زرت معرض الجزائر الدولي وأعجبت كثيرا ليس بالتنظيم الذي تحسن كثيرا مقارنة بسنوات خلت، وليس بتوفر أمكنة شاغرة لركن السيارات، ولا بتوفر مساحات للعب الأطفال أو لكسر الجوع بتخصيص محلات لبيع السندويتش، وإنما كان إعجابي أيما إعجاب بتنقل العائلات الجزائرية إلى أجنحة هذا المعرض بكامل أفرادها من الأب والأم والأطفال وحتى الجد والجدة، وهي ظاهرة لم تكن موجودة من قبل، وفي ذلك أكثر من مؤشر يقتضي دراسته من طرف المختصين في علم النفس والاجتماع. هذا التواجد المكثف للعائلات الجزائرية في معرض الكتاب يعني أن الأسر الجزائرية ليست مهتمة فقط، مثلما يحاول البعض تصوير ذلك، بسوق الخضر والفواكه أو بمحلات ''الألبسة والموضة''، ولا تفكيرها منصب على ملء البطون بما طاب ولذ من لحوم حمراء وبيضاء، وإنما لها اهتمام وحرص كبيرين على تغذية العقول بما يجود به معرض الكتاب من ثقافة وعلوم وتكنولوجيا جديدة وهو أمر يبعث ليس على الارتياح فحسب، بل على الثقة والاطمئنان على مستقبل الأجيال القادمة. كيف لا والعائلات والأسر الجزائرية يتناقش كبارها مع صغارها، بعضهم مع بعض في أروقة معرض الكتاب الدولي، حول ما يرغبون في شرائه من كتب وقواميس وعن ما ينقصهم من مراجع دراسية، ويتبادلون الآراء في حالة من الاهتمام منقطع النظير، وهو ما يعكس كون الكتاب لم يعد مثل أيام زمان، محل اختيار بينه وبين رغيف الخبز، ولكنه تحول إلى ضرورة لا غنى عنها في المنزل مثله مثل لوازم المطبخ أو أكثر. هذه الصورة التي حرصت على تسجيلها ونقلها من معرض الكتاب الدولي عن درجة الاهتمام العالية الذي توليه العائلات الجزائرية بكامل تعدادها وسعيها لاقتناء الكتاب وتوفيره في البيت، كافية لوحدها لكسر العديد من ''الكليشيهات'' والصور النمطية التي كانت تلصق بالجزائريين على أنهم لا يقرؤون ولا يحبون القراءة ولا يهتمون بالعلم وأن تجارهم يستثمرون في محلات الفصول الأربعة على حساب غلق مكتبات، هي كلها أمور أضحت من الماضي، عندما كانت الأمية في البلاد قاعدة وليس استثناء، أما اليوم والجزائر تحتفل بمرور 56 سنة على مرور ثورة التحرير و 48 سنة على ذكرى الاستقلال، صورة تغيرت بنسبة 360 درجة، وأضحى الازدحام حول معرض الكتاب يفوق وينافس طوابير محلات البيتزا والشوارمة.