كنا نسمع في الماضي عن عقيد مزيّف أو عن جنرال أو سفير مزيّف، لكن في المنيعة بولاية غرداية وفي إليزي، ظهر نوع جديد من النصب والاحتيال، حيث يدّعي أعضاء في شبكات إجرامية دولية ومهربون الانتماء لتنظيم ما يسمى ب”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أو “جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، من أجل الإفلات من العقاب والاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية. حاول 3 مهربين عملوا طيلة سنوات في سرقة سيارات رباعية الدفع من شركات وطنية وأجنبية عاملة في الصحراء، الاستفادة من تدابير العفو والمصالحة الوطنية، فادّعوا أنهم أعضاء في “حركة التوحيد والجهاد” أو “المرابطين”، ولكن حنكة ودهاء المحققين أنهت مغامرة هؤلاء المهربين ووضعتهم في السجن، حيث تقرر، حبسهم، في انتظار المثول أمام محكمة الجنايات. بدأت القصة قبل أكثر من شهرين عندما اتصل 4 مطلوبين لدى مصالح الأمن الوطني، بتهم التهريب والسرقة باستعمال السلاح وحمل سلاح غير مرخص والانتماء لجماعة إجرامية خطيرة، بشخصية معروفة بممارسة نشاط الوساطة مع الإرهابيين، من أجل الاستفادة من العفو في إطار المصالحة الوطنية. وفي شهر أفريل 2015 بدأ الاتصال بين المطلوبين الأربعة ومديرية أمن الجيش، وبعد أسابيع تم ترتيب الموضوع مع المطلوبين من أجل تسليم أنفسهم للجهات الأمنية والاستفادة من المصالحة. وقال مصدر أمني رفيع، إن المطلوبين الأربعة قالوا أثناء التواصل مع الوسيط، إنهم موجودون في منطقة تيغارغار شمال مالي. وفي الأيام الأولى من شهر جويلية 2015، تقرّر ترتيب عملية تسليم أنفسهم لمصالح الأمن المختصة، حيث سلّم المسلحون أنفسهم وجلبوا معهم بندقيتين ورشاش آلي من نوع كلاشنكوف وكمية من الذخيرة. وأثناء التحقيق تم فصل المتهمين عن بعضهم البعض وبدأ استجواب المجموعة. وقال مصدر أمني إن التحقيق الذي قام به خبراء في شؤون الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، أكد أن 3 من الأربعة الذين استسلموا لم يكونوا يوما مع الجماعات الإرهابية، بل كانوا أعضاء في جماعة مسلّحة تقوم بالسطو المسلح في الصحراء، أما المشتبه فيه الرابع فقد انتقل من النشاط في جماعة مسلحة إجرامية قبل سنوات إلى النشاط الإرهابي، وقد تعرّف المطلوبون مع الإرهابي الفار من جماعة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، وعرضوا عليه الوساطة للاستسلام مقابل تقديم شهادة للأجهزة الأمنية الجزائرية تؤكد أن المطلوبين كانوا أعضاء في جماعة “التوحيد والجهاد”. وقال محامي رافع لصالح متهمين بالانتماء لجماعات إجرامية أمام محكمة جنايات مجلس قضاء ورڤلة: “في بعض الحالات، خاصة في الجنوب، يحاول فارون من العدالة الإفلات من العقاب بالإدعاء بأنهم أعضاء في الجماعات الإرهابية في شمال مالي، لكن لا يعرفون أن ضباط أجهزة مكافحة الإرهاب يعرفون الجماعات الإرهابية معرفة دقيقة”، وأضاف مصدرنا “في مدينة الدبداب بولاية اليزي وقع عضوان في جماعة مهربين مسلحة في خطأ فادح عندما ادّعى أحدهم أن اسمه الحركي أو الكنية التي يحملها هي “أبو بلال”، وعلى الفور قال له المحقق: “هل أنت متأكد أنك أنت “أبو بلال”؟، فقال “نعم”، فبادر المحقق لإجراء اتصال هاتفي وهمي قال فيه إن “أبو بلال” الإرهابي الخطير الذي قتل جنودا فرنسيين موجود هنا، وعلى الفور بادر المطلوب للنفي واعترف بالحقيقة على الفور”. قطّاع طرق أم إرهابيون؟ وتفيد مصادرنا بأن مبعث القلق الحقيقي للجزائر، أن أغلب الخارجين عن القانون الموجودين في منطقة أفوهارس بدولة مالي والعريشة والظهر على الحدود بين مالي وموريتانيا ومنطقة “بلاطو جادو” بالحدود المشتركة بين ليبيا والجزائر والنيجر تربطهم صلات قوية بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”المرابطين” وكتيبة “الملثمين”. وحسب ذات المصادر، فإن ما يعرف بكتيبة “طارق بن زياد”، أقوى كتائب الصحراء في تنظيم القاعدة وهي العمود الفقري للجماعات المسلحة السلفية في دول الساحل الإفريقي، تحوّلت إلى عصابة إجرامية لا يمكن ربط أفعالها بشعارات التيار السلفي الجهادي. ويقول تجار مقايضة جزائريين في ولاية قاو في شمال مالي، بأن مهربي مخدرات معروفين يعتمدون الآن على حماية كتيبة “طارق بن زياد” الإرهابية أثناء مرورهم عبر المسالك الوعرة في مناطق وادي زوراك ومناطق أفوهارس الوعرة بدولة مالي.
ويتداخل نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الصحراوي مع نشاط المهربين وقطّاع الطرق، لأن المهربين وقطّاع الطرق في الجنوب هم مصدر تزويد الإرهابيين بالمواد التموينية المختلفة وأيضا قطع غيار السيارات. وبلغت علاقة ثاني أقوى جماعات قطّاع الطرق التي تنشط بمنطقة عرق العريشة شمال مالي مع الإرهابيين الجزائريين، حد الاتفاق على مجال جغرافي للنشاط، تسمح فيه كل جماعة للأخرى بالمرور على مناطق تواجدها دون مشاكل.
وتنشط جماعة تعرف باسم “آرخومة” نسبة إلى زعيمها بدر آرخومة على محور الحدود بين مالي وموريتانيا، ونفّذ عناصرها في عام 2005 عملية خطف لمواطنين من دولة قطر كانا بصدد استطلاع الأرض لصالح أحد أفراد الأسرة القطرية الحاكمة جاء إلى شمال مالي لصيد طائر الحبار، ولم يطلق سراح المواطنين القطريين إلا بعد دفع فدية بقيمة 300 ألف أورو