توالي الاستقالات في حكومته يؤكد فشل نظامه ويدفع بقوة لرحيله لجأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كغيره من رؤساء الدول المصادرين “ضمنيا” أو “علنا” لديمقراطية شعوبهم، إلى ما إصطلح على تسميته في فرنسا ب “الحوار الوطني الكبير“، كآخر ورقة له سيلعبها وهو يحاول وأد انتفاضة الشارع المحلي في وجهه من جهة، وسعيا منه من جهة أخرى لإعادة إحياء ولايته الرئاسية، التّي خنقتها بالدرجة الأولى الإستقالات المتتالية في حكومته، وتتجه “السترات الصفراء” بخطى ثابتة للقضاء عليها كلية. كقاعدة صارت معروفة ومتبناة بشكل واسع وسط رؤساء دول عدة حول العالم خاصة العرب منهم، وبعدما حاصر ماكرون، الفرنسيين بمختلف شرائحهم وغدره لهم من خلال تخليه عن وعوده التي أطلقها خلال حملته الإنتخابية، ما أفرز إنتفاضة شعبية صاخبة في وجهه، لجأ مكرها إلى خيار التهدئة “الظرفية”، من أجل تفادي تضاعف حجم كرة الثلج التي يواجهها منذ أن إعتلى سدة الحكم في فرنسا، فأطلق في خرجة غير مسبوقة ما سمي ب “الحوار الوطني الكبير”، الذي إنطلق في ال 15 جانفي الجاري، على أن يمتد إلى ال 15 من شهر مارس المقبل (يدوم شهرين) لتُدرَس نتائجه بعد شهر تقريبا ليصدر ماكرون بعدها قرارات على ضوء نتائج هذا النقاش، وهي الإستشارة الوطنية، التّي وعد بها ماكرون، ردا على مطالب حركة “السترات الصفراء” التي تهز البلاد منذ حوالي شهرين، هذا الحوار يسعى من ورائه الرئيس الفرنسي إلى غايته واحدة ووحيدة بعيدا عن كل ما يتعلق بمطالب الشارع، ألا وهي إعادة بعث الحياة في ولايته الرئاسية التي تواصل “السترات الصفراء” القضاء عليها، بعدما شرعت في عملية هدمها الإستقالات المتتالية في حكومته، والتي بدأت بإعلان فرنسوا بايرو، وزير العدل الفرنسي، ومارييل دي سارنيه، الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية، شهر جوان 2017، تخليهما عن منصبيهما الحكوميين والانسحاب من الحكومة الجديدة، هذا عقب يوم واحد من تقديم وزيرة الدفاع الفرنسية سيلفي غولار، إستقالتها، في إطار تحقيقات بتوظيف أعضاء من الحزب الذّي تنتمي إليه بشكل وهمي في البرلمان الأوروبي، لتتوالى بعدها الضربات على رأس ماكرون، ففي جويلية 2017، قدم قائد القوات المسلحة الفرنسية الجنرال بيير دو فيلييه، إستقالته من منصبه بعد أيام من توبيخه من طرف الرئيس الفرنسي أمام الجيش، بسبب مقترحات قدمها تتعلق بخفض ميزانية الدفاع، ليصدر هذا الجنرال بعدها كتابا وجه من خلاله إنتقادات لاذعة إلى ماكرون، كرئيس لفرنسا، ونظامه بشكل عام، ما تسبب حينها في إنهيار أسهم الرئيس، هذا وأعلن بدوره وزير البيئة الفرنسي، نيكولاس هولو، في أوت 2017 إستقالته من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، خلال مقابلة إذاعية على الهواء مباشرة، مشيرا إلى عدم موافقته على سياسات الحكومة، وحذت حذوه في سبتمبر من السنة ذاتها، وزيرة الرياضة الفرنسية لورا فليسيل، التي بررت إستقالتها بأسباب شخصية، وفي إستمرار لمؤشرات فشل ماكرون، وبداية تصدع نظامه، أعلن شهر أكتوبر الماضي، وزير الداخلية جيرار كولومب، إستقالته هو الآخر، ومع بداية السنة الجديدة 2019، تلقى الرئيس الفرنسي، ضربة موجعة أخرى بعدما تنفس الصعداء وشرع في ترميم أثار الإستقالات في حكومته، عندما أعلن سيلفان فور، مسؤول الشؤون الإعلامية الخاص بالرئيس الفرنسي، بداية جانفي الجاري، إستقالته من منصبه، عازيا ذلك لرغبته في متابعة مشروعاته المهنية والشخصية. وعليه تعتبر جملة الإستقالات السالفة الذكر، وموجة الفضائح السياسية وإحتجاجات الشوارع من قبل مرتدي “السترات الصفراء”، مؤشرات واضحة على فشل السياسة الإصلاحية “القاسية” لماكرون من جهة، وبداية إنهيار نظامه من جهة أخرى.