يطرح الاعتداء الإرهابي الذي استهدف قوات الحرس الوطني التونسي قرب الحدود مع الجزائر، علامات استفهام كبيرة حول احتمال عودة التهديدات الإرهابية في تونس إلى المستوى الذي كانت عليه سابقا، خاصة خلال سلسلة العمليات الإرهابية الدامية التي شهدتها البلاد في 2015، وعلاقة ذلك بالتهديدات الإرهابية التي تواجهها الجزائر من الناحية الشرقية مع المخاوف المتعلقة باحتمال تسلل عناصر إرهابية خطيرة إلى التراب الجزائري. عاد هاجس الاعتداءات الإرهابية مجددا إلى تونس مع العملية الإرهابية الدامية الأخيرة التي خلفت عدد من القتلى وسط الجيش التونسي، وقالت وكالة الأنباء التونسية، أن مجموعة إرهابية اغتالت أول أمس الأحد تسعة عناصر على الأقل من قوات الحرس الوطني التونسي في هجوم وقع قرب الطريق الرابط بين محمية الفائجة ومنطقة الصريا على مقربة من الحدود الجزائرية. وأضاف المصدر أن المسلحين استخدموا قنابل يدوية وأسلحة نارية، وقالت وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية إن الكمين نصبته مجموعة إرهابية قرب الطريق الرابط بين محمية الفائجة ومنطقة الصريا في غار الدماء لأعوان حرس كانوا في دورية على متن عربتين رباعيتي الدفع برمي قنبلة يدوية على السيارة الأمنية الأولى وحصول مواجهات بعد ذلك بالأسلحة النارية. وتعتبر حصيلة هذا الاعتداء الإرهابي الأعلى منذ ثلاث سنوات وشهدت تونس في السابق ثلاث هجمات كبرى في عام 2015. اثنان منها استهدفا سياحا في منتجع بمدينة سوسة ومتحف باردو وأسفر عن مقتل عشرات السياح الغربيين. وفي هجوم آخر وقع في نهاية 2015 قُتل 14 من الحرس الرئاسي عندما فجر مهاجم حافلتهم. وتوالت رسائل الإدانة من مختلف أرجاء العالم بعد هذا الاعتداء الإرهابي الذي فاجأ التونسيين بعد فترة من الهدوء النسبي الذي عاشته البلاد على مر الشهور الماضية، وأعربت الجزائر عن إدانتها الشديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذه إرهابيون، أول أمس الأحد، في محافظة جندوبة غرب تونس. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون، عبد العزيز بن علي شريف، إن "الجزائر تدين بشدة الاعتداء الإرهابي الذي استهدف الأحد دورية للحرس الوطني التونسي في منطقة عين سلطان بمحافظة جندوبة"، وأضاف: "ننحني بإجلال أمام تضحية الجنود التونسيين الذين سقطوا في سبيل أداء واجبهم خدمة لبلدهم، ونقدم تعازينا الخالصة لعائلاتهم ولحكومة تونس وشعبها الشقيق"، وأعرب البيان عن "تضامن الجزائر المطلق مع تونس، ونبقى على يقين أن الإرهاب الشنيع والأعمى لا يمكنه زعزعة عزم هذا البلد الشقيق وقادته وشعبه على مكافحة هذه الآفة والتغلب عليها". ولم يفاجئ هذا الاعتداء الإرهابي جل المتتبعين للملف الأمني، بحيث تشهد الحدود المشتركة بين البلدين حالة استنفار أمني وعسكري غير مسبوقة منذ بداية العام الحالي، كما رفعت الجزائر للمرة الأولى درجة التأهب الأمني والعسكري إلى درجاتها القصوى على الحدود مع جارتها الشرقية، بعدما قالت الجزائروتونس "إن أجهزتهما الأمنية رصدت تحركات ونشاطا مكثفا لإرهابيين تابعين لتنظيم القاعدة الإرهابي". علما أن تونس شهدت في السابق عمليات إرهابية كبيرة أخطرها محاولة فرع لتنظيم "داعش" قادم من ليبيا السيطرة على مدينة بن قردان واتخاذها نقطة انطلاق لاكتساح التراب التونسي كما حصل في بعض البلدان العربية على غرار العراق وسوريا، ومن بين العمليات الإرهابية الخطيرة التي ضربت تونس نتذكر التفجير الإرهابي الذي استهدف فندقا في سوسة السياحية، على الساحل الشرقي التونسي، خلف مقتل 39 سائحا، وهو ثاني أخطر اعتداء إرهابي شهدته تونس في سنة 2015، بعد الاعتداء الدامي الذي استهدف متحف "الباردو" في العاصمة تونس وخلف مقتل 18 سائحا أجنبيا. ويعتبر الاعتداء الإرهابي الأخير في تونس بمثابة ناقوس إنذار جدي للسلطات التونسية ولدول المنطقة وللعالم، فالإرهاب الذي وجد في ليبيا ارض خصبة للتكاثر والتغول، لن يتوقف عند هذا البلد، فكل المؤشرات تؤكد بأن ليبيا أصبحت تحتضن مشروع "دعشنة" منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، وإفشال هذا المخطط لن يتأتي من دون التنسيق الكامل بين دول المنطقة، خصوصا بين الجزائروتونس. علما أن العمل الكبير الذي تم على مدار السنوات الفارطة بين الجزائروتونس لمواجهة خطر الإرهاب، خصوصا بعدما اتخذت مجموعات متطرفة من جبل الشعانبي بمحافظة القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر كمعقل لها، أصبح مهددا وقد تذره رياح سياسة الرئيس التونسي الباجي القايد السبسي، بسبب إبرام تونس اتفاقا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية يقضي بمنحها صفة الحليف الاستراتيجي خارج منظمة الحل فالأطلسي"الناتو"، والحقيقة أن العلاقات بين الجزائروتونس، هي علاقات كانت دوما متميزة، والجزائر لا تريد قوات أمريكية على خطوات من حدودها، وهي مقتنعة تمام القناعة بأن البلد الذي يدخله المارينز لن يعرف الأمن والاستقرار ولن يهنأ بعيش طبيعي ومستقر، فالجيش الأمريكي لا يساعد على مكافحة الإرهاب بل يشكل سببا في تفاقم ظاهرة الإرهاب في العالم، وهذه حقيقة أصبحت معروفة لدى الجميع، ومن مصلحة الجزائر أيضا أن تحافظ على علاقات متميزة مع تونس، ومن مصلحة تونس أيضا أن تعمل من اجل استمرار هذه العلاقات الهامة مع الجزائر، فالجزائر التي أدانت بأشد العبارات المجزرة الأخيرة التي راح ضحيتها 9 من عناصر الحرس الوطني التونسي، عبرت من جانب أخر عن استعدادها الدائم لتقديم يد العون للتونسيين. للإشارة تحاول بعض الجهات في المغرب تحت رعاية استخبارات محمد السادس تقديم قراءات مغلوطة حول الاعتداء الإرهابي الأخير الذي استهدف تونس، وهذا من خلال الحديث عن احتمال التخطيط للعملية الإرهابية داخل الجزائر، بدعوى أن كتيبة عقبة بن نافع التي يرجح وقوفها وراء العملية الإرهابية، يوجد بها عناصر إرهابية من جنسية جزائرية، ويتعمد هذا النوع من "التحليل" المشبوه التشكيك في الجهة التي تقف وراء هذا الاهتداء، مع أن الأمن والاستخبارات التونسية تلقت منذ فترة معلومات من نظيرتها الجزائرية حول وجود مخطط إرهابي يستهدف تونس، وقدم الأمن الجزائري قائمة لعدد من العناصر الإرهابية الخطيرة في المنطقة والتي ينشط اغلبها بجبال الشعانبي غرب تونس، علما أن "داعش" ليبيا يشكل منذ سنوات مصدر الخطر الذي يهدد امن تونسوالجزائر والمنطقة برمتاها، ويوجد في ليبيا عدد كبير من العناصر المتطرفة التي تحمل الجنسية المغربية والتي يحوم الشكوك حول طريقة خروجها من التراب المغربي والتحاقها بمناطق الصراع ونشاط الإرهاب المختلفة.