أكدت الفنانة العراقية فريدة محمد علي، أن المقام والتراث الفني العراقي معرَّض للتهديد منذ سنوات؛ لعدم اهتمام الدولة ومختلف مؤسساتها الثقافية به على الرغم من أنه جزء من تراث وحضارة هذا البلد العتيق الضارب في التاريخ. كما أشارت المتحدثة خلال ندوة صحفية عقدتها مؤخرا في إطار المهرجان الدولي للمالوف في طبعته التاسعة بقسنطينة ضمن فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، إلى أنه حتى الجماعات المتطرفة المقاتلة بالعراق باتت تحرّم وتحارب كل ما هو فن، الأمر الذي أجبر العديد من الأسماء الكبيرة على المغادرة إلى خارج البلاد، لتبقى بغداد عاصمة الفن والحضارة عبر الأزل، تعيش الأهوال التي لا مكان فيها للفن والثقافة. وبالمقابل، تؤكد الفنانة أنه رغم كل هذه الظروف الصعبة لايزال هناك فنانون يسعون جاهدين للحفاظ على التراث العراقي؛ من خلال محاولة إيصاله إلى العالم ككل، والتعريف به وتلقينه للأجيال القادمة. وحمّلت السيدة فريدة محمد علي وزارة الثقافة العراقية مسؤولية هجرة الفنانين بلادهم وكذا ضياع التراث؛ نتيجة عدم اهتمامها بهذا الجانب المهم، بل أكثر من ذلك، تشير المتحدثة إلى أن هناك تهميشا واضحا وجلّيا يعكسه غياب تمويل لهذه الفنون التراثية، جعلها تعيش الموت البطيئ. وبالمقابل يتم تمويل الأغاني الهابطة الموجهة للاستهلاك اليومي للفضائيات. حضرت سيدة المقام العراقي رفقة زوجها الفنان محمد حسين كمر عازف آلة الجوزة ومؤسس فرقة المقام العراقي، معلنة عن المشروع الفني الذي يجمعها به، والمتمثل في "تسجيل مقامات" ضمن مشروع توثيق المقامات العراقية، والتي هي فكرة زوجها بالأساس، ليكشف صاحبه أن مشروعه الذي انطلق سنة 2013، وصل إلى نسبة 60 بالمائة من التجسيد، وفكرته تولدت بدافع حماية المقام العراقي الذي يشكل مرتكزا ومصدرا للإبداع الموسيقي والغنائي؛ لما يتمتع به من إمكانات تعبيرية وجمالية تساهم في تربية الذوق الفني الرفيع، والذي، بدوره، يضيف الجديد إلى الساحة الغنائية والموسيقية العربية عبر المحاولات المتواصلة لاجتهادات مؤسسة المقام العراقي. كما أضاف صاحب المشروع أنه سيعتمد في توثيق المقامات العراقية، على أسلوب تقني متطور، وعلى أهم أربع أصوات عراقية متخصصة في هذا الفن العريق، على غرار زوجته فريدة والفنان الكبير حسين الأعظمي وسعد الأعظمي وحامد السعدي؛ فهم يضطلعون بمعرفة عميقة وأكاديمية بأصوله وقواعده الأدائية؛ في محاولة لمقاومة سياسة النسيان والتشويه لهذا الفن الأصيل، وسيتم تحميل المشروع في شكل كتاب يحمل 16 أسطوانة فيها 48 مقاما و48 بستة، ومن المنتظر أن يقدم كل فنان من الفنانين الأربعة 12 مقاما. أما عن المؤسسات التي قامت بدعم الجزء الأول من مشروعه الضخم فقال محمد حسين كمر، إن اليونسكو ومكتب العراق في عمان، والصندوق العربي للثقافة والفنون، و(آفاق) في بيروت، ومؤسسة (لارسا) في هولندا، من بين أهم المؤسسات التي تبنت هذا العمل، غير أنه أعاب على وزارة الثقافة العراقية والدولة عدم اهتمامها وتبنّيها دعم هذا المشروع الكبير، خاصة أنه يعبّر عن ثقافة دولة العراق.