عقد منتدى الفكر الثقافي الإسلامي، أول أمس، بقصر الثقافة "مفدي زكريا" ، جلسته الثانية بعنوان "التصوّف والزوايا وأثرهما في نشر قيم المحبة والتضامن"، التي تم فيها إبراز الجانب الروحي والعملي في التعاليم الصوفية، وكيف كان لها الدور في صون المجتمع ورصه؛ تفاديا للنزاعات، والفرقة، وضيق العيش، وكذا الدور الذي لعبته الزوايا في رفع لواء المقاومة. جرت فعاليات الجلسة في إطار الطبعة الثالثة من منتدى "الفكر الثقافي الإسلامي" تحت شعار "القيم الحضارية ورهانات المستقبل"، أدارتها الدكتورة سهام شريف، رئيسة مخبر الدين والمجتمع، التي قدّمت استهلالا من نفحات تصوفية لابن عربي، كمدخل للجلسة. أول المتدخلين كان الدكتور موسى إسماعيل رئيس المجلس العلمي لجامع الجزائر، متحدثا عن "قيمة الحبّ والجمال، مقاربة في الفكر الصوفي الجزائري" ؛ حيث أكد أن هذا البعد متجذّر في الموروث التاريخي والاجتماعي الجزائري، موضحا أن عمق الفكر الصوفي في الجزائر يتجلى في قيمة الذوق، وفي تجربة الحياة والمعايشة، التي أصبحت تجسيدا يوميا لكل معطيات المدرسة الصوفية المشرقية والمغاربية، المستنبطة من القرآن الكريم، والسنة النبوية. وقال المتدخل إن قيمة المحبة والتصوف مستمدة من الكتاب والسنّة؛ فالآيات تتحدث عن المحبة والجمال، وعن أسماء الله الحسنى التي تجسّد تلك المعاني؛ لذلك كان التصوف على هذا المقدار من المحبة والجمال. ومن مصطلحاته العشق؛ لتتجسد بعدها قيم التسامح والتعايش وحبّ الآخر أكثر من مدارس أخرى، مستشهدا بتجربة الأمير عبد القادر، ثم تجربة سيدي بومدين الغوث، الذي أرسى قواعد التصوف الصحيح. وأشار المتحدث إلى أنه بعد القرن 5 هجري، ترسّخت الصوفية في المجتمع، في مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي، ليبقى أثرها فيما بعد في العادات والتقاليد؛ منها عادة التويزة، وتاجماعت، وفي المناسبات الاجتماعية الأخرى. وبدوره، قدّم الدكتور حمو فرعون من جامعة مستغانم، تدخّلا عنوانه "قيمة المحبة والتضامن عند العارف بالله الأمير عبد القادر الجزائري، تنظيرا وممارسة"، تطرّق فيه لمعاني التصوف كمصدر للتديّن الوسطي المعتدل، القائم على عقائد مشتركة في مبدأ المحبة والتعايش؛ باعتباره علم تزكية مذكورا في 59 آية من القرآن الكريم بمصطلحات عديدة، مقامها الإحسان. وقال المتدخل إن التصوف هو تزكية النفس، وتهذيبها؛ يصل بالفرد إلى الرفيق الأعلى من خلال تبادل قيم الرضا والمحبة التي تفرض الرجوع إلى النموذج الإنساني للمجتمع الجزائري، متوقفا عند الأمير عبد القادر كنموذج لهذا المبدأ، وهو الذي قال إن حب الله لكل مخلوقاته جاءت منه صفة العدل. كما أضاف أن الأمير عاش ونادى طيلة حياته، بالتمسّك بقيم الحب والتسامح التي تَدرَّج فيها (مقامات المحبة)، وبلغ أوجّها في محطات كثيرة، رسمت قناعاته تجاه المعالم الأخوية والتضامنية؛ لعل أهمها كان أثناء تواجده في الشام حين أنقذ 15 ألف مسيحي من القتل. وأكد المتحدث أن الأمير عبد القادر قال إنه يستطيع جمع أهل الأديان على الحق شرط تقبُّل مبتغى الصلح، وكذا الفهم الكامل والصادق، الذي يساعد على نشر قيم التسامح بين بني آدم بالرجوع إلى أحضان التصوّف الواعية بقيمة المساواة بين البشر باختلاف توجهاتهم، موضحا أن مواقف الأمير ناتجة عن إيمان وقناعة، وليست سياسة بالمفهوم المجرد؛ ما جعله نموذجا للسماحة المطلقة؛ ذلك أيضا لأنه تَربى في حضن الصوفية، وبالتالي كان سبّاقا في طرح قيم المحبة والمساواة الإنسانية قبل الفلاسفة والمفكرين والبيان العالمي لحقوق الإنسان. وهنا أكد المتحدث أن التصوف له دوره في السلم العالمي. وفي الأخير دعا الدكتور فرعون الباحثين إلى البحث في الزوايا الجزائرية، والخبايا والكنوز الدفينة فيها. أما الدكتور رشيد سعادة من جامعة الجزائر2، فتطرق ل "المقاربة السوسيولوجية للزوايا" . فبعدما عرّف التصوف، أكد أن الزوايا تبنّت الجانب العملي للتصوّف، ونقلته إلى أرض الواقع بالتكافل الاجتماعي؛ لتصبح الزاوية مجتمعا قائما بذاته، قائلا: " إننا لم نعط عناية للتراث الفكري للزوايا. وأغلب الدراسات المقدَّمة هي غربية "، ليستعرض شهادات كبار العلماء والمفكرين والمصلحين عن الزوايا؛ منهم الشيخ الراحل الإبراهيمي، وابن باديس الذي قال: "يجب أن تصلح الزوايا، لا أن تهدم". بعدها تطرّق المتدخل لارتباط الزوايا بالمقاومة ضد المحتل من أقصى الغرب حتى القاهرة. وكانت تسمى حينها الرباطات؛ ب600 رباط للدفاع عن الأوطان.