بقلم: البشير بمكدي / في ظل الأوضاع الضبابية التي تعرفها العديد من مناطق العالم، يصبح من الصعوبة بمكان تحديد قواعد وشروط التعامل مع الاختلافات والتناقضات التي تعرفها السياسة العالمية وطرق تدبير بعض التوترات التي تنشأ هنا وهناك. ويعد مصطلح الإرهاب من بين هذه الإشكالات التي أحدثت لغطا كبيرا في ميادين السياسة والفكر والثقافة والاجتماع... فمن يضع قواعد التعامل مع الإرهاب؟ ومن يحدد ما هو الإرهاب ومن هو الإرهابي؟ ظهر مصطلح إرهاب كممارسة سياسية إبان الثورة الفرنسية. وبدأ الإرهاب أول ما بدأ كإرهاب دولة في حقبة (دانتون) Danton (وروبيسبيير) Robespierre. وكان إرهابا من الأعلى نحو الأسفل، مارسته الدولة ضد أعدائها الحقيقيين والمحتملين لأجل ترسيخ قواعد الدولة الثورية وهو ما عرف تاريخيا (بفترة الرعب). لكن المصطلح متأخر جدا عن الممارسات التي يمكن أن تعتبر إرهابا بمفاهيم وشروط عصرنا. فالإرهاب قديم قدم التاريخ. وهو صنو العلاقات الاجتماعية التي لا تخلو من توترات ومصالح وتطلعات نحو السلطة والثروة. إنه من الصعب جدا حصر الأعمال الإرهابية في تفجيرات منظمات مثل (إيتا) الإيرلندية و(الباسك) الإسبانية و(الفارك) الكولومبية و(نمور التاميل) في سريلانكا و(الألوية الحمراء) في إيطاليا... فالطائرات الأمريكية بدون طياروالتي تقصف عدة مناطق من الكرة الأرضية؛ وبالصدفة فقط فكلها مناطق تنتمي للعالم الإسلامي قتلت مئات من المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان. وهي كذلك نتاج تصورات دينية وطقوسية موغلة في الوحشية والسادية. ولعل طقوس القرابين البشرية المقدمة قصد إرضاء آلهة لا تعرف الرضا؛ لأنها في الحقيقة آلهة لا توجد سوى في مخيلة القائمين على طقوس القتل وبقر البطون قصد استخراج الأحشاء ورمي الجثث في الأنهار والبحيرات أو من المرتفعات الشاهقة. آلهة يطلب منها أن تطهر المدنس وأن تمنح الرضا للقتلة. إذا اتفقنا على أن الإرهاب هو تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف تكون موجهة ضد مجموعة دينية، سياسية، عرقية أو ثقافية، وفيه استهداف متعمد للمدنيين أو تجاهل لسلامة حياتهم. فإنه من الصعب جدا حصر الأعمال الإرهابية في تفجيرات منظمات مثل (إيتا) الإيرلندية و(الباسك) الإسبانية و(الفارك) الكولومبية و(نمور التاميل) في سريلانكا و(الألوية الحمراء) في إيطاليا...فالطائرات الأمريكية بدون طيار والتي تقصف عدة مناطق من الكرة الأرضية؛ وبالصدفة فقط فكلها مناطق تنتمي للعالم الإسلامي، قتلت مئات من المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان. ورغم ما تدعيه الولاياتالمتحدة من اختيارها الدقيق لأهدافها المتمثلة في تنظيمات إرهابية تشكل خطرا على الولاياتالمتحدة ومصالحها- وهي تعبيرات ضبابية يستحيل تمييزها بدقة- فإن المدنيين هم أكثر ضحايا هذه الهجمات الإرهابية؛ والتي تنفذها الولاياتالمتحدة لمحاربة الإرهاب. أي أن الولاياتالمتحدة تحارب الإرهاب بإرهاب أشد وأفظع. لعل صور معتقل _غوانتانامو_ وسجن _أبو غريب_ لا تزال شاهدا حيا على الإرهاب النفسي والجسدي الذي تمارسه إمبراطورية الديمقراطية الأولى عالميا. دعونا لا نتوغل كثيرا في التاريخ المشين للإمبراطورية الأمريكية التي تأسست على جماجم السكان الأصليين لأمريكا؛ ذاك تاريخ بعيد!. ماذا عن الحرب الكورية والتدخل في فيتنام وغواتيمالا والشيلي والعراق وأفغانستان والسودان والصومال وأمريكا اللاتينية بل وفي أوروبا؟ إنه لمن الحمق تصديق ما تدعيه الولاياتالمتحدة ومن ورائها إسرائيل وبعض الدول العربية والغربية بأنها تحارب الإرهاب. لأن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون بإرهاب مساو له أو أشد منه فظاعة. كما لا يمكن الارتهان إلى قوانين محاربة الإرهاب قصد ممارسة القمع وفرض الأحكام الاستثنائية من طرف بعض الحكام والحكومات الديكتاتورية التي تهدف من ورائها إلى الحفاظ على سلطتها. بل يصل الأمر بالبعض إلى الانقلاب على رئيسه بدعوى الإرهاب كما هو حال _السيسي_ في مصر والذي اتهم رئيسه محمد مرسي بالإرهاب ليبرر انقلابه الدموي ولا بأس من إدراج تنظيم الإخوان المسلمين في لائحة المنظمات الإرهابية لتأكيد التهمة. مصير العالم بأيدي الإرهابيين إن أكبر إرهابي في العالم هو مجلس الأمن الدولي. فبأي حق يمكن لخمس دول أن تتحكم في مصير العالم ب(حق النقض)؟ ثم بعد ذلك تتبجح هذه الدول بمحاربة الإرهاب. لماذا لم نسمع يوما عاقلا أو أحمقا يقول بأن البرتغال أو النمسا أو اليابان أو السويد أو فنلندا مثلا دول إرهابية؟ إن أكبر إرهابي في العالم هو مجلس الأمن الدولي. فبأي حق يمكن لخمس دول أن تتحكم في مصير العالم ب(حق النقض)؟ ثم بعد ذلك تتبجح هذه الدول بمحاربة الإرهاب. لماذا لم نسمع يوما عاقلا أو أحمقا يقول بأن البرتغال أو النمسا أو اليابان أو السويد أو فنلندا مثلا دول إرهابية؟ ولماذا بالمصادفة، تعد الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وفرنسا وانجلترا من أكثر الدول المُتَّهِمَة بالإرهاب؟ أليس للأمر علاقة بورقة الضغط التي تملكها داخل مجلس الأمن؟ إنه لمن المستحيل تحديد من هو الإرهابي الحقيقي في عالم يتميز بالانتقائية في إطلاق صفة الإرهاب والإرهابي على كل من يخالفنا الرأي و التفكير والقناعات السياسية والدينية والثقافية بل وحتى العرقية. ومن العار أن نجد من المثقفين من يدافع عن الإرهاب الصهيوني بدعوى الحق في الدفاع عن النفس. وبالمقابل يصف الفلسطينيين بالإرهاب؟ إن من يقرأ مأساة الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال الإنجليزي لا يمكنه إلا أن يتضامن مع شعب شاءت الأقدار أن يكون مركزا لوهم قديم سمي (هيكل سليمان) أو لمقولة استعمارية تدعي الحق (لشعب دون وطن في وطن دون شعب). وإذا لم نكن نقرأ ونسمع الأخبار بحس نقدي سليم، فلن نلبث أن نكون ضحايا للقصف الإعلامي المستمر لعقولنا؛ التي كالهواء لا تقبل الفراغ.