المتابع لنشاط الزميل الصحفي أمين غوتالي على "فايسبوك"، كان ينتظر أن يقيم في يوم ما معرضا للصور، فشغفه بالصورة ليس مجرد هواية، ونظرته الضوئية زاحمت المصورين المحترفين، غير أنه باغت الجميع بمعرض فني من نوع خاص عنوانه "الحجارة الكريمة"، مقام بالمركز الثقافي الجامعي في الجزائر العاصمة، إلى نهاية ديسمبر الجاري، عبارة عن لوحات مصنوعة من حصى شواطئ عين طاية حيث يقطن الفنان. من الصورة إلى الحجارة عن انتقاله من الصورة إلى تشكيل الحجارة والحصى يقول أمين غوتالي: "يعود إلى بعض الظروف منها أني أسكن على بعد 100 متر من البحر، وفي فترة الحجر الصحي. والكثيرون اكتشفوا في أنفسهم مواهب في شتى المجالات، وأنا منهم. كنت أنزل البحر، وأصور. وفي طريقي أجمع الحصى، ولم أكن أعلم ماذا أفعل بها، حتى اكتشفت في يوم من الأيام الفنان النحات السوري نزار علي بدر، وكنت منبهرا بعمله، فحاولت إنجاز لوحات تشبه أعمال هذا الفنان السوري، خاصة أني من قطاع الصحافة، وهو ما يعني أن الأفكار موجودة لا تنضب". وتابع: "مع مرور الوقت بدأت أستمتع بما أفعل، وخصصت مكانا في البيت تشبه الورشة. ثم انتقلت إلى نشر صور هذه اللوحات على فايسبوك، وسرعان ما عرفت صدى، وتلقيت تشجيعا من الكثيرين، ثم وجدت لاحقا أن من فوائد العمل اليدوي خفض نسب التوتر، لاسيما التي نعيشها نحن الصحفيين، بل أحيانا يخرجك العمل اليدوي من كل أنواع التوتر وأنت مركز على عملك، ليجعلك في حالة استرخاء تام!". من منشورات فايسبوكية إلى معرض فني أشار محدّث "المساء" إلى أن الأمر تطور، فأصبح يشارك أعماله على فايسبوك. وبات الجميع يدعونه لإقامة معرض، وهي الفكرة التي لم تراوده من قبل. فبقي يصنع هذه اللوحات، وينزل يوميا إلى البحر لجمع الحجارة والحصى، فأصبحت عادة، "خاصة وأنت تشعر بلذة نيل رضا الناس في ما تبدع"، قال: "حتى جاء اليوم الذي كلمتني فيه آمال بارة قاسمي صاحبة رواق خاص في العاصمة، تطلب مني تقديم أعمالي في معرض، فأجبتها بأن إقامة معرض ليست هدفي بقدر ما أتقاسم مع الأصدقاء على فايسبوك على حسابي الشخصي، أو في صفحة اتحاد الفنانين الجزائريين، وانتهى الأمر"، فما كان من صاحبة الرواق إلا أن تذهب إلى المركز الثقافي الجامعي وتعرّف مديرها على أعمال غوتالي، فوافق على تنظيم معرض على مستواهم، ثم أخبرت غوتالي، ووضعته أمام الأمر الواقع، فأحضر اللوحات، وهو حاليا يعرض أكثر من 30 لوحة بمواضيع مختلفة، قسّمها إلى مجموعة من المحاور؛ هي الحب، والبحر، والفن والتراث، وأخيرا التاريخ والثورة التحريرية الجزائرية. وعن الثورة والمقاومة الجزائرية قال غوتالي: "صنعت لوحة للأمير عبد القادر ولبوعمامة، ومجموعة الست التاريخية، وشخص معذب، وصورت معركة ضد المحتل الفرنسي، وهذه المواضيع أغلب الفنانين تناولوها، لأن الأمر يعتبر شيئا مؤسسا فينا كجزائريين. وفي المعرض هناك قسم آخر مهدى للبحر، وهذا بديهي بحكم أني أقطن بالقرب من البحر، وأجمع الحصى من الشاطئ. وأقرأ الأدب المستلهم من البحر، مثل روايات مرزاق بقطاش، ومحمد ديب، الأمر الذي جعلني أشكل لوحات لشخص يقرأ في كتاب أمام البحر، وآخر لصياد، وثالث لراكب أمواج البحر، ورابع لشخص غواص". وفي قسم الموسيقى والفنون، شكّل غوتالي لوحة "الدرابكي". وأشار: "بالمناسبة، أعشق كل الموسيقى الجزائرية الجيدة وخاصة الشعبي. وكرمت العنقى وفرقته في لوحة، وكذلك دحمان الحراشي، وشخصا يعزف القصبة (الناي)، وآخر يعزف الموندول، وهي لوحات تؤكد أهمية الموسيقى، التي أراها مرادفا للحياة. بالنسبة لي، لا أستطيع العيش بدون موسيقى حتى وإن كنت مارستُها سابقا". أما القسم الأخير فيتعلق بالحب، الذي يشوبه الكثير من الكلام، على أنه شيء غير موجود، هي طريقة للقول إن الحب موجود مهما كانت صورته، ولا يتعلق الأمر بحب امرأة، لكن يبقى الحب الرمزي كائنا بين الرجل والمرأة، "ويجب أن نتحدث عنه بأناقة". شكّل غوتالي خمس لوحات عن الحب، ثلاث منها مستوحاة من أغان فرنسية عاطفية معروفة، والباقي مواقف من الحياة، وقال: "كل فنان من واجبه حمل قيمة فنية، وكذلك قيم الجمال والمعاني والأخلاق. وأكثر من ذلك، على الفنان أن ينتفض في فنه، ويمكن أن نعبّر بأشياء بسيطة، وبالمجان". "الجوهر" فرضت نفسها ضد إرادتي تغيب نجمة المعرض المتمثلة في شخصية "الجوهر"، التي غالبا ما يضعها أمين غوتالي في منشوراته الفايسبوكية، لخلق جو من المرح، وعلى سبيل المزاح، بإسقاطات على حياة المجتمع الجزائري، ولم يكن يتوقع أن تحظى بهذه الشهرة، حتى إنه لم يدرجها في معرضه، لكنه تفاجأ لما أضحت نجمة من حصى، جلبت الإعجاب الذي لم ينتظره الزميل الصحفي. وفي هذا الشأن قرر أن يخصص لها مشروعا بعد نهاية معرضه هذا، بتطوير الجوهر إلى شخصية مشابهة لشخصية الممثلة الراحلة وردية رغم أن الفكرة لم تكتمل بعد في نظر غوتالي، لكنها تقترب من مشروع على شكل شريط مرسوم، مشيرا إلى أنه من الناحية التقنية، لن يكون سهلا، وستكون الجوهر شخصية شعبية، تتطرق للمواضيع البسيطة التي نعيشها في يومياتنا، وستقدَّم بأسلوب كوميدي ساخر. وأخذ أمين غوتالي اسم السيدة الحجرية الجوهر، من فيلم "ميدالية لحسان" (إنتاج 1986، مقتبس من مسرحية البوابين) للمخرج الحاج رحيم، حيث أدت السيدة الممثلة الراحلة وردية، دور الجوهر، التي تحاول، عبثا، التقرب من حسان (رويشد) للزواج، ويظهر ذلك في مشاهد ساخرة. حصى ميت يعبّر عن حياة من الناحية التقنية، قرر أمين غوتالي ترك الحجارة المنتقاة كما هي بدون كسر أو تلوين، وأوضح: "غالبا ما أختار الحجارة وعندي فكرة معيّنة، وقلّما أجمع الحجارة عشوائيا ثم تظهر لها فكرة مناسبة". ويقول في هذا الشأن: "أحاول التعبير عن الحياة بحصى ميت، وهذه هي المفارقة الجميلة. وأنهل من الموسيقى والمرح ومواقف الحياة". ويستعمل غوتالي الخشب وغراء الخشب للحجارة الكبيرة. وبالسيليكون يلصق الحصى الصغير. ويختار ألوانا لدهن خلفية اللوحة، لتكون ملائمة مع الموضوع. وبخصوص الحجارة فيتركها كما هي رغم أن هناك من يعطيها صبغة "وأحترم أسلوبهم" لكن غوتالي يفضّل أن يدع الحصى على طبيعته، إذ يرى أنه أكثر واقعية في شكله الطبيعي. ويفكر غوتالي في التخصص في المعارض القادمة، في مثل الموسيقى، وله فكرة تخصيص معرض للجزائر العاصمة من خلال أشخاصها، أو عن المهن، و"كل هذا من أجل التعبير عن الجزائرية التي فينا، للترويج لثقافتنا وتقاليدنا".