أوضح الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ليست جديدة، بل هي موجودة، منذ أن نزل عليه الوحي، سواء في مكة أو المدينة، تارة بالنثر وأخرى بالشعر، إضافة إلى ما حكاه الله تعالى من اتهام قريش له بالشعر والكهانة والكذب والادّعاء والسحر حسب زعمهم للتلبيس وخداع البسطاء، مشيرًا إلى أن آحادهم وأفرادهم نالوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا فيه ما قالوا، حتى لما انتقل إلى المدينة. وأضاف خلال برنامج حول الإساءة للمقدسات ونصرة النبي أنه (حتى حينما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأصبح عنده قوة ومدينة تؤويه وأتباع من الأنصار والمهاجرين، نجد الذي قال له: (اعدل يا محمد)، والآخر الذي قال: (هذه قسمة ما أُريد بها وجهُ الله)، أمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل نجد صراحةً عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو سيد من سادات قومه، أظهر الإسلام وأصبح يكيد له حتى يقول في غزوة المريسيع (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، وكان يعني الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقصد بالأعز نفسه ومن معه). وأشار العودة إلى ما عاناه النبي كذلك من الإيذاء المادي كوضع سلا الجزور على ظهره -عليه الصلاة والسلام- ومحاولة اغتياله مرات قبل الهجرة وبعدها، ولذلك جاء قوله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)، فهذا مما ابتلى به النبي عليه الصلاة والسلام ورُزق الصبر عليه. ليست ضعفًا ولفت فضيلته، إلى أن أوقات الإيذاء التي تعرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن أوقات ضعف، بل هي قوة وعز، خاصة بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وآواه الأنصار، بدليل أنه لما جاءه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول وقال يا رسول الله سمعت أنك تريد أن تقتل أبي فإذا كان ولابد فأمرني آتيك برأسه، لأنه لم يكن أحدٌ أشدَّ براً بأبيه مني، فأخشى أن أرى قاتلَ أبي يمشي على وجه الأرض فأقتله، ولا أطيق أن أراه يمشي على وجه الأرض فأقتل مسلماً بكافر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل نُحسن صحبته ما دام فينا)، مشيرًا إلى أن العفو هنا فيه جانب سياسة شرعية، كما هو الأمر فيمن قال: (اعدل يا محمد)، وعفا عنه، صلى الله عليه وسلم. وأكد في الوقت ذاته إلى أن خيار الأخذ بالثأر والقتل كان متاحًا له، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، وكان كعب يتغزل بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه في نفسه وفي عرضه، وفي مقابل ذلك قصة غورث بن الحارث، الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائمٌ تحت شجرة فاخترط السيف وقال: من يمنعك مني يا محمد؟ فسقط السيف من يده، فأخذه النبي وقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد. قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا. ولكن أعاهدك ألاَّ أحاربك ولا أكون مع قوم يحاربونك. فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتركه دون أن يُسلم هذا الرجل). سياسة شرعية وبيّن د. العودة أن القصة هنا فيها جانب سياسة شرعية لأن النبي عليه الصلاة والسلام شجّع الصحابة على قتل كعب بن الأشرف، وأبي رويفع، بينما ترك غورث بن الحارث وأمثاله، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى هؤلاء باعتبارهم مراكز قوة، لأن كعباً كان يمتلك حصونًا وأتباعًا ولديه مشروع تدميري ضد الإسلام وخطة، وكذلك مجموعة من اليهود كأبي رويفع وسواهم، وهم مرتبطون أشبه ما يكون بعمل استخباري وعدائي وعسكري، زيادة -إن صح التعبير- على العمل الإعلامي المتمثل في سب النبي عليه الصلاة والسلام، مشيرا إلى أن (أولئك الأفراد الذين عفا عنهم هم أحد رجلين: إما رجل له وضعٌ فردي مثل غورث بن الحارث، وربما يكون العفو عنه سبب في إسلام جماعته، أو شخص قد يكون له بعض النفوذ مثل عبد الله بن أبيّ بن سلول، والذي قد يؤدي قتله إلى إحداث فتنة داخل المسلمين أو خارجهم، إضافة إلى مسألة الوفاء بالعقود والعهود والمواثيق). ترويج الإساءة وشدد العودة على ضرورة أن تكون هناك فتوى جماعية ومطلقة تحرِّم نشر مثل هذه الروابط المسيئة ومشاهدتها على الأنترنت، مشيرا إلى أن كثيرا من الإخوة الغيورين يعلنون المقاطعة، وفي الوقت ذاته، يقومون بترويج الإساءة من حيث لا يشعرون. وقال: (كم خُدع من الناس بمقولة أن دخول مليوني شخص على هذا الموقع يحجبه، مع أن القصة تتلخص في أن هذا الموقع يحاول جذب أكثر عدد من الزوار حتى يحصل على قدر أكبر من الإعلانات، وكذلك ما يتعلق بالمجلة التي نُشرت في فرنسا، حيث تحوّلت من مجلة مغمورة لا قيمة لها إلى مجلة شهيرة، لأن بعض المسلمين بدلاً من أن يقاطعوها قاموا بشراء أعدادها وإحراقها، بحيث قدموا دعماً مادياً لها بسبب نقص الوعي). غياب السلطة واعتبر الدكتور العودة أن غياب السلطة المركزية خلق حالة من الفوضى، مشيرا إلى أنه (في الماضي كما هو واضح في الجانب التاريخي كان الصحابة لما يهمُّون بشيء يقولون يا رسول الله دعني أفعل كذا، مثلما فعل عمر -رضي الله عنه- وكان صلى الله عليه وسلم يأمر وينهى، أما اليوم فالعالم الإسلامي متفكك، حتى داخل البلد الواحد، كما أن السلطة العلمية الآن لم تعد سلطة فاعلة ومؤثرة بشكل كبير، ولذلك تجد أحياناً أن أي شاب غير معروف يمكنه التعبير عن غضبه ليس فقط على صعيده الشخصي وإنما يعطي أوامر وتوجيهات للآخرين). وشدَّد في هذا الإطار على ضرورة الحاجة إلى التحدث بطريقة فقهية وشرعية منضبطة، وأن نُبرز بشكل قوي الضوابط والمعايير والشروط والمسؤوليات. مكانة النبي وأوضح العودة أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم جزء من أساسيات ومقتضيات الإيمان، فلا يصح إسلام العبد ولا إيمانه ولا نجاته في الدنيا والآخرة إلا بأن يؤمن بالله ورسوله، بحيث جعل الإيمان به شرطاً للإيمان بالله، ومحبته شرطاً لدخول الجنة، واتِّباعه صلى الله عليه وسلم شرطاً للنجاة يوم القيامة، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ولذلك كان دخول الإسلام بالشهادتين. وأوضح أنّ الشهادة لا تكتمل بمجرد النطق بها، وإنما يبدأ الإنسان في معارج الكمال، بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة ذكره والصلاة والسلام عليه واتِّباع سننه الظاهرة المتعلقة بسلوك العبد في صلاته وصيامه وحجه ونسكه وعبادته، أو في حياته، أو في علاقته بالآخرين من الأقربين والأبعدين، بالإضافة إلى السنة الباطنة المتعلقة أيضاً بأعمال وحسنات القلوب، التي هي أعظم من أعمال الجوارح. وأضاف (حتى غير المسلمين أدركوا هذه المعاني، ونطق العقلاء منهم بكرامة النبي عليه الصلاة والسلام)، داعيا إلى التذكير بمكانة الرسول الكريم بشكل مستديم بحيث يكون مادَّة لخطب الخطباء والمتحدثين والآباء مع أبنائهم، والدعاة مع مريديهم ومتابعيهم، والناس بعضهم مع بعض، دون أن يكون هناك سببٌ استثنائي يدعو إلى مثل هذا المعنى. * يبدأ الإنسان في معارج الكمال، بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة ذكره والصلاة والسلام عليه واتِّباع سننه الظاهرة المتعلقة بسلوك العبد في صلاته وصيامه وحجه ونسكه وعبادته، أو في حياته، أو في علاقته بالآخرين من الأقربين والأبعدين، بالإضافة إلى السنة الباطنة المتعلقة أيضاً بأعمال وحسنات القلوب، التي هي أعظم من أعمال الجوارح.