يعتبر الإعلام من أهلم سمات عصرنا الحاضر الذي شهد تطورا مذهلا في وسائل الإتصال والمعلوماتية، وكيفية تنقل الأخبار بطريقة مدهشة ومذهلة في لمح البصر وكأن العالم قرية صغيرة لا يخفى فيه خبر، وتقوم وسائل الإعلام أيا كانت بهذا الدور المهم الحيوي، لتغطية مايحدث في العالم، وكل قنوات الإعلام في العالم تذهب إلى توفير الأحداث وتتحرى الموضوعية التامة في عرض الحقائق كما هي والإبتعاد عن المبالغات والإثارة. لكن يؤسفني إلى حد كبير ما حدث اليوم 28 سبتمبر 2008 حيث العالم كله يتكلم عن أكبر حدث في هذا اليوم وهو صعود الصين إلى القمر. فإذا كان هذا الأمر يخيف العالم الغربي، بل ويخشى من أن تتخذ الشعوب الفقيرة خاصة منها الدول الإفريقية، من الصين الشعبية قدوة لها في التنظيم الإجتماعي الذي ينهض بالشعوب، وفي أن تصبح من الدول المصنعة تستغني بذلك عن الإستيراد من الدول الأوروبية التي تمتص دماء الشعوب، يؤسفني ألا تعطي أغلبية الصحف الجزائرية للخبر قيمته الإعلامية الحقيقة وهناك من لم يتكلم عنه البتة، والبعض الآخر أشار إليه كأي حدث عادي برؤوس أقلام فقط. إنه أمر محيّر ومدهش خاصة وأن العلاقات الجزائرية الصينية تمر بمرحلة هامة على جميع الأصعدة، لقد اعتبر فخامة رئيس الجمهورية أن الصين الشعبية هي أكثر تقبلا وتماشيا مع متطليات المرحلة الراهنة، لهذا عزز علاقتنا الإقتصادية معها وهذا يدل على حنكته السياسية، وما حضوره الافتتاح الرسمي لأولمبياد بكين إلا اعتراف منه من الصين على الدور الرائد الذي يلعبه فخامة رئيس الجمهورية في تطوير العلاقات الإقتصادية بين الجزائر وبكين وخلق بيئة دولية طويلة الأمد للإصلاح والإنفتاح وصيانة السلم العالمي ودفع التنمية. إن حصول الصين على حق تنظيم أولمبياد 2008 باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، كانت فرصة ذهبية للصين أولا لمعرفة قيمة هذه الدولة العريقة وثانيا معرفة قدرتها الهائلة في التنظيم وبالفعل كان أجمل وأحدث تنظيم للأولمبياد منذ إنطلاقه، وقد أذهلت العالم بقدراتها الفائقة على التنظيم وها هي تبهر العالم بعد شهر من انتهاء أولمبياد بكين بمعجزة أخرى وذلك يوم 27 سبتمبر 2008 حيث إستطاع تشاي تشي قانغ أول رائد فضاء صيني »السير« مسافة 9165 كم في الفضاء خلال نشاط فضائي خارج المركبة تقوم به البلاد واستغرق حوالي 20 دقيقة وتعادل هذه المسافة ربع محيط الكرة الأرضية عند خط الاستواء. ومعلوم أن الصين الشعبية منذ نشأت قضية طيران الفضاء عام 1956، سارت الصين في طريق النمو الذاتي، الآن تحتل الصين المرتبة الثالثة في العالم التي تبحث وتنتج وتطلق الأقمار الصناعية حول الأرض بالاعتماد على النفس، وحققت منجزات كبيرة ايضا في بحث وانتاج واستخدام الاقمار الصناعية بالاستشعار عن بعد وأقمار الاتصالات وتجربة سفن فضائية برواد الاقمار الصناعية حول الأرض، منذ أن اطلقت الصين أول قمر صناعي حول الأرض "الشرق الأحمر 1" في افريل 1970 وفي 30 ديسمبر 2002 اطلقت سفينة الفضاء "شنتشو 4" كانت هذه التجربة الرابعة لمشروع طيران الفضاء برواد في الصين المرة الأولى كانت في نوفمبر 1999 والمرة الثانية في عام 2001 والمرة الثالثة في 2002 وما هي تبهر العالم وتضع العلم الصيني فوق القمر بتاريخ 27 سبتمبر 2008 وقد تم بث السير الفضائي تلفزيونيا على الهواء مباشرة عن طريق آلات تصوير مركبة داخل المركبة الفضائية وخارجها. وللتذكير فإن تشاي الذي يحتفل بعيد ميلاده ال42 الشهر المقبل، وهو يقفز خارج المركبة قال "صحتي جيدة وأبعث بتحياتي للشعب الصيني والعالم أجمع" ثم لوح بعلم صغير للصين اعطاه اياه زميله ليوبومينغ الذي ظهر ايضا لفترة قصيرة من فتحه المركبة. وبعد إحضاره عينة من شحم صلب وضعت خارج المركبة المدارية للاختبار عاد تشاي إلى داخل المركبة وجعل من الصين ثالث دولة في العالم تسير بنجاح في الفضاء بعد الولاياتالمتحدة وروسيا، ويرجع الفضل في كل هذه الانجازات إلى السياسة الحكيمة التي تنتهجها الصين في ميدان العلوم والتكنولوجيا منذ القدم حيث كانت أول دولة في العالم تقوم بالاختراعات الأربعة الآتية: البوصلة الصينية، مطبعة الرموز، صناعة الورق، أسلحة البارود، وإلى الطلاب العائدين من الخارج حيث كل واحد منهم يجد مكانه في بلاده وهم أعمدة هيئات البحث العلمي بما يمتلكونه من خبرة طويلة في مجال تخصصاتهم وقد اعطتهم السوق الصينية الكبرى أكبر فرصة للظهور في مسرح الابتكارات والاقتراعات. ولكي نتبع نهج الصين ونحذو حذوه ونصير من العمالقة يجب تشجيع ومكافأة العلماء الجزائريين الأمر الذي يساعد في تفجير حماسة العلماء لمزاولة نشاط الابداع والاختراعات العلمية والتكنولوجية، ويمكننا فعل ذلك إذا توفرت الارادة السياسية وخلق جو عملي نظيف وتسهيل عودة باحثينا من الخارج لخدمة بلدهم وهم ينتظرون بفارغ الصبر الضوء الأخضر من الحكام فهل من مجيب؟