قانون الأسرة يجيز التحاليل.. والتطبيق غائب ستحتفل الجزائر على غرار باقي دول العالم باليوم العالمي للإجماع على اتفاقية حقوق الطفل المصادف ليوم 20 نوفمبر من كل سنة، والجزائر كغيرها من دول العالم قد أمضت على هذه الاتفاقية، لكن وللأسف فإن معدلات الأطفال مجهولي النسب المنضمين لفئة الاطفال ترتفع في كل سنة، وقد بلغت 45 ألف طفل في الجزائر وهي أرقام رهيبة تدعو إلى اتخاذ تدابير مستعجلة لضمان حقوق الأطفال مجهولي النسب. عتيقة مغوفل معاناة هذه الشريحة من المجتمع الجزائري كبيرة، فكل من يحتك بهؤلاء ويسمع لقصصهم ينفطر قلبه بل ينزف دما، وهو حالنا يوم التقينا بحنان ومنير اللذان جارا عليهما الزمن فهما طفلان مجهولا النسب لا أب ولا أم معروفة وهو ما جعلهما يلقيان نفس المصير تقريبا. (أولاد الحرام، أولاد الدولة، أولاد الرايس، أولاد لاسيسطونس... وغيرها من العبارات الكثيرة والتسميات المتعددة التي يتفنن المجتمع في إطلاقها على الأطفال مجهولي النسب، الذين لا حول لهم ولا قوة فيما يعانونه، فغلطة الكبار دوما يدفع ثمنها الصغار ويا له من ثمن الذي يبقى وصمة عار في جبين هؤلاء تلحقهم حتى آخر جيل من أحفادهم هذا إن تمكنوا من الزواج وتأسيس عائلة. قضية مبهمة للطفلة حنان حنان صحفية بإحدى اليوميات الوطنية من مواليد 6 جويلية 1984 بالعاصمة، وبالتحديد بمستشفى بني مسوس من أبوين مجهولين، بعد ولادة حنان تخلت عنها والدتها بالمستشفى وهي القصة التي أخبرت بها من طرف المرأة التي تبنتها، وللإشارة فهي فتاة (سباعية) أي أنها ولدت في سبعة أشهر، ووالدتها دخلت بها إلى المستشفى وهي في حالة مستعجلة، حنان تبنتها عائلة عن طريق كفالة عند الموثق وحسبما أخبرتها الأم التي تبنتها فقد أحضرتها من المستشفى في كيس بلاستيكي وعمرها آنذاك 6 أشهر، وقد ترعرعت حنان في هذه العائلة وسط ثلاثة أشقاء ذكور الذين كانوا الأبناء الشرعيين لها وحظيت حنان برعاية مثلها مثلهم، ولكن أمور حنان انقلبت رأسا على عقب حين بلغت 14 ربيعا، فقد أصبحت الأم التي تبنتها تعذبها بل وصل بها الأمر الى حرقها باستعمال شوكة وهو ما سبب لها علامات في كامل جسدها، حين بلغت حنان 12 ربيعا جاءت إحدى قريبات الأم المتبنية إلى حنان وأخبرتها بصريح العبارة أنها ابنة متبناة وأنها (ابنة حرام) على حد تعبيرها، وهو ما حز في نفس حنان كثيرا، ورغم ذلك واصلت الدراسة إلا أن نالت شهادة البكالوريا سنة 2004 واختارت الصحافة كتخصص لها لأنها كان حلم حياتها أن تصبح صحافية، وهنا بدأت حنان تعاني من مشاكل عويصة في ظل غياب قانون لحماية الأطفال مجهولي النسب في الجزائر لأن الكفالة القانونية تنتهي في سن 18، وما زاد الطين بلة أن المرأة التي ربت حنان تغيرت اتجاهها كثيرا لأنها ربتها حتى تستغلها وتعمل بها وهو الأمر الذي رفضته حنان لذلك أصبحت تطردها من المنزل، ما جعلها تبيت في الشارع وأسفل درج العمارة التي تسكن بها، إلا أن الأمر لم يدم كثيرا فقد وجدت حنان صدرا رحبا آخر كان في أحضان عائلة أخرى التي استقبلتها في منزلها، بعدها تعرفت حنان على شاب وأراد الارتباط بها في الحلال إلا أن والده رفض الأمر باعتبار حنان فتاة مجهولة النسب وهي وصمة عار تبقى تلاحقها إلى الأبد، فحلفت يمينا أن تعرف حقيقتها ولن يهدأ لها بال ولا خاطر حتى تصل إلى عائلتها الحقيقية، وهي الآن تعمل جاهدة للوصول إلى الحقيقة لأنه في كفالتها يوجد اسم حمراوي وهو اللغز المحير بالنسبة لها، وحين سألت قيل لها إنه اسم الدولة لكنها شككت في الموضوع ولم تصدقه وبعد أن أجرت أبحاثا كثيرة علمت أنه في سنة 1984 سنة ميلادها تم اختطاف 6 رضع من مستشفى بني مسوس الذي ولدت به، فهي الآن تعمل على ربط اتصال بالمساعدة الاجتماعية التي أشرفت على إجراءات كفالتها وتسليمها إلى الأم المتبنية، إلا أن هذه المساعدة الاجتماعية ترفض مقابلة حنان ما جعل الشك يخيم على تفكير حنان في أنها فتاة مسروقة وليست مجهولة النسب، وهي الآن تطالب السلطات المختصة أن تجري لها تحاليل (الا دي آن) adn التي ستمكنها من معرفة نسبها الحقيقي، كما أنها تريد فتح التحقيق من جديد في قضية الأطفال المسروقين من مستشفى بني مسوس سنة 1984 علها ستعرف حقيقة نسبها. من أكون؟ سؤال يتكرر على منير ألف مرة على غرار حنان التقينا بحالة أخرى وهي حالة الشاب منير الذي يبلغ من العمر 21 عاما طالب سنة ثالثة بكلية الحقوق من مواليد 4 فيفري سنة 1991 بمستشفى بني مسوس مجهول النسب، تخلت عنه أمه عند ولادته في المستشفى وتم نقله فيما بعد إلى مصلحة الطفولة المسعفة بالأبيار أين تبنته السيدة إبراهيم في ماي 1992، عاش طفولة صعبة رغم الحنان الذي قدمته له الأم التي تبنته إلا أن الأب كان قاسيا عليه فقد كان عنيفا في التعامل معه لدرجة أنه كان ينعته بابن الحرام في الشارع وعلى مسمع أبناء الحي جميعا، لأنه أب سكير كل ما يجنيه من عمله في النهار يأخذه إلى الحانة في الليل ما دفع بمنير إلى العمل في سن مبكرة وهو لا يتجاوز حينها 14 ربيعا حتى يتمكن من إحضار الأكل إلى والدته وأخته، إلا أن صبر الأم نفد على زوجها ما دفع بها إلى طلب الطلاق فتأزم الأمر كثيرا لأن أهل الأم لم يقبلوا منير في بيتهم ما دفع بها إلى التضحية من أجله فعادت إلى زوجها السكير حتى لا يتشرد منير في الشوارع، هذه التضحية دفعت بمنير إلى عقد العزم على مواصلة الدراسة والنجاح وتحقيق حلم أمه في أن يكون محاميا لامعا في المستقبل، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن فمنير الآن يواجه مشاكل مع أبناء الزوجة الأولى للسيد إبراهيمي والده بالتبني الذي يطالبونه بمغادرة المنزل لأنهم وببساطة يخافون من أن يكون لمنير نصيب من ميراث والدهم، لذلك منير يعمل جاهدا على البحث عن عائلته الحقيقية التي يطمع في أن توفر له خصوصا الحنان الأبوي الذي لم يجده عند الأب المتبني، كما أنه يسعى جاهدا لإجراء تحاليل الADN التي من شأنها مساعدته في الإجابة على السؤال الذي يتبادر إلى ذهنه دوما من أكون؟ المشرع الجزائري يقر بالتحاليل ولمعرفة نظرة القانون في الموضوع جمعنا حوار بسيط بالأستاذة المحامية صارة هلالي (التي أكدت أن القانون الجزائري يسمح بإجراء تحاليل ADN لإثبات نسب الأطفال من خلال المادة 40من قانون الأسرة الجزائري التي تنص على (يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبنية أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول، كما يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لاثبات النسب)، بالإضافة إلى أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي أمضت عليها الجزائر تقر بضرورة اثبات نسب الطفل من خلال المادة 8 التي تنص على (تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي. إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته). كما أضافت الأستاذة أنه ورغم أن القانون الجزائري يسمح باثبات النسب عن طريق ADN إلا أن القانون لا يطبق وذلك لعدة أسباب منها الميراث حتى لايكون لهؤلاء الأطفال حق في ميراث الأهل الذين تخلوا عنهم في يوم من الأيام، زيادة على هذا التستر على اثبات النسب يعد جريمة في حق الأطفال الذين لا حول لهم ولاقوة، كما أن قانون الأسرة يخول الوصاية على هؤلاء الأطفال إلى وكيل الجمهورية بموجب المادة 3 من قانون الأسرة إلا أن هؤلاء الأطفال حين يلجؤون إلى وكيل الجمهورية لاثبات نسبهم يرفض تقديم طلبهم إلى مخبر الشرطة العلمية التي لا تباشر عملها إلا بأمر منه ما يدفع هؤلاء إلى العيش طوال الحياة وهم يعانون من هاجس جهل النسب.