أفتى القائد الروحي للحزب الإسلامي الماليزي، داتوكنيك عبد العزيز نيكمات، بجواز لعب التمارين الرياضية "الأيروبك" في المساجد وأفنيتها، وممارسة أي أنشطة أخرى بخلاف العبادات المعروفة، مذكرًا في ذلك بدور المسجد في الإسلام، الذي جعل منه الركيزة في بناء الأجيال التي صنعت الحضارة الإسلامية في ميادين العبادة والعلوم والفنون والترويح على السواء. واعتبر داتوكنيك عبد العزيز أن هذا ينطبق على المسلمين وغير المسلمين على السواء، شرط أن يلتزم من يؤدي النشاط بالمعايير الإسلامية في الملبس والسلوك، وفق ما نقلته صحف ماليزية عدة عن وكالة أنباء "بيرناما" الماليزية هذا الأسبوع. وبرر رأيه بأنه "في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان للمسجد أدوار متعددة بخلاف أداء الصلوات وقراءة القرآن الكريم، فمثلاً كان له دور سياسي؛ حيث كان يتم فيه استقبال الوفود والسفراء الأجانب غير المسلمين، والتباحث معهم في شؤون غير دينية". وكان عبد العزيز، الذي يحكم ولاية كلينتان، يعلق بهذا الرأي على موجة غضب ظهرت في وسائل إعلامية من قيام نائبة البرلمان عن مدينة سيردانج بولاية كلينتان، تيو نيا تشانج، بأداء تمارين رياضية في فناء مسجد تامان تشيراس جايا في ملابس ضيقة خلال الاحتفال بافتتاح المسجد؛ حيث اعتبر الغاضبون هذا التصرف ينم عن "عدم احترام للمسجد". وفي هذا قال داتوكنيك عبد العزيز: "إن السؤال هنا يكون عن هل النائبة مارست التمارين الرياضية في ملابس مناسبة تحترم قدسية المكان أم لا؟". كما لفت إلى أنه سواء فيما يتعلق بممارسة المسلمين أي نشاط في المسجد، أو دخول غير المسلمين له "يلزم فقط أن ننبههم إلى المحرمات من سلوكيات تسيء لقدسية المكان". والحزب الإسلامي في ماليزيا، أقوى منظمة إسلامية هناك، له دور فاعل على الساحة السياسية والدينية والاجتماعية، فقد شارك في الحكومة المركزية لفترة في السبعينيات، وحاليا هو يحكم عدة ولايات في ماليزيا منها "قدح دار الأمان"، و"ترنجانو دار الإيمان"، و"كلينتان دار النعيم" التي يحكمها الحزب من 36 عاما، ويحكمها الشيخ عبد العزيز للمرة الخامسة. "أحيوه" وتعيد تصريحات داتوكنيك عبد العزيز التذكير بدعوات الكثير من العلماء المعاصرين إلى إحياء دور المسجد في تنمية المجتمع، وإخراجه من الدور التقليدي الذي انحبس فيه طوال عقود، خاصة منذ وقوع معظم الدول الإسلامية في أيدي الاحتلال. ومن هؤلاء الشيخ الدكتور عبد الله قاسم الوشلي، الرئيس السابق لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء، الذي قال إن المساجد في عصور الإسلام الأولى "كانت ساحة نشاط في جميع المجالات؛ فكان مكان عبادة، ومقر قيادة وإدارة وسياسة، ومجلساً للشورى بين المسلمين، ومؤسسة للرعاية الاجتماعية، ومنه كانت تخرج كتائب الجهاد، ويوم كان المسلمون يعرفون للمسجد هذه المكانة كانوا بحق خير أمة أخرجت للناس، فكانوا ساسة وقادة وأساتذة ورواد حضارة ومنارات هدى لجميع العالمين". ولأثرها الواضح في تأسيس الأجيال الحضارية الأولى من المسلمين- يواصل الوشلي- فقد حاك أعداء الإسلام عليها المؤامرات لتفريغها من أدوارها التنموية والحضارية، وحبسوها في غرض العبادة والوعظ، معتبراً أن إحياء رسالة المسجد هو "واجب على الأمة الإسلامية قاطبة". "ابتدعوا" وفي إطار الدعوة لإحياء دور المساجد دعا الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى استحداث علوم جديدة وتدريسها في المساجد، وعدم الاقتصار على تدريس العلوم الشرعية، وكذلك تقديم مبادرات تربط المسجد بالحياة ومشاكلها وأحداثها اليومية. واستشهد القرضاوي على شرعية ذلك بأن تدريس العلوم الشرعية نفسها مثل علوم الفقه والنحو والبلاغة، لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما كان مبادرة من الصحابة فرضتها الحاجة، وقبلها العلماء آنذاك؛ لأنها لم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هي لخدمتها وتدور حول محورها. ومن المبادرات التي تحققت في هذا الاتجاه قيام بعض المساجد في أنحاء العالم الإسلامي بتدريس ما بات يعرف ب"التنمية البشرية" في المساجد، وهي دروس تستهدف رفع كفاءة ومهارات الفرد في استكشاف قدراته واستثمارها، والتواصل الإيجابي مع الناس ومع مشاكل الحياة، كما تقدم بعض المساجد دروسا لتعليم اللغات والحاسب الآلي ودورات في التربية السليمة للأبناء. وتسعى بعض المساجد أيضا لتفعيل دورها في التخفيف من ضغوط الحياة اليومية على كاهل الناس بتقديم خدمة تيسير الزواج، وخدمة تقديم دروس تقوية للطلاب غير القادرين على نفقات الدروس الخصوصية، وخدمة العلاج الميسر. كما لم يغفل العلماء الحث على إحياء الدور الترويحي للمساجد لجذب الناس، وبخاصة الأطفال والشباب إليها، ويستشهد القرضاوي على جواز ذلك بأن المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلعب فيه الأحباش بحرابهم، ويؤدون رقصاتهم المعروفة في يوم من أيام الأعياد، والرسول يشجعهم، ويساعد زوجه عائشة رضي الله عنها حتى تنظر إليهم.