انضمام منظمة "كوديسا" الصحراوية إلى المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب    مديرية الاتصال بالرئاسة تُدين..    الرئيس يستقبل سفير بريطانيا    مناخ الأعمال الجزائري بات يتمتّع بجاذبية    المصادقة على حصيلة سوناطراك    عُمان ضيف شرف الطبعة ال56    الحبس والغرامات لمتّهمين بالغش و التسريب    إيران تطلق موجة جديدة من الرد الإيراني على العدوان الصهيوني    الأمم المتحدة تحذر من تأثير الذكاء الاصطناعي على تزايد خطاب الكراهية عالميا    رُعب في قلب تل أبيب    زوالها مسألة وقت... واسألوا نتنياهو    الخضر يتوّجون    نسعى إلى الارتقاء بمستوى الخدمات    خطّة عمل لتوفير أفضل ظروف الاصطياف    توقيف سائق شاحنة قام بمناورات خطيرة    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    مرّاد يستقبل المخرج السعيد عولمي    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    رهان على الرقمنة لتتبُّع المفقودين    البليدة : إجهاض عملية هجرة غير شرعية عبر البحر    صدور المرسوم التنفيذي المتضمن إدماج الأستاذة المتعاقدين    فلسطين : 50 شهيدا في قصف صهيوني بخان يونس    موجة حر وأمطار رعدية    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    الاستفادة من التظاهرة للترويج للمنتج الوطني    تسخير البحث العلمي لتحقيق الأمن الغذائي وترشيد النّفقات    خطّة ب3 محاور لتفعيل المجمّعات الصناعية العمومية الكبرى    لا حلول لأزمة الشرق الأوسط إلا بالدبلوماسية والتزام حسن الجوار    إطلاق 40 تخصّصا جديدا في تكنولوجيا المعلومات    الرابطة الاولى "موبيليس": شباب بلوزداد يفتك الوصافة من شبيبة القبائل, و الصراع متواصل على البقاء بين ترجي مستغانم و نجم مقرة    تنظيم دخول اجتماعي موحد وإعداد منصة لتسيير المؤسسات الشبانية    تخرّج الدفعة 38 للضباط وطلبة التخصّصات الطبية    حين تتحوّل المنمنمات إلى مرآة للروح القسنطينية    "فترة من الزمن"....عن الصمود والأمل    التعاون السعودي يسعى إلى التعاقد مع نور الدين زكري    دعوة لمرافقة الشباب نفسيا في زمن التحولات    مدرب نادي ليل الفرنسي يصر على بقاء نبيل بن طالب    نادي "سوسطارة" يعود إلى سكة الانتصارات    تجديد وحدة حقن الدم بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا    السيد سايحي يشرف على تنصيب اللجنة الوطنية لأخلاقيات الصحة    محروقات: نجاح المناقصة الدولية "ألجيريا بيد راوند 2024" يؤكد جاذبية مناخ الأعمال الجزائري    المنتخب الجزائري لألعاب القوى لذوي الهمم يحرز 11 ميدالية في الجائزة الكبرى الدولية بتونس    حوادث المرور : وفاة 50 شخصا وإصابة 1836 آخرين خلال أسبوع    معرض " ورثة النور" : بللو يثمّن إبداع فناني الزخرفة والمنمنمات    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي السبت المقبل    الفاف تحدّد شروط الصعود والنزول    مرتبة ثانية لسجاتي    إطلاق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية    وزارة التضامن الوطني تنظم احتفالية بحديقة الحامة    احياء التظاهرات المرتبطة بالثورة التحريرية المجيدة    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    على الكاتب المساهمة في بناء الوطن    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    "واللَّه يعصمك من الناس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يزرع الطائفية يحصد الخراب
نشر في أخبار اليوم يوم 23 - 06 - 2015


بقلم: نصيف الجبوري
منذ عام 2003 والعراق يتصدر الدول التي نخرتها ملفات الفساد والإفساد والرشوة والمحسوبية والمنسوبية والفئوية والطائفية والعرقية والمناطقية باختصار فوضى عارمة ليس لها مثيل في العالم أجمع. لذلك فليس بغريب أن يكون هذا البلد السباق في سرعة الانحدار إلى الهاوية التي قد تصل إلى الانتحار. أن المشكلة العمرانية والمادية يمكن أن تجد لها حلا لو ظل النسيج الاجتماعي العراقي بمعزل عن تلك الأحداث. فقد تهدمت ألمانيا واليابان وأجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي إبان الحرب العالمية الثانية لكن إرادة حكوماتها وشعوبها مكنتها من إعادة البناء بظرف سنوات قصار.
الجريمة الكبرى للطغمة الحاكمة في بغداد تكمن في التمزق الطائفي. فقد ترسخت أقدامه بمرور الأيام والأشهر والسنين في جميع مجالات الحياة ليصبح دينا يتعبد به، وأضحت الهوية الطائفية الوسيلة الأهم والأعظم لتسيير شؤون البلاد والعباد. أن العقلاء والمخلصين لهذا الوطن سبق أن أدركوا بأن مؤامرة تقسيم العراق بدأت مع عراق المكونات شيعة سنة أكراد. علما بأن مثل هذا التقسيم لا يستند حتى على تقسيم طائفي منطقي متوازن أو تقسيم عرقي منطقي متوازن إنما استند إلى مزيج من تقسيم طائفي عرقي منتقى ومبرمج بصورة غير أخلاقية يهدف لظلم فصيل محدد اضطررنا تسميته وفق تصنيفهم وهم السنة العرب، أن أذناب الاحتلال لم يرق لهم التقسيم الطائفي المجرد شيعة سنة لأن عدد السنة العراقيين من جميع القوميات لن يسمح لهم الاستئثار بالسلطة. مثلما لم يسمح لهم التقسيم القومي عرب أكراد ذلك أيضا. إذن المصالح الآنية الأنانية المشتركة بين المحتل الأمريكي الذي يهدف مشروعه إلى تدمير بلدان العرب والمسلمين وبين القادة الأكراد الذين يخططون لتأسيس دولتهم القومية المنشودة وبين قادة شيعة المنافي الذين يبحثون عن الجاه والثروة والسلطان.
علمتنا التجارب الإنسانية بأن بناء الأوطان ونجاح المشاريع الاجتماعية الكبرى لا يتم إلا من خلال التسامح والإخلاص والمهنية والاستفادة من الكفاءات العلمية. ففي عشية الحرب العالمية الثانية في 25 مارس 1957 عقدت في روما ما أطلق عليه آنذاك الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ التي كانت بداية لتأسيس السوق الأوروبية المشتركة. جاء فريق فني أوروبي إلى الرئيس الفرنسي شارل ديغول سائلا إياه هل يمكن أن تدخل ألمانيا التي أعلنت الحرب في هذه المؤسسة المقترحة. هنا وفي مثل هذه الظروف تظهر أهمية القائد المتسامح الذي لا يرى إلا مصالح شعبه وشعوب قارته. فقال لهم لا يمكن بناء أوروبا دون ألمانيا رغم أن الدماء الغزيرة بين البلدين لم تزل رطبة. لقد رأينا فيما بعد أيضا التسامح والمهنية لدى الغرب والذي لا يولي أي اهتمام للطائفية والعرقية مما سمح لساركوزي الهنغاري الأصل أن يصبح رئيسا لفرنسا وليونيل جوسبان من الأقلية البروتستانتية أن ينتخب رئيسا لوزراء فرنسا هو الآخر. كذلك الأمر بالنسبة إلى جون كندي الذي أصبح من أكثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية شعبية رغم أنه من الأقلية الكاثوليكية أو أن يتبوأ أوباما ذو الأصول الإفريقية نفس المنصب.
ثمن باهظ..
دفع الشعب العراقي ثمنا باهظا من الفقر والانقسام والتطرف والظلم الطائفي والقتل والاختطافات والدمار المادي والحروب العبثية والفساد نتيجة فرض تجربة إعادة العراق إلى ما قبل الحداثة. لقد سبق الإعلام الطائفي كذب ودجل ونفاق غوبلس وزير إعلام هتلر. ظل ذلك الإعلام يستخدم مصطلحات جميلة تنتمي إلى عصرنا كالديمقراطية والحرية والعدالة والقانون والأغلبية والأكثرية والأحزاب السياسية وما إلى ذلك لكن الواقع الحقيقي مغاير تماما على الأرض للشعارات الرنانة. فنرى شعار النظافة مرفوع عاليا في العاصمة العراقية لكن ذلك لم يمنع أن تكون بغداد أوسخ عاصمة عربية مثلا. أو نسمع ونرى ترويج مصطلح النزاهة وخطوطها التلفونية الساخنة لإقامة شكاوى ضد هذا الموظف في كل الدوائر الحكومية وغير الحكومية ومع كل ذاك فالرشوة والفساد وشراء المناصب العليا في تصاعد وتقنين
أصبحت أمرا واقعا لا مفر منه.
لكن الأسوأ من كل هذا وذاك كما أسلفنا يكمن في تطبيقات التجربة الطائفية العرقية نفسها. فلأول مرة في التاريخ الإنساني نسمع بأن الأغلبية والأقلية السياسية لا تعتمد على أحزاب سياسية إنما على تشتيت شعب متعايش منذ أكثر من ألف عام. ففي مفهوم حلفاء الاحتلال طالما أن عدد الشيعة وفق التقسيمات التي رسموها هم الأكثرية العددية إذن ومن دون استئذان عموم معتنقي هذا المذهب فرضت بعض الأحزاب الدينية نفسها كممثلة سياسية لعموم الطائفة والأنكى من ذلك حذا الحزب الإسلامي السني حذوهم. إنها سابقة لم يسبقنا أحد في العالمين من الأولين والآخرين. هذه البدعة المستهجنة حرمت الكثير من الشرائح العراقية الأخرى المساهمة في بناء العراق. فالشعب العراقي لا يتكون من شيعة وسنة وأكراد فقط إنما هناك مكونات أساسية وأصيلة أخرى كالتركمان والمسيحيين والصابئة والأزيديين. نعم فبعد أن أهملوا مبدأ المواطنة لماذا إذن يحق تأسيس البيتين الشيعي والكردي ولا يحق للآخرين بناء بيوتهم. إن خلق هذه اللعبة الظالمة الجائرة ضد السنة العرب تفسر وكأنها عقاب جماعي لهم أو غنيمة حرب سمحت أمريكا باستباحتها للطرفين المتحالفين معها عقابا على مقاومتهم احتلالها غير الشرعي. أخيرا وبالنتيجة لن يتمكن هذا البلد أن يعود إلى سابق عهده وينجو من الحروب والتشرذم والفساد ما لم تسقط هذا المعادلة غير المتعادلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.