يعرض حاليا على بعض القنوات، المسلسل المثير للجدل "فتح الأندلس"، الذي يتناول مسيرة وحياة القائد الفاتح طارق بن زياد، الذي اختلف المؤرخون حول نسبه، حيث تشير الكثير من المصادر إلى قربه من الأصول الجزائرية، لكن القائمين على المسلسل أرجعوها إلى المغرب الأقصى، ما أثار حفيظة الجزائريين الذين أطلقوا حملة ضد ما يدّعيه، حتى قبل عرضه على مواقع التواصل الاجتماعي. يدخل سباق الموسم الرمضاني 2022 المسلسل المثير للجدل "فتح الأندلس"، وهو عمل درامي سوري لبناني من إنتاج كويتي، يوثّق حقبة فتح الأندلس في التاريخ الإسلامي، ويركز على شخصية طارق بن زياد وانتصاراته في شمال إفريقيا، وشبه جزيرة إيبيريا. ويعرض حاليا على قنوات السعودية، الشارقة، قطر، الكويت الأولى، والمغربية الأولى. ويبدو أن القنوات الجزائرية لم تول اهتماما بمسلسل "فتح الأندلس" نظرا للتدليس الذي يحمله حول شخصية البطل القائد طارق ابن زياد ونسبه إلى المغرب، وقد أثار المسلسل جدلا وغضبا قبل عرضه بعد انطلاق التصوير وتسريب أخبار حول محتواه، خاصة في الجزائر، حول أصول القائد طارق بن زياد، رغم أنه كان لا يزال في مرحلة إتمام التصوير قبل عرضه في هذا رمضان. وهاجم الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي المسلسل واتهموه بالكذب وتزوير التاريخ، بادعاء نسب طارق بن زياد إلى المغرب، على اعتبار أن طارق بن زياد جزائري، بينما رد المسؤولون عن العمل بأن طارق بن زياد لم يفصل المؤرخون في نسبه، وأن الحدود الحالية هي من صناعة الاستعمار ولم توجد في زمن طارق بن زياد. وكان المنتج والمخرج العنزي، نشر في وقت سابق عبر حسابه في "تويتر" عرضا بعنوان "طارق بن زياد مغربي أم جزائري"؟ الذي يعرض عددا من وجهات النظر المختلفة حول جنسية ذلك القائد، وعلّق العنزي على المقطع المصور بالقول: "قريبا يعرض العمل ويحسم هذا الجدل". ويشير العنزي إلى أن طارق بن زياد وُجد قبل "سايكس بيكو" (الاتفاقية الفرنسية البريطانية التي تم تقسيم عدد من الأقطار التي كانت تحت سلطة العثمانيين)، ويشير العنزي إلى أن بن زياد هو إسلامي قبل أي جنسية أخرى.
اختلف المؤرخون في نسبه
ويجمع المؤرخون بأن نسب طارق بن زياد مختلف فيه فبعضهم يقول بأنه فارسي همذاني كان مولى لموسى بن نصير، وبعضهم قال بأنه عربي يعود نسبه إلى قبيلة جثم ..وصار تابعا لموسى بن نصير بالولاء... والبعض الآخر قال بأنه بربري، أسلم أبواه عند الفتح لبلاد المغرب وصار مولى لموسى بن نصير. ويشير أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة باتنة علي عشي، بأن المؤرخين اختلفوا حول أصول طارق بن زياد، فمنهم من قال إنَّه عربي كابن خلكان، ومنهم من قال إنَّه بربري أمازيغي كابن عذاري، وآخرون قالوا إنَّه فارسي، لكن يغلب الظن أنه أمازيغي، فهو طارق بن زياد بن عبد الله، بن رفهو، بن ورفجوم، بن ينزغاسن، بن ولهاص، بن يطوفت، بن نفزاو، ونفزة قبيلة إمازيغية استقرت شرق المغرب الأوسط وغرب إفريقية، أي تقريبا ولاية خنشلة الحالية وباجة التونسية، وهناك من يرجعه إلى قبيلة زناتة البربرية المستقرة بضواحي تلمسان، وهناك من يرجعه إلى قبيلة الصدف المغربية رغم ضعف حججهم. أما الأستاذ حسين بوبيدي من جامعة قسنطينة، فيعتقد أن المسألة من وجهة نظر أكاديمية غير محسومة، ولا يمكن التعاطي معها وفق هذه المنطلقات: جزائري/مغربي لأن الرأي التاريخي حوله يدور بين 3 آراء: عربي، فارسي، بربري. ويوضح الأستاذ بوبيدي في تصريح ل"الخبر" بأن "الرأي الذي ينسبه للبربر يجعله زناتيا أو يحدد أساسا أنه من نفزة، وهذه القبيلة أعني زناتة قبيلة ممتدة تشمل المغربين الأوسط والأقصى والنصوص المصدرية المشرقية والمغربية لا توفر ما يحسم النقاش". مضيفا:"معناه من الأحسن أن يقول طارق بن زياد أحد مداخل وحدة شعوب الشمال الإفريقي لامتداد بطون زناتة في كل جهاته، بدل أن يكون عنصر استقطاب". أما عن النصوص التي تحدثت في الأمر، يقول الأستاذ، يمكن العودة لكل من ابن عذارى في البيان المغرب، الحميري في الروض المعطار، المقري في نفح الطيب، ابن خلدون في كتاب العبر، ابن عبد الحليم في الشذرات المنسوبة له حول الفتح، صاحب مفاخر البربر، وغيرها وهي تحوي على آراء متعددة، حسبما أشرت لك أعلاه أي: عربي، فارسي، زناتي وهناك نصوص كثيرة تؤكد أنه مولى موسى بن نصير"، ويختم الأستاذ بوبيدي، بالقول "إنها مسألة غير محسومة، ولا يمكن حسمها لشح المادة التاريخية والتحرك الدائم للقبائل الأمازيغية".
طارق بن زياد جزائري بالأدلة
يرى الأستاذ عبد القادر بوعقادة، أستاذ متخصص في التاريخ الوسيط من جامعة البليدة في تصريح ل"الخبر" أن القول يميل إلى أن طارق بن زياد هو من بربر نفزاوة، من قبائل بتر الأوراس للأدلة التالية، أولا أنه لا يمكن أن يكون من طنجة أو المغرب الأقصى، لأن أهلها لم يسلموا تمام الإسلام قبل مجيء موسى بن نصير وبشكل يبعث على الاطمئنان إلى أن يسلم نصير لطارق القيادة، وكان طارق مولى لموسى قبل أن يدخل موسى بن نصير إلى طنجة"، مضيفا :"وحينما تعود إلى نسبه نجده كما قال ابن عبد الحكم وهو المؤرخ القريب لفترة الفتح، لأنه من نفزة ومن لكن ورفجومة...وأنه أسلم باكرا لما وصل موسى بن نصير إلى إفريقية ليسترجعها. كما انه حينما تعود إلى خطبة طارق بن زياد نجدها خطرة بليغة تدل على باع طارق في العربية مما بدا على طول مكوثه في حجر موسى يتعلم العربية في افريقية". ويضيف الدكتور بالقول إن موسى لم يمكث كثير من الوقت في طنجة والمغرب الأقصى حتى يتعلم طارق تلك اللغة وكذا لا يمكن أن يأمن موسى على الجيش إلا بوجود شخص يثق فيه وقد جربه مدة طويلة ...وهو ما يعني يؤكد الدكتور بوعقادة "أن طارقا كان معه منذ كان موسى في افريقية سنة 79 تجربة إلى غاية 92 وهي مدة كافية ليطمئن على القيادة ويسلمها لمن يثق فيه كطارق". وفي الأخير يرجح الدكتور بوعقادة أن نسب طارق هو نفزاوي ورفجومي من قبائل بربرية بترية كانت تجول في الأراضي الممتدة من غرب الجريد إلى جنوبقسنطينة وتستوطن الأوراس، وليس كما ذهب البعض إلى نسبته إلى المغرب الأقصى فهذا غير صحيح ..فالأدلة العقلية يخلص الدكتور "توحي بنسبته إلى بربر إفريقية " نفزاوي... ورفجومي". وختم بالقول :"وكلمة المغرب في المصادر تؤشر على بلاد المغرب الممتدة من ليبيا إلى المحيط الأطلسي وليس المغرب الأقصى... وهذا ما ذهبت إليه الأستاذة ذيب صفية لتقول " إن المغرب بالنسبة لهم هو مغربي وهذا خطأ، الحدود لم تكن ثابتة بحكم الحروب، والمغرب الأوسط كان منطقة نزاع بين المرينيين والحفصيين".