصري يتعاون وينسق مع النظام السعودي الذي يرعى المرجعية السلفية الوهابية الإجرامية التكفيرية؟ في لعبة الأمم وليست الأمور تمضي بهذه الطريقة. في الواقع أن القرار الإستراتيجي الغربي والإسرائيلي مهيمن على عواصم كثيرة في العالم الإسلامي. إن الاستكبار العالمي والامبريالية المهيمنة تعرف أحسن من المسلمين نقاط القوة الإسلامية، وهم لن يرضوا بالتحولات الجذرية لصالح المشروع الإسلامي ضد المشروع الغربي. مشكلة الكثير من القيادات العربية والإسلامية هي فقدان السيادة والاستقلالية لأنهم على علم بأنهم أتوا بمباركة العواصم الأروبية، وبضغط من الجهات الأجنبية. إن بعض هذه الدول تعيش على مساعدات أمريكية وسعودية، وهي ليست مساعدات بلا مقابل. إن الظروف الاقتصادية المصرية، وبخاصة في الوقت الراهن، والانقسامات الخطيرة، هي بحاجة إلى مساعدات الغرب وبعض الدول العربية، ولكنها تأتي مقابل تنازلات خطيرة، منها الصمت أمام جرائم التيارات التكفيرية، وإلا من يجهل أن من قام بالتفجير في سيناء مصر لم يكن شيعيا، وإنّ القاتل والمقتول هما من السنة!، وكذلك في اليمن فليس القاتل سنة والمقتول شيعة، بل هناك تكفير للسنة ومن ثم قتلهم بالقنابل والأحزمة، أو بالطائرات والقصف.. إن القاتل في هذه العمليات إرهابي على شاكلة العقل الوهابي والتكفيري، يقوم بتكفير ضحاياه، ومن ثم يبيح قتلهم ويرجو الجنة، فور ما يقع قتيل عملياته الانتحارية على بحر من دماء الأبرياء؟. فبركة ثنائية الشيعة والسنة هنا أيضا للتزييف والخداع، وإلا فإن فلسطين شيعية حتى تُحاصر وتُعاقب ويُعاقب معها كل من يدعمها ويُلصق بالمدافع عنها سمة الإرهاب؟، وهل حزب الله اللبناني ينطلق في عملياته ضد داعش من منطلق التشيع؟، وماذا عن السعودية نفسها التي تتحدث عن قتال داعش أو أمريكا أو روسيا أو..هل كل هؤلاء هم شيعة؟ عزة المسلمين ورفعة الأمة بالنضال والحرية والتقدم والسيادة وحرمة الإنسان، ولا معنى للمذهبيات في هذه القضايا الأكثر أهمية.
* كثر الحديث في المدة الأخيرة وعبر المنظمات الحقوقية الدولية حول قضية (حرية المعتقد)، كيف تنظرون للمسألة من الناحية الدينية والسياسية القانونية؟، وكيف يتم التعاطي مع هذه القضية في إيران؟ الناس أحرار في اختيار معتقداتهم في إيران، لا يُفرض على أحد أي مذهب أو دين. العقيدة ليست مما يمكن عقلا أومنطقا فرضه على أحد، حتى لو أراد أحد أن يمنع ذلك فإنه محاولة عبثية. ليس العقيدة هي مقولة تتفاعل مع العنف والإكراه والفرض، ولكنها حقيقة طبيعية تحدث للبعض. قيمة الإنسان أن يختار ما يريد من المعتقدات لنفسه. الناس أحرار ليتبنوا دينهم أومذهبهم، ولا يجوز لأي جهة أن تسعى للحيلولة دون وقوع ذلك، لأن السنن الإلهية تقتضي أن يكون الإنسان حرا في معتقده. منطق الأقلية والأكثرية هو منطق زائف لا معنى له في العالم الإنساني. لم أسمع إلى الآن أن أحدا من السنة أو الشيعة قد تعرض للمضايقات بفعل اختياره لأي مذهب. من حق الإنسان الشيعي أن يقترب من أفكار السنة والعكس أيضا في أي نقطة في العالم. بث الرعب في العالم مما يسمونه بالتبشير الشيعي، هو فعل الجهال الضعفاء، والذين يشعرون بالخوف من مدرسة الشيعة ويستهينون بمذهب أنفسهم. لا أعتقد أن المذهب أمر يمكن تغييره كالملابس أو البيت أو أغراضه. المذهب فكرة متجذرة في الإنسان، والناس غالبا لهم تعصب في مذهبهم فلا يغيرون المذهب حتى لو كانوا على شيء من الباطل. لا خوف على المذاهب وإنما الخوف على البلاد والعباد ومصائر الشعوب. الأمة كلها تحت وطأة التخلف والضعف والعجز إلا ما رحم ربي، فلا فرق أن يكون الإنسان مقهورا مسلوب الإرادة ومذهبه سنة أو شيعة. أتى الإسلام ليحررنا من الاستكبار والإمبرالية والتحلل الخلقي وأغلال الأهواء، ولم يأت الإسلام ليجعلنا شيعة أوسنة!، بل الشيعية والسنية ينبغي أن يكونا على محك الكتاب والسنة لا العكس!.
*ماهي كلمتكم الختامية التي تتوجهون بها إلى الشعب الجزائري؟ أقول للشعب الجزائري البطل إننا لا نراكم سنة وإنما مسلمون، فلا تنظروا إلى إخوانكم في إيران الإسلامية على أنهم شيعة، وإنما إخوان لكم في الإسلام. يوم القيامة فإن الميزان ليس في أنك من أي مذهب، بل في أنك هل كنت تسلك سلوك المسلم واتبعت في دينك النبي والكتاب الذي أتى به أم لا؟…إن الشعب الجزائري هو ملهم الشعوب الأخرى في مواجهة جبروت الاستعمار وترك في التأريخ بصمات لا تنسى بدماء مليون شهيدفي ثورته. إن الثورة الجزائرية هي فوق الاعتبارات المذهبية، ونحن في إيران الإسلامية استلهمنا من ثورتكم وبنينا عليها، ولا نرى أي مسافة بين ثورتنا وثورتكم، بل ندعوا العالم العربي إلى أن يتأمل في ثورة الجزائر العالمية، وعليه أن يتعلم منكم دروس النضال والثورة الحقيقية، وإن المفكرين الكبار من الجزائر هم سادة الفكر والفعالية العقيدية في ساحة الحضارة، حسب قول المفكر الجزائري، مالك بن نبي. إنه كان سفير حضارة الإسلام في القرن العشرين، وأن الفكر الإسلامي الجزائري هو بالمقاسات المعاصرة الحداثية أيضا ،فكر متقدم يصلح ليعود ويسود ويعزز الإرادة العالمية الإسلامية، وهي فكرة تعيق الاستعمار بل قابلية الاستعمار المتجلية في أمراض أمتنا. إن الثورة الجزائريةوالإيرانية الإسلامية هما توأمان، وأن الخميني ومالك بن نبي دعوا المسلمين إلى أن يرتقوا بأنفسهم ويقوموا بالتغيير ما بالنفس، ومن ثم تغيير ما بالقوم ليكونوا شهداء على العالم بأجمعه، والسلام عليكم.