مراصد إعداد: جمال بوزيان قراءات في المبنى والمعنى.. أدوات النقّاد ترصد كتابات أهل القلم تَرصُدُ أخبار اليوم جانبا من كتابات أهل القلم وقراءات النقاد لها بأكثر من أداة وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وللمبدعين والقراءات عموما هي إظهار ما خفي من الجَمال اللفظي والمعنوي في التعابير شعرا ونثرا لفتح شهية القراء وليس لفرض أي تفسير أو تأويل من النقاد على زملائهم النقاد أو الكُتاب أو القراء. ///// في قصة العاقر للأديب اللبناني ميخائيل نعيمة قراءة بقلم الناقد الجزائري أ.سيد علي رأس العين العاقر قصة قصيرة كتبها الأديب المهجري المعروف ميخائيل نعيمة سنة 1912 م وهي من ضمن ست قصص قصيرة جميلة وهادفة ضمها كتاب كان ما كان الذي صدر سنة 1937 م في بيروت على التوالي: (ساعة الكوكو / الذخيرة/ شورتي / العاقر / سعادة البيك/ سنتها الجديدة). و العاقر إحدى هذه المجموعة السردية الرائعة نظرا لما تحمله من قيم خلقية وإنسانية وتربوية صاغها نعيمة باحترافية سردية متمكنة وتحليل بسيكولوجي دقيق للشخصيات على غرار ما نلمسه في كتابات الأدباء الروس. الشخصيتان الرئيستان والمحوريتان هما جميلة وزوجها عزيز يصور نعيمة بدقة إلى حد المبالغة اقتران هذين الزوجين عن حب متبادل إلى درجة المثالية وهذا ما يؤخذ على نعيمة في نظري لأن التطور الدراماتيكي لأحداث القصة ينسف هذا الحب بصورة غير عقلانية تتبلور الحبكة في صورة تصاعدية سريعة. ينقل إلينا نعيمة وضع المرأة الشرقية عموما في بداية حياتها واهتمام زوجها وأهله بها وتدليلها إلى حد الإفراط والمبالغة في رسم هذه المشهديات لكن مع الوقت تتأزم العقدة وتتفاعل الشخوص الثانوية وهما والدا عزيز في تطوير هذا الصراع بالتساؤل حول تأخر جميلة في الإنجاب فتبدأ الحماة في ممارسة الضغط النفسي على جميلة إلى درجة العنف الرمزي واللفظي وربما المادي (الجسدي) فتوعز إليها أن تذهب بها إلى الديور والكنائس والأطباء والمشعوذين لكن دون جدوى ويستمر الضغط بأنواعه كافة على جميلة ضغط مباشر من زوجها وعائلته وضغط غير مباشر من المجتمع الشرقي الذكوري ونظرته السلبية الى المرأة العاقر. هذا المجتمع الذي يتهم المرأة في كل الأحوال ويبرّئ الرجل حتى لو كان خاطئا والعقم صفة لصيقة بالمرأة الشرقية عموما حتى لو كان الرجل هو العقيم فغالبا ما يشار للمرأة بأنها هي العاقر لا الرجل دون معرفة الأسباب وهذا من أشد الظلم الذي يقع على المرأة الشرقية وحتى في مسائل الطلاق والخلع حاليا فالعقلية هي نفسها فغالبا ما تتهم المرأة بأن العيوب في المرأة لا الرجل هذا السلوك للأسف ما يزال متوارثا إلى اليوم حتى أصبحت المرأة مُدانة في كل الأحوال. وتبقى جميلة على تلك الحال من الضغط والصراع النفسي والحديث الداخلي الذي تغذيه الوساوس والهواجس الناجمة عن ضغوطات أسرية ومجتمعية إلى أن تسوّل لها نفسها فكرة شيطانية فتخون زوجها مكرهة فتحمل سفاحا من رجل آخر حتى ترضي زوجها وعائلته والمجتمع الشرقي ككل. إذن فحملها دلالة على أنها ليست عاقرا بل إن زوجها هو العاقر لكن جميلة فيما بعد تندم ولا تستطيع أن تعيش هذه الخيانة فيا ليتها ماتت قبل هذا وكانت نسيا منسيا فهي امرأة شريفة ومستقيمة ولم تتحمل ما أقدمت عليه فقررت أن تضع حدا لحياتها فماتت منتحرة بعد أن تركت لزوجها عزيز رسالة مؤثرة تشرح له فيها أسباب إقدامها على ارتكاب الخطايا من حمل غير شرعي والانتحار (أنا الآن أحمل في أحشائي روحا صغيرة وجسما صغيرا هو الجنين الذي أعاد الابتسامة لوجهك والنور لعينيك لكنه ليس من لحمك ودمك ضحيت عزة نفسي وطهارة جسمي لأحصل عليه إرضاءً لخاطرك لكنني أدركت الآن أن ما فعلته ذنب لا يغتفر أنا لا أريد أن أشتري حبك بالخداع والزنا لكني لما زنيت زنيت لأجلك فقط يكفيك أن تعرف انه ليس ابنك فربما يسرّك حينئذ أن أموت وأميته معي ألا فاعلم يا عزيز أن العاقر أنت لا أنا!). من جانب آخر أرى أن تعرّج القصة وانكسار مسارها السردي على هذا النحو يجعل عقدتها متهافتة بعض الشيء فالانتحار لم يكن ملائما للحل المرتجى لهذه القصة الميلودرامية وكأن نعيمة أراد أن يبتسر نهاية القصة وإيصال الفكرة أو الرسالة التي أراد تبليغها ولو على حساب البناء الدرامي الطبيعي للقصة بالإضافة للنهاية التي ارتجاها نعيمة والتي تجعل من بطلة القصة شخصية متناقضة ومضطربة فكيف تتحول امرأة محبة مخلصة لزوجها وشريفة من هذه الاستقامة إلى الوضاعة والانحطاط بسبب ضغط مجتمعي؟ فالحرة تجوع ولا تأكل من ثدييها كما يقال. كذلك يعتري القصة بعض التهلهل في نسيجها السردي فما صوّره نعيمة من حب مثالي لم يصمد أمام أول مشكلة واجهته وهي العقم فلو كان الحب حقيقيا مبنيا على الصدق والاستقامة والوفاء ما نبذ عزيز جميلة لمجرد عقمها المفترض وما لجأت جميلة إلى خيانة زوجها والانتحار بعد ذلك لذلك كان في القصة شيء من المبالغة في تصوير المشاعر النفسية والباطنية ورسم الشخصيات ولم تكن غاية نعيمة في نظري المبالغة وإنما أراد تقديس الرابط الذي يجمع بين الرجل والمرأة وأن هذا الميثاق الغليظ لا يمكن أن يتزعزع مهما جُوبِه بالمثبّطات والعراقيل. استطاع نعيمة ختاما أن يرسم سيكولوجية المجتمع الذكوري المستبد بدقة إلى حد الغلو أحيانا في قصته الاجتماعية هذه وما نراه من تناقض أحيانا في رسم الشخصيات أو وصف الأشياء هو سمة غالبة في أدباء المهجر عموما وليس يتعلق الأمر بميخائيل نعيمة وحده وذلك راجع إلى عوامل نفسية مثل الغربة والحنين والبعد عن الأوطان لذلك غالبا ما اتسمت كتاباتهم بالتناقض في المشاعر وتبدلها بين الإشفاق والرأفة إلى النقمة والتذمر والاستياء أحيانا أخرى كما استطاع بأسلوبه الرشيق أن يجعل القارئ متعاطفا مع جميلة رغم ارتكابها الفاحشة وانتحارها وغاية نعيمة أن ينصف جميلة كامرأة منبوذة ومقهورة في مجتمع شرقي ظالم حتى لو لم يخلُ أسلوب نعيمة من مبالغة في شيطنة هذا المجتمع إلى حد الشر المطلق كما يسمى ومع ذلك نجح في التأثير في جمهور المتلقي حتى لو أراد أن يجعل للفاحشة والانتحار بعض المسوغات المبالغ فيها ومع ذلك نستخلص أن الضغوطات التي يمارسها المجتمع على الأفراد قد تقودهم إلى ما لا يحمد عقباه. أما اللغة التي سبكت بها القصة فهي متينة ممزوجة ببعض العبارات العامية اللبنانية أحيانا لإضفاء شيء من الواقعية والمصداقية والإنسانية على أحداث القصة لذلك يبدو الأدب المهجري إنسانيا في أغلبه. ///// في النص النثري أيتها المدينة النائمة داخلي للكاتبة الجزائرية صباح حمور رؤية نقدية بقلم الناقد المصري أ.عادل عبد الله تهامي السيد علي النص: أيتها المدينة النائمة داخلي للكاتبة صباح حمور أيتها المدينة النائمة داخلي..! شوارعك المتعبة من ضجيج العابرين نهارًا تستسلم لغفوة لياليها الباردة أغصان أشجارك الندية ترتجف بين أضلعي نعيق بومتك التعسة يغرس حزن العالم في دمي.. آه أيها الوطن السجين..! مهزوز قلبي كقشة تشهد ميلاد خريفك الحزين.. القراءة: الرأي: رأيته عنوانا رغم وجوده داخل نسيج النص تركيبة الجملة جذبتني: أيتها المدينة النائمة داخلي أداة النداء المدينة بسكانها النائمة داخلي دمج الجمع داخل المفرد يشي بتكامل المشاعر. النائمة: كطفل صغير ينام في هدوء والمكان معنوي. احتواء جمع (المدينة مثل طفل صغير) تم وضعه داخل فرد هو في الأصل مفرد مشتق من ذات الجمع). وصف المدينة: شوارع متعبة تستسلم لغفوة لياليها الباردة أغصان أشجارها ترتجف بين أضلعي نعيق بومتك التعسة حزن العالم الوطن السجين . مفردات لافتة نقف أمام كل كلمة وننشغل بالمعنى فكيف تكون الشوارع متعبة؟! جماد لا يشعر ولكنه هنا يشعر ولديه ما يتعبه مثلنا. وهذه الشوارع نفسها يبلغ بها التعب الحد الذي يجعلها تشعر برغبة في النوم هو ليس نوما طبيعيا ولكنه نوما بتأثير التعب هنا نلاحظ درجة من التكثيف. لحالة تدعو للشفقة! شوارع وبها أشجار والأشجار بطبيعتها تمنح للشارع الجمال ولكنها هنا في حال من الحزن فاغصانها ترتجف ولكن إضافة بين أضلعي جعلت هناك تكامل بينه وبين تلك الأشجار هو وجع بداخله يراه على كل شيء يشاهده. البوم طائر ليلي يصدر أصواتا غير محببة ونرمز به لشيء من التشاؤم بقادم الأيام يعبر عن الحزن الذي بلغ مداه. الوطن سجين ما الوطن لكي يكون سجينا ومن يستطيع سجنه؟! من السجان الذي استطاع سجن وطن بما فيه من شوارع وبيوت وناس من أين له تلك القوة ليسجن وطنا. ستنتابنا جملة من الأسئلة: من السجان؟! وكيف يستطيع فرد أو عدد قليل من الأفراد سجن وطن يضم ملايين؟! لماذا تصبح الأوطان حزينة؟! ولماذا ينعق البوم في دروبها؟!.. جمل النهاية تعطي انطباعا بالهزيمة: هو مجرد قشة ضعيفة واهنة لا يستطيع التصدي لسجان الوطن ولا يملك القدرة على التغيير هو فقط يراقب في صمت مولد خريف الوطن . تعقيب: وضعت الكاتبة كل مواطن (وفي) في خانة من يمتعض ويتأفف ويحزن لحال الوطن ورغم ما يراه من سلبيات يقف مكتوف الأيدي يشاهد فقط ؟! وجمعت الكاتبة أوجاع الوطن في عبارة: الوطن سجين وعبارة ميلاد خريف الوطن . ما دورنا حين نجد وطننا يسلب منا؟ ومارد فعلنا أمام سارقي الوطن؟ وهل نشعر بوخزة الضمير لأننا لا نفعل شيئا والوطن في حالة من المرض الذي لا يرجى شفاؤه؟ ولماذا لا نقدم الدواء حتى من باب النصيحة؟ ولماذا نؤثر المشاهدة على رد الفعل؟!. ///// حول وإن أخلصت للكاتبة الجزائرية سلوى أحمد رؤية نقدية بقلم الناقد الأردني أ.أيمن دراوشة النص: (إن أخلصت!) للكاتبة سلوى أحمد إذا أحببت أخلصت وإذا أخلصت بقيت وإن فنيت *فهاك قلبي* يا وطنا يحفظ خطاي يا أسرة يرعاها بيت بناه الأمان يا عملا صرفت سنوات العمر في خدمته يا صديقة تقاسمني مواعيد الليل والنهار يا إنسانية جذّها غدر الإنسان يا خيبة وضعتها في محفظة الزمان ويا أمنية ما تزال ترقب ساعة الفرح. القراءة: (إن أخلصت!) للكاتبة سلوى أحمد نص مليء بالعواطف والتعابير الوجدانية العميقة ويظهر حساسية كبيرة تجاه التجارب الشخصية والعلاقات الإنسانية. سمات النص الجمالية: التماسك الداخلي: النص يبدأ بإيقاع شعري جميل وهناك تنوع في الموضوعات التي يتناولها. الصور الشعرية: النص يحتوي على العديد من الصور الشعرية الجميلة مثل يا وطنا يحفظ خطاي و يا أمنية ما تزال ترقب ساعة الفرح . هذه الصور تضيف للنص عمقا وجمالا ولكن يمكن زيادة عددها لتكون النصوص أكثر إثارة للاهتمام. التكرار: استخدام كلمة يا بشكل متكرر يضيف نغمة موسيقية للنص وجعله أكثر حيوية. التوازن بين العاطفة والواقعية: النص يميل بشكل كبير نحو العاطفة مما يضفي عليه رونقًا خاصا. الخاتمة: الخاتمة تبدو ملائمة حيث تنتهي بجملة تحمل أملا وتطلعًا نحو المستقبل وهي طريقة جيدة لترك أثر إيجابي لدى القارئ. بشكل عام النص يمتلك طابعًا شعريًا جميلًا ومليئًا بالعواطف.