لقد كتب الله - سبحانه - أن يكون الإسلام هو الدين الخالد حتى يرِث الأرض ومن عليها، فحث فيه التحلي بالسجايا الأخلاقية لما لها إنعكاسات من إيجابية طيبة على الفرد والمجتمع والأسرة أيضا كالمروءة، العدل، الرحمة والتسامح ، الذي يعد قيمة عظيمة جاء بها هذا الدين القويم من رب عليم حكيم، كونه أحد المبادئ الإنسانية وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل ارادتنا ، وهو أيضا التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلا من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحد منهم، وهذا الخلق مزك للنفوس، مطهِر للقلوب من أدران الخسائس، يساعد المجتمع على التكاتف والتكافل، وهكذا دين الإسلام، رحمة بالبشرية رأفة بهم، كما قال تعالى: ﴿ وما أرسلناك إِلا رحمة لِلعالمِين ﴾ [الأنبياء: 107 ويتفق الجميع أن إشاعة ثقافة التسامح إنما تبدأ من الأسرة، فالبيت له أثر كبير في هذا الجانب فإذا كانت العلاقة بين الآباء والأبناء تقوم على لغة التسلط والإكراه والاستبداد فمن البديهي أن البيت الذي تغيب عنه أجواء التسامح يكون عاملا في نشر ثقافة العنف في جور ديكتاتوري لهذا يتعلمون الاستبداد بالرأي وعدم احترام الآخر أو رأيه، كما أن النظام الديكتاتوري سواء في الأسرة أو الدولة يعتبر من أحد أسباب شيوع لغة العنف وغياب الأمن وإنعدام الثقة بين الأفراد.. روبورتاج: ي. مغراوي والتسامح هو الشعور بالرحمة والتعاطف والحنان وكل هذا موجود في قلوبنا ومهم لنا ولهذا العالم من حولنا، وأن نفتح قلوبنا، وأن لا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأي شخص أمامنا، فبالتسامح يستطيع المرء أن تعلم بأن جميع البشر يخطؤون ولا بأس بأن يخطئ الإنسان كونه أحد سبل تعزيز العلاقات الإجتماعية بين الأفراد.. لذلك من المهم تربية أبنائنا على الخلق الحميدة ولكن شيء مهم يجب أن يعرفه الأولاد أن التسامح ليس الإنسحاب من الموقف وهو ليس ضعفا بل قوة نحتاج إلى تعبئتها في المواقف الحرجة، وقد يكون من الضروري تعزيز الثقة بالنفس لدى الأولاد وإشعارهم بقدراتهم وطاقاتهم وعدم تعزيز الشعور بالنقص والحقارة خاصة في مواقف الخطأ والفشل فالفهم الصحيح للنفس يقود إلى فهم صحيح للآخرين الأمر الذي يقود إلى تقبل أخطاءهم والتغافل عنها في مواقع القدرة.. فالتسامح ولا يعني الرضا بالاخطاء والظلم والحيف من الآخر، أبدا، فالتسامح ليس عملية تأييد أو موالاة لأن منهج عدم الرضا بالانحراف واضح وصريح... الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحا وحول الموضوع وأهميته في المجتمع يقول محمد بدان أخصائي في علم النفس من فرنسا، في كل يوم يتأكد العلماء من شيء جديد في رحلتهم لعلاج الأمراض المستعصية، وآخر هذه الاكتشافات ما وجده الباحثون من أسرار التسامح! فقد أدرك علماء النفس حديثا أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، ففي دراسة نشرت على مجلة «دراسات السعادة» اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، والسعادة والرضا من جهة ثانية، وقد تمت دراسة واقع كثير من الناس وكانت المفاجأة أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحا مع غيرهم فقرروا بعد ذلك اجراء التجارب لاكتشاف العلاقة بين التسامح وبين أهم أمراض العصر مرض القلب، وكانت المفاجأة من جديد أن الأشخاص الذين تعودوا على العفو والتسامح هم أقل الأشخاص انفعالا، وتبين بنتيجة هذه الدراسات أن هؤلاء المتسامحين لا يعانون من ضغط الدم، وعمل القلب لديهم فيه انتظام أكثر من غيرهم، ولديهم قدرة على الابداع أكثر. من الواجب أن نحث على التسامح ونعمل به كوننا أبناء الإسلام أما الطاهر واعمر أستاذ في الشريعة الإسلامية فقد قال: يعد التسامح صفة نبيلة تدل على ذكاء عاطفي واجتماعي منظم للذات يراعي المشاعر ويعتمد على مرجعية متينة يمارس صاحبها تفكيرا ايجابيا وحذفا للملفات والمشاعر السلبية وهي تكسب ممارسها الأجر والمثوبة من الله عز وجل والصحة النفسية والجسدية نتيجة هذا التسامح المولد للتفاؤل والعطاء، وهو مقومات الحياة المرتبطة بالشريعة الإسلامية والتي تحث على العفو بين الناس من منبع الوحي الرباني لرسولنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام واذا كان هذا التسامح من سمات الأمة الإسلامية فمن الواجب أن نحث عليه ونعمل به بصفتنا أبناء الإسلام التسامح.. جانب مبتور في جوانب التربية المعاصرة فيما قالت راضية عداني مدربة في مجال تطوير الذات، أنه بعد انتشار ظاهرة العنف وظاهرة تهدم العلاقات الإجتماعية على كافة الأصعدة وبعد أن أصبح الكبار والصغار على حد سواء أما ضحايا أو مجرمين بسبب هيمنة لغة العنف على الواقع المعاصر وغياب المثل والقيم الدينية والأخلاقية، بات من المهم جدا أن تتجلى ثقافة التسامح كإحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر الأمر الذي يجعل الفرد المعاصر يقف عند مفترق الطرق في التعامل مع الآخر الذي قد لا يتفق معه في أفكاره بل ربما يؤذيه ويلحق به أو بأسرته أو بأفكاره الأذى.. قد يبدو الإنسان المعاصر حائرا في التصرف في المواقف الشائكة بعد أن أسهمت التربية الحديثة في حشو دماغه ورأسه بالمعلومات التي تضيع في زحمة الحياة والتي لا تعلمه مهارات التفاعل الاجتماعي الصحيحة وبالتالي يبقى جانب مبتور في جوانب التربية المعاصرة لكنه في نفس الوقت جانب حياتي إذ كيف ينطلق الفرد في رسم سلوكياته مع الآخر....