هاهو نصف قرن يمر على استعادة الجزائر استقلالها من أعتى استعمار عرفه العصر الحديث.. استعمار اعتمد أسوب الأرض المحروقة والإبادة الجماعية لأبناء الشعب المستعمر (بفتح الميم)، كما اعتمد موازاة مع ذلك كل الأساليب لطمس هوية الأمة بكل ما تمثله من أبعاد اجتماعية وثقافية ودينية. وهاهي الجزائر في هذا الظرف الوجيز من الاستقلال مقارنة بليل الاستعمار الطويل الذي امتد على مدار 132سنة، قد بنت نفسها واستكملت مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية، وأصلحت ما أفسده الاستدمار واسترجعت ما حسبته فرنسا الاستعمارية قد أصبح ملكا لها فيما اسمته ذات يوم "الجزائر الفرنسية". وإذا كان من الصعب على الجزائر المستقلة أن تعيد كل مامسته ارادة التدمير وآلياته المادية والمعنوية فقد حققت المهم في مسارها منذ جويلية 1962 وعلى رأس هذه الإنجازات سيادة القرار وسيادة الموقف من القضايا الدولية، ومنها الحركات التحررية التي كانت ثورة التحرير المجيدة مثلها الأعلى الذي ضرب فيه الجزائريون أروع الأمثله في البطولة والتضحية والروح الوطنية والايمان بهوية الأمة.
وإذا كانت مقارعة الاحتلال بالسلاح جهادا أصغر دفع فيه الشعب الجزائري ما يزيد عن سبعة ملايين شهيد وهي تضحيات انفرد بها الجزائريون في سبيل نيل استقلالهم، فإن الجهاد الأكبر احتاج منا غداة الاستقلال ويحتاج منا اليوم وغدا تضحيات أكبر لتحقيق الاستقلالية في شتى مناحي الحياة والقضاء على التبعية للآخر سواء على المستوى الاقتصادي أو العلمي أو الخدماتي وبصفة خاصة الغذائي الذي سعت الجزائر وتسعى لتحقيقه لأنه غاية كل استقلال.
وإذا كان جيل الثورة قد حقق ما هو مطلوب منه وبسخاء وإحسان فإن أجيال الاستقلال مطالبة بأن تكون أكثر سخاء وعطاء لتأمين الأمة من أي هزة تراد لها من الاستعمار القديم الجديد ومن زبانيته الذين لم يغمض لهم جفن منذ أن أصبحت الجزائر حرة مستقلة.