* email * facebook * twitter * linkedin عبّر صناعيون ومتعاملون اقتصاديون عن انشغالهم الكبير بالتدهور المستمر للوضع الاقتصادي بالبلاد؛ بسبب "غياب رؤية واضحة"، مثلما أجمعوا عليه. وأكد هؤلاء على ضرورة التعجيل بإعادة هيكلة الاقتصاد، وتحرير الصناعيين من قيود "الإدارة"، التي تُعد أهم معرقل للاستثمار، حسبهم، "وهو ما يظهر في المعاناة اليومية التي يعيشها الصناعيون النزهاء، الذين يواجهون من الجانب الآخر "سوقا سوداء"، تنافسهم بطرق غير شرعية، وتجني أرباحا طائلة". هي تعابير تعبّر عن قلق شديد لمسناه لدى بعض الصناعيين الذين تحدثنا معهم حول الأوضاع الراهنة بالبلاد. ففي خضم مرحلة سياسية حساسة تمر بها الجزائر وحراك شعبي متواصل وحرب غير مسبوقة على الفساد أدت إلى حبس أهم السياسيين ورجال الأعمال، يبقى "الجمود" هو الصفة التي أطلقوها على الوضع الاقتصادي الراهن؛ بسبب غياب "رؤية واضحة" للاتجاهات التي تسير نحوها الأمور. وقال محدثونا إن "الوضع يتميز اليوم بغياب الرؤية الواضحة، وبالضبابية واللااستقرار، حيث هناك تغيير مستمر للقوانين، والمستثمرون والصناعيون في كل القطاعات وفي مثل هكذا وضع، لا يمكنهم وضع استراتيجيات إنتاجية على الأقل لمدة سنة أو سنتين، كما هو مفروض"؛ فاليوم - كما أكدوا - "لا نملك رؤية واضحة حتى لمدة أسبوع واحد". الحراك هو القطرة التي أفاضت الكأس والأزمة بدأت منذ 2014 هذا الوضع ليس وليد الحراك، حسب محدثينا، وإنما جاء الحراك ليكون ك "القطرة التي أفاضت الكأس"؛ فعمر المعاناة يمتد إلى خمس سنوات الماضية، أي سنة 2014، وهي، للتذكير، السنة التي شهدت بداية تراجع أسعار النفط، لكن "الوضعية تزداد سوءا سنة بعد أخرى"، مثلما أوضحوا. ولهذا الوضع مسببات، أهمها "التغيير المستمر للقوانين" الذي وضع الصناعيين في "مأزق"؛ حيث أوضح متعامل ينشط في قطاع الآلات الصناعية، أنه قام ببيع آلات لقطع الخشب، "لكن جاءت حكومة تبون ومنعت استيراد الخشب؛ ما دفع بالمعنيين إلى بيع الآلات بنصف ثمنها بسبب غياب المادة الأولية". مثل هذه التغييرات التي كان الهدف منها حماية المنتوج الوطني والتقليص من فاتورة الواردات، هو قرارات أحدثت في واقع الأمر ضررا بالقطاع الصناعي المحلي، الذي يعتمد في إنتاجه على 60 إلى 70 بالمائة من المادة الأولية والمواد نصف المصنّعة المستوردة، وهو ما يشير إلى وجود قرارات مرتجلة لا تستشرف الآثار المنجرة عنها؛ فأغلب المدخلات في الصناعة الوطنية - مثلما قال صناعي في مجال البناء - يعتمد على الاستيراد، "وقرار منع الاستيراد يعني توقف عمل العديد من المصانع، أو تراجع قدراتها الإنتاجية في أحسن الأحوال". كما أشار هؤلاء إلى أن إغلاق المؤسسات أصبح واقعا يوميا، يمس بالخصوص المؤسسات المصغرة والصغيرة والمتوسطة. وإذ تأسفوا لهذا الوضع فإنهم حذروا من تداعيات مثل هذه الوضعية، ولاسيما تسريح العمال، الذي يعني ارتفاع نسبة البطالة، وتفاقم الفقر؛ مما يشكل خطرا على أمن البلاد. وما يزيد الطين بلة وفقا لتصريحات الصناعيين الذين تحدثنا إليهم، تنامي السوق الموازية، وفرض منافسة غير شريفة على المؤسسات التي "تعمل في وضوح وشفافية". الإدارة هي المعرقل الرئيس للاستثمار من المفارقات التي أثارها محدثونا أيضا أن "من يعمل في وضوح؛ يوظّف ويكوّن العمال ويدفع الضرائب ويضع استراتيجية تطوير للمؤسسة، لا يجد تشجيعا ولا تحفيزا، بل يجد قبالته سوقا موازية لا يدفع العاملين فيها الفواتير ولا الكهرباء ولا الضرائب، ويربحون أموالا طائلة، بينما تركز مصالح الرقابة على الصناعيين النزهاء الذين يعملون في شفافية، وتغض الطرف عما يحدث في السوق السوداء"، لافتين إلى أن من الخطأ النظر إلى المستوردين على أنهم "السبب الوحيد" في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بلادنا. وفي رأيهم أن من يعرقل الاقتصاد فعليا هو "الإدارة" ببيروقراطيتها، التي وصلت في الوضع الراهن إلى مرحلة "عدم تحمل المسؤولية"، حيث أوضح محدثونا أن ما يحدث اليوم على مستوى الإدارات بالنسبة للمستثمرين، هو أن "كل واحد يقول أنا لست مسؤولا ولا يمكنني التوقيع.. كل هيئة إدارية تنأى عن نفسها، وتحمّل الإدارات الأخرى المسؤولية، ليجد المستثمرون أنفسهم يدورون في حلقة مفرغة، وحتى البنوك تمتنع حاليا عن منح القروض، فمنذ بدء الحراك الشعبي أصبح مسؤولو البنوك يتخوفون من منح القروض بمبرر وجود تحقيقات متعلقة بقضايا الفساد على مستواها". والأخطر من كل هذا أن هناك "غياب الثقة بين المتعاملين والدولة" من جهة، و«غياب الثقة لدى المتعاملين الأجانب في السوق الجزائرية" من جهة أخرى، حسب مصادرنا. قضايا الفساد مست "الواجهة الاقتصادية للبلاد" في هذا الصدد، لفت بعض المتعاملين في القطاع الصناعي الذين تحدثنا إليهم، إلى أن "النظرة الخارجية إلى ما يحدث في الجزائر منذ بدء الحراك، تختلف عن النظرة الداخلية، حيث يُعد إدخال أكبر رجال الأعمال إلى السجن أمرا إيجابيا على المستوى الداخلي، لكن هؤلاء كانوا يمثلون على المستوى الخارجي، الواجهة الاقتصادية للبلاد، وهو ما يربك الشركاء الاقتصاديين الأجانب، لاسيما بعد رفع نسبة المخاطرة بالنسبة للاقتصاد الجزائري، الذي شهد تراجعا في مصداقيته خارجيا بسبب قضايا الفساد". ولمواجهة مثل هذه الوضعية وإخراج الاقتصاد الوطني من جموده، ترى مصادرنا أن من الضروري الذهاب نحو إعادة هيكلة تامة للاقتصاد، وتحرير القطاع الصناعي من الإدارة والبيروقراطية، وفتح المجال واسعا أمام الصناعيين للعمل في جو مناسب، مثلما هو معمول به في كل البلدان، والذهاب نحو المحاسبة القضائية للإداريين، الذين يعرقلون الاستثمار، فضلا عن تحرير الدفع الإلكتروني الذي شددوا على دوره الكبير في القضاء على السوق الموازية التي لا بد من مكافحتها، مثلما أضافوا. كما طالبوا بإنشاء "وزارة كبيرة تحت تسمية وزارة الاقتصاد، تشمل قطاعات المالية والتجارة والصناعة والفلاحة..."، مبرزين في سياق متصل، أولوية استرجاع الثقة؛ باعتبارها العامل الرئيس الذي يجب العمل في اتجاهه، لاسيما في الوضع الراهن. التصدير قد يشكل حلا لتراجع الطلب المحلي وحسب السيد الباي محمد عبد الواحد مسؤول العلاقات الدولية في مؤسسة "جيتراتيك"، وهي بوابة إلكترونية خاصة بالتصدير، فإن المرحلة الراهنة المتميزة بالغياب التام للرؤية الواضحة والضبابية، جعلت المتعاملين سواء كانوا وطنيين أو أجانب، يتخوفون من إقامة مشاريع في الوقت الراهن، وحتى الذين يشتغلون ينتجون بحوالي 50 إلى 60 بالمائة من قدراتهم الإجمالية. فاليوم هناك مشكل حقيقي في السوق المحلية، كما قال محدثنا؛ ما جعله يعتبر أن "التصدير" قد يشكل حلا بالنسبة للمنتجين في هذه المرحلة، التي تعرف تراجعا للطلب الداخلي. وقال في هذا الصدد: "نشعر وكأننا نعود إلى الوراء بعد حركة عرفتها السوق المحلية؛ لذا أنا مقتنع بأنه الوقت المناسب، الذي يجب أن نشرح فيه أن التصدير يمكنه أن يمثل حلا في هذه الأزمة التي يشعر بها الجميع".