إن الديمقراطية بمفهومها العام هي العملية السلمية لتداول السلطة بين الأفراد أو الجماعات، التي تؤدي إلى إيجاد نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ككل على شكل أخلاقيات اجتماعية. يمكن استخدام مصطلح الديمقراطية بمعنى ضيق لوصف دولة – قومية أو بمعنى أوسع لوصف مجتمع حر. والديمقراطية كشكل من أشكال الحكم هي حكم الشعب لنفسه بصورة جماعية، وعادة ما يكون ذلك عبر حكم الأغلبية عن طريق نظام للتصويت والتمثيل النيابي. ولكن بالحديث عن المجتمع الحر، فإن الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه بصورة منفردة من خلال حق الملكية الخاصة والحقوق والواجبات المدنية (الحريات والمسؤوليات الفردية)، وهو ما يعني توسيع مفهوم توزيع السلطات من القمة إلى الأفراد المواطنين، وهذا ما استنتجته النخب من المدرسة اليونانية، إلا أن الأفكار الجديدة القديمة، والتي أتت بها القوى الأمبريالية، وبدأت بنشرها في دول العالم الثالث كالحرية والديمقراطية هي أفكار تنتمي إلى الإمبراطورية الأطلسية الأمريكية. بدأت هذه الفكرة الإمبراطورية تكمن في العقل السياسي الأمريكي منذ أن دافعت أمريكا عن مبدأ الحرية، هذا ما أثبته "بات بوكان" حين أكد أن السياسة الأمريكية قد تم اختطافها من قبل اللوبي اليهودي الأمريكي، منذ ذلك الحين باعت أمريكا روحها للشيطان، وتنازلت عن مبادئها واستبدلتها بمقولة القوة هي الحق.. ونجحت في نشر الديمقراطية. إن صناعة الديمقراطية الأمريكية في العالم العربي ليست إلا خدعة بصرية، وهو ما أثبته المثال العراقي، والثورات العربية المزيفة، وهو ما أكدته أيضا كوندليزا رايس، حين قالت إن ال"و.م.أ" سعت على مدى ستين عاما إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة على حساب الديمقراطية، لكنها ستتبنى الآن نهجا يدعم التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب. منذ ذلك الحين لم تدرك النخب العربية، أن هذا النوع من الديمقراطية هو الذي سيسحب الأوطان من تحت أقدام أصحابها، إن هذا النوع من الديمقراطية ليست له أي علاقة بما كانت تنتظره الشعوب العربية في بلدانها، وإنما هو ينتمي إلى أدوات أخرى لتدمير البلاد العربية وتهميش نخبها وسحق آمالها ومصادرة سيادتها وثرواتها وتحقيق مصالح وأغراض معينة عن طريق تجار الديمقراطية. كما أن التاريخ شاهد على أنه لا يوجد ديمقراطية حاربت ديمقراطية على مبادئها، وإنما تتحارب مثلا حكومة إسبرطة العسكرية وحكومة أثينا الدستورية. إن هدف الغرب المهيمن منذ البداية كان واضحا ألا وهو البحث عن العربي الطيب والساذج، حتى ولو لم يكن موجودا فيجب صناعته وتدريبه على الإخلاص للعدو والغدر بنفسه، إلا أن "فئران الإمبريالية" في العالم الثالث كثيرا ما يدركون أنهم خاسرون في معاركهم مع أمريكا، "نشر الديمقراطية، حقوق الإنسان.."، إلا أنهم يصرون على الكرامة أكثر مما يحرصون على الانتصار. إن الديمقراطية ثمرة من ثمرات الليبرالية، لأن الديمقراطية لا تنمو في البلدان الفقيرة، ولا تستطيع العيش في بلدان ضعيفة الدخل الفردي، وبالتالي فهي لم تخلق أبدا في البلدان الاشتراكية، والبلدان التي تدعي الديمقراطية هي بلدان واهمة وتائهة، ثم إن الديمقراطية لا تستطيع أن تعيش من دون مال فهي دائما تحتاج إلى المال كممول ومقوم لها، يحميها ويحافظ عليها، فالمال هنا هو يلعب دورا كبيرا حين يخلق لها تلك البيئة المواتية لتطورها وتعزيزها بين أفراد المجتمع. "إن المال هو الذي يصنع كل شيء، الحرية والعبودية.. الديمقراطية والفساد". يعتقد "محمود العقاد" أن الديمقراطية هي أن تعطي الفرد أقصى ما يستطاع من الحقوق، ومعلوم أن الغرض الأكبر من التقدم الإنساني هو حرية الفرد قبل كل شيء، وأن التفاضل بين أمة وأخرى إنما هو في الأمة التي يتمتع فيها الفرد بحقوق الأحرار، فيما يرى "أحمد الصافي" أن الدول التي تريد ديمقراطية عليها أن تكون دولا نامية وصاعدة، بالإضافة إلى هذين المفهومين نستنتج أن معظم التجارب الديمقراطية التي عرفها العالم الثالث قد قامت على منهجين متلازمين، هما التجريب الموغل في التقليد الهزلي، ثم التغريب إلى حد الهزل الثقافي. إن الخطر الأول الذي أصاب ديمقراطية العالم الثالث هو داء تكاثر الأحزاب، هذه الأخيرة جعلت منها ديمقراطية نسبية ومريضة، تمشي ثم تصطدم بجدار مغلق، وهنا يأتي الدور في إعادة الكرة مرة أخرى" انتخابات"، ثم يبدأ الدور الثاني الذي جاء عن طريق الدور الأول الذي يجعل من أكثر الحكام تعقلا وتمثلا للديمقراطية أكثرهم استسلاما لإغواء الاستبداد. تكمن الإشكالية الرئيسية في ديمقراطية العالم الثالث، في أن الدول العالم الثالث تستعمل آليات النظام الديمقراطي لإدامة النظام الدكتاتوري، وهذا ما يجعل الدول الغربية تتدخل وتبدأ بالاستهزاء بالمسار الديمقراطي لتلك الدول، التي تدعي الديمقراطية ولا تعتمدها كأساس ومنهج للحكم هذا من جهة، أما من جهة أخرى فلو كانت هذه الدول تمتلك ديمقراطية محترمة لحقوق الإنسان ومجتمع مدني فعال ومؤسسات قوية، فإن الدول الغربية لن تضطر لاستعمال ورقة الديمقراطية كأداة ضغط لاستفزاز وابتزاز دول تلك المنطقة. إن معظم التجارب الديمقراطية التي قامت في البلدان العالم الثالث باتت تسير في النهج الديمقراطي بالإجراءات والآليات الغربية الليبرالية في سياق النظام العالمي أحادي القطبية والقائم على مسارات الدمقراطة، لذا أصبح من واجب هذه الدول العمل على إنضاج مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها الأحزاب السياسية ونشر الثقافة السياسية داخل أفراد المجتمع، فمن دون ذلك ستبقى هذه الدول أسيرة لدى القوى العظمى والدول المهيمنة التي أصبحت تحكم وفق لما تؤمن به من أفكار، بعيدة عن طموحات بقية الأفراد المجتمع، وهذا بطبعه مما يؤدي إلى استمرار التهميش السياسي والاجتماعي الذي طالما عانت منه تلك الدول. وفي النهاية، فإن ديمقراطية هذا العالم ليست أفضل أنظمة الحكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى، فعلى سبيل المثال جمهورية التشاد، ومملكة النرويج، أو كما قال عنها تشرشل ذات يوم، " إنها أكثر الأنظمة سوءا مع الاستبداد". الطاهر سهايلية [email protected]