"الأمن المائي في الجزائر" محور ملتقى وطني ببشار    إتصالات الجزائر ترفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا لفائدة مشتركيها الى غاية 9 مايو المقبل    فريق طبي موريتاني يحل بولاية باتنة للاستفادة من الخبرة الجزائرية في مجال زرع الأعضاء    حج 2024: دورة تدريبية خاصة بإطارات مكتب شؤون حجاج الجزائر    فلاحة/مؤسسات ناشئة: اطلاق الطبعة الرابعة لمسابقة الابتكار في قطاع الفلاحة في افريقيا    تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا و أكثر من 77 ألفا و 575 مصابا    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : مولودية الجزائر تعمق الفارق في الصدارة وشبيبة القبائل تبتعد عن الخطر    كرة اليد (البطولة الإفريقية للأندية وهران-2024): تتويج الترجي التونسي على حساب الزمالك المصري (30-25)    تربية: التسجيلات في السنة الأولى ابتدائي بداية من هذه السنة عبر النظام المعلوماتي    مهرجان الجزائر للرياضات-2024: اختتام الطبعة الأولى بأصداء إيجابية في أوساط العائلات والشباب    سكيكدة: دخول محطة تصفية المياه المستعملة بفلفلة حيز الخدمة    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يثمن قرار خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية    تكوين الشباب في مجال مناهضة خطابات الكراهية والتمييز "مبادرة ذكية تعزز اللحمة الوطنية"    ممثلا لرئيس الجمهورية.. العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    المرشدات الدينيات يعتبرن مدرسة تكوينية للأجيال    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    انطلاق الاختبارات التطبيقية لأول بكالوريا في شعبة الفنون بالعاصمة    اندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مع انطلاق حملة مكافحة الحرائق: منع التخييم والتجول بالغابات بداية من الأربعاء بقسنطينة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    صراع أوروبي على عمورة    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    مظاهرات الجامعات يمكن البناء عليها لتغيير الموقف الأمريكي مستقبلا    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    توفير كل الظروف للاعتناء بمعنويات الفرد العسكري    الرئيس تبون يمنح لقب "القاضي الشرفي" لبعض القضاة المتقاعدين    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يُزيّن كشكه أحد أعرق شوارع قسنطينة: صالح.. بائع ورود تعبق باقاته بعبير الحب والصداقة والفرح
نشر في النصر يوم 23 - 12 - 2023

يقف صالح بوقار، أمام واجهة محله لبيع الورود، منشغلا بتحضير أزهار لزبونة، ينتقي الأجمل منها لأجل باقة مثالية، فيبدو وهو يحمل ساق الجوري و يتفحصها بعناية وكأنه يحاورها، و الحقيقة أن لكل باقة قصة مختلفة، فوروده تروي حكايات عن الحب و الفرح و الصداقة، و كثير من المشاعر الإنسانية، لأنها هدية راقية ترتبط بالمناسبات الخاصة جدا وباللحظات الفريدة.
كانت شمس الصباح قد أسدلت خيوطها الدافئة على شراع بلوزداد بوسط مدينة قسنطينة، حيث توقفنا أمام كشك العم صالح، وقد بدت الأجواء جميلة تبعث على الارتياح والشاعرية، خصوصا بعدما اشتركت ألوان الورود و النباتات، مع أرواق الشجر الصفراء، في رسم مشهد رومانسي كتلك المشاهد التي تتكرر في أفلام السينما، أو نقرأ عنها في الروايات أحيانا، جمعنا بالبائع حديثا مطولا، فتح خلاله صندوق ذكرياته فانبعث منه شذى سنوات من النشاط، قال لنا إنه تشبع خلالها بكثير من التجارب الإنسانية.
صديق الطبيعة
قال الرجل الذي تجاوز عمره عتبات الستين، إن علاقته بالطبيعة مميزة وأنه كان دائما شخصا محبا للورود، لذلك اختار أن يتقاسم معها عقودا من حياته فأحاط نفسه بها في حديقة منزله منذ صغره، مؤكدا بأن الطبيعة كانت ولا تزال ملاذه وملجأه فإن لم ينشغل ببيع الورود و تنسيق باقات الزهور و النباتات، سيكتفي حتما بالجلوس بينها وقراءة الجريدة أو احتساء القهوة.
تطورت هذه العلاقة أكثر، عندما تطوع للعناية بالحديقة العامة التي كانت موجودة قبل سنوات بشارع بلوزداد، ينظفها ويعتني بأشجارها حتى لا تؤذيها الحيوانات ويسقي أزهارها حتى يطول عبقها، قائلا إن الملل لم يكن يعرف سبيلا إلى قلبه وهو هناك، وبالرغم من أن بعض المارة كانوا يتعمدون إفسادها وتلويثها، إلا أنه كان يقف بالمرصاد دائما ويسارع إلى إصلاح ما يفسده أعداء الجمال.
وأردف، بأن هذا الشغف دفعه لاختيار تخصص دراسي يناسب ميولاته، فتخرج سنة 1984 كتقني سامي في مجال الزراعة والبستنة، من مركز التكوين المهني بحامة بوزيان بقسنطينة، ولأن بيع الورود مهنة متوارثة في عائلة خياط، فقد جمع بين التكوين والممارسة الميدانية، والتحق كذلك بجمعية بيئية، شارك معها في معارض كثيرة، أين اكتسب معارف أكثر وحاول أن يفهم علاقة أبناء المدينة بالورود والنباتات من خلال التفاعل معهم خلال الأنشطة التي تنظمها أو تشارك فيها الجمعية، فقدم بعد ذلك طلبا لإنشاء مشروع لبيع الورود، و اختار أن ينطلق من شارع بلوزداد لكونه موقعا استراتيجيا معروفا بحركيته التجارية ناهيك عن أن للحي مكانة خاصة في قلبه، حيث صرح محدثنا : " أضفت رائحة وألوان الورود إلى الشارع حتى أزيد من بهائه، لأنه في الأصل باقة حضارية وثقافية".
لوحة بألوان الجمال و عبير المشاعر تزين شارع بلوزداد
أكد لنا خلال حديثه، أن وجود الورود في حياته حسن نفسيته وزرع بداخله شعورا بالأمان والراحة، فضلا عن أن احتكاكه الدائم مع الأزهار جعله يتقمص بعض صفاتها، فقد لاحظنا بأن تواجده في شارع بلوزداد يضفي حياة للمكان وأجواء مرحة، فالجميع يعرفونه و يسألون عنه و قد كنا نتوقف عن الحديث معه أحيانا، لنترك مساحة لزواره من جيران وتجار وزبائن، قال بعضهم للنصر، إن المرور على كشكه و إلقاء التحية جزء من يومياتهم و نفحة من الطاقة الإيجابية، لأنه إنسان بشوش و طيب يشكلان هو وأزهاره و نباتاته لوحة فنية، من الجمال وطيب المشاعر تزين الشارع.
وقد لاحظنا ونحن نرصد تفاعله مع المحيطين به، انعكاس روحه المرحة على علاقته بأبنائه الذين يشتغلون معه، حيث علق ابنه أشرف : "شخصية والدي تعكس روح المهنة التي يشتغل فيها، يعاملنا كأصدقاء ويقدر مشاعرنا و يعامل الزبائن كالأهل أيضا، هي أجواء ينقلها من المحل إلى المنزل يغمرنا بها، فقد ورثنا عنه حب الورود كذلك".
سِجل يوثق ذكريات مميزة
علاقة صالح بزبائنه أثارت اهتمامنا، لأنها لم تتوقف عند حد التعامل المهني، بل بدا جليا بأنه يولي عناية كبيرة للإنصات، و يخصص وقتا جيدا ليستمع إلى قصص زبائنه، انطباع جعلنا نستشعر منذ الوهلة الأولى خصوصية المحل لديهم، وقد أكدته بعض المواقف والقصص المؤثرة التي عايشها مع عينات مختلفة من زواره، واستحضرها خلال دردشتنا قائلا إنها أثرت فيه كثيرا.
و من بين المواقف التي لامست مشاعره، وبقي محتفظا بذكراها، مشهد لشاب فاجأ والدته بباقة ورود وسط الشارع، وكان قد اختار لها بعضها من أفضل الأنواع في المحل لتكون عربون محبة، فانهمرت السيدة بالبكاء لفرط الفرح و التأثر.
قصة أخرى كان لها أثر كبير على نفسيته كما عبر، كان بطلها طفل صغير لم يتجاوز الثامنة، دخل إلى المحل وطلب وردة حمراء جورية، فاستغرب صالح من الأمر بداية، ثم قدم للزبون ما طلبه، ليخبره الطفل بأنها هدية لوالدته.
باقة من النوايا الحسنة
قصص أخرى كثيرة، عن هدايا عطرة اختيرت للأصدقاء و الأحباء مرت على المحل طوال سنوات، لأن الورود في ثقافة القسنطينيين ترتبط بالفرح حسبه، وقد كان المحل كذلك مجلسا للصلح في بعض المرات، فكثيرا ما يستعين البعض بنصائح صالح المستقاة من تجربته في الحياة لتجاوز مشاكلهم، حيث عبر قائلا بذات الخصوص : "طورت الأزهار علاقة مميزة بيني وبين زبائني وزواري، فمنهم من يقصدني لأجل الورود ومنهم من يطلب النصح أو وساطتي لحل المشاكل".
وقد قص علينا حادثة حصلت معه منذ أيام قليلة،عن شاب متزوج جاء إليه حاملا ابنه في حضنه، وفي قلبه هم مشكلة داخل بيته، فطلب رأيه و مشورته، و هكذا عاد إلى بيته حاملا باقة من النوايا الحسنة، وكلها مواقف قال محدثنا، إنها تضفي صفة الإنسانية و الخير على مهنة بيع الورود،ولذلك يعامل ورداته ونباتاته بعناية فائقة، و يعتبر محله جزءا من الحياة العامة في الشارع و تفصيلا مهما في ديكور المدينة
ورغم أن لكل نبتة في محله أهمية بالغة بالنسبة له، إلا أنه يخصص للأزهار مكانا مثاليا كما قال، لأن تنسيقها و العناية بها مهمة دقيقة تتطلب شروطا، حيث يتعامل مع الوردة على أنها كائن حي، يستوجب التغذية الجيدة ب "البوتاسيوم" أو الحديد، ومراقبة الطفيليات و التخلص منها.
وينصح محدثنا، بالاستعانة دائما بآراء المتخصصين عند شراء الورود أو النباتات، كي تعيش النبتة مدة زمنية أطول، مضيفا بأنه يصر على زراعة أنواع من الورود بنفسه لأنها ذات خصوصية وتتطلب كثيرا من العناية.
شراء الأزهار عادة جديدة لدى القسنطينيين
لم تهدأ حركة المحل منذ وصولنا إليه صباحا، فقد التقينا بشباب وفتيات يقتنون أزهارا مختلفة، واختارت سيدات باقات لحفلات خطوبة وزفاف، وعندما استفسرنا من السيد صالح عن سر هذه الحركية، قال لنا بأنه سلوك جديد اكتسبه القسنطينيون في السنوات الأخيرة، فالمجتمع بحسبه قد تغير ودخلت عليه ثقافات جديدة سواء من ناحية اختيار الهدايا، أو أسلوب التعامل في العلاقات الاجتماعية.
وأضاف، بأن نشاط بيع الورود عرف الكثير من المستجدات، عكس ما كان عليه في السابق، عندما كانت مهنة تُمارس بطريقة تقليدية، محصورة في تزيين سيارة العروس، أو استخدامها بمثابة زينة للأفراح، وأردف بأن نظرة المجتمع للورود تغيرت ففي التسعينات كان الشاب يخجل من حمل وردة والمشي بها وسط الشارع، وإذا استلزم الأمر فإنه يطلب من البائع أن يضع باقة في كيس حتى لا تظهر، أما حاليا فقد تغير الأمر كثيرا وأصبحت الباقات تُقدم في الزيارات، فضلا عن تزيين المنازل وإضفاء نفس جديد خصوصا وأن العناية بها لها تأثير إيجابي على الفرد.
سألنا صاحب المحل عن رمزية بعض الأزهار، فأوضح أن الورود البيضاء ترمز إلى السلام، وتقدم من أجل طلب العفو وإرضاء الطرف الآخر، أما الورود الحمراء فترمز إلى المحبة، فيما تقدم الزهرية في المناسبات، فضلا عن أنها خاصة بالأفراح، مشيرا إلى أن الزبائن يميلون كثيرا إلى اللونين الأحمر والأبيض، فضلا عن الفوشيا والزهري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.