إصلاحات كبرى في المناجم    6000 ناجح في مسابقة سوناطراك    عناية أكبر بذوي الاحتياجات الخاصة    عرض حول واقع الإعلام بالجزائر    قويدري يعرض الإستراتيجية الجديدة    الجزائر ملتزمة بالمساهمة في الجهود التكاملية على مستوى القارة الإفريقية ووكالات التنمية لتفعيل توصيات الآلية الإفريقية    وهران: المسؤولية التاريخية والأخلاقية للجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي لن تسقط بالتقادم    الصحراء الغربية: لا مفر من تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    حج: انطلاق أول رحلة من غرداية إلى البقاع المقدسة يوم 22 مايو    إطلاق منصة رقمية مخصصة للتراث الوطني المادي واللامادي    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    أشهر الله الحُرُمٌ مستهل الخير والبركات    علامات التوفيق من الله    حتى لا يتآكل مفعول الفظائع المصورة    الجزائر تترأس اللجنة الفنية للملكية الفكرية بجامعة الدول العربية: تتويج دبلوماسي وثقافي يعزز الحضور الإقليمي    شرفي تؤكد من معسكر بأن الجزائر تشهد "خطوات كبيرة" في مجال حماية الطفولة    البليدة: إقبال كبير للجمهور على تظاهرة أبواب مفتوحة حول الرياضة العسكرية    الجزائر تعرب عن "بالغ قلقها" إزاء الاشتباكات "المأساوية" بين الهند وباكستان    برمجة 22 رحلة إلى البقاع المقدسة انطلاقا من المطار الدولي لوهران    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات بشرق البلاد يومي الأربعاء الخميس    تصفيات شان-2025/الجزائر- غامبيا : "الخضر" على بعد 90 دقيقة من المرحلة النهائية    البطولة الجهوية لكرة القدم داخل القاعة لفئة الصم يومي الجمعة والسبت بالشلف    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 52653 شهيدا و118897 جريحا    الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى انتيغوا و بربودا    مؤتمر سيم كونيكت بمونتريال: طافر تعقد لقاء مع الخبير الجزائري كريم زغيب    سعداوي يشرف على انطلاق امتحانات إثبات المستوى ويؤكد التزام القطاع بالتحديث الرقمي والتربوي    السيطرة على حريق مهول بمركز تجاري في البليدة دون تسجيل خسائر بشرية    خلال محادثات مع "ماتيلاك" اللبنانية، عجال نشجع على توطين النشاط الصناعي بالجزائر وتوسيعه    بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من نظيره الباكستاني، عطاف " نسعى إلى الارتقاء بعلاقاتنا الثنائية إلى أسمى المراتب المتاحة "    تجسيدا لمذكرة التفاهم الموقعة بالجزائر تأسيس شركة جزائرية- عمانية لتقديم خدمات حقول النفط المتكاملة    سعداوي يعطي إشارة انطلاق امتحانات إثبات المستوى    على الحجاج شراء سندات الهدي من الجهات الرسمية    استقرار أسعار الخضر والفواكه بأسواق الجملة والتجزئة    20 مليار دولار خسائر الجزائر من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي    مكافحة الفساد مسؤولية جميع الهيئات    دعوة لتنظيم ورشات تكوينية دورية في المؤسسات    الجزائر تبهر تنظيميا وتبعث جيلا رياضيا واعدا    قمة تنافسية على اللقب بين بلوزداد والمولودية في أجواء "باردة"    دعوة لرص الصفوف لتكوين جبهة موحدة    تحذير من السباحة في السدود والبرك والمجمّعات المائية    صناديق توظيف جماعي لتمويل المشاريع قريبا    لا وجود لمقاتلين صحراويين في سوريا    وهران تنظم ثاني عملية إعادة إسكان بأرزيو    شراء سندات الهدي بالبقاع المقدّسة من الجهات المعتمدة فقط    رامي بن سبعيني ضمن تشكيلة الأسبوع    الكتابة الإبداعية فضاء أقلّ تقييدا    الإعلان عن تأسيس مهرجان للفيلم الوثائقي التاريخي    "لعوينات" تخلد ذكرى مجازر 08 ماي    ضرورة التصدي لمخططات الصهيونية الخبيثة    الذكاء الاصطناعي منافس افتراضي لعمل الصحفي    تفكيك شبكة إجرامية تروج المهلوسات    الجزائر تتوج ب53 ميدالية.. منها 18 ذهبية    تنصيب التشكيلة الجديدة للمجلس الوطني للفنون والآداب..بللو يدعو إلى توفير بيئة مستقرة ومحفّزة لتكوين ودعم الفنان    في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة : يوم دراسي حول أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لحماية التراث الثقافي    غويري يواصل تألقه    800 نقطة بيع للأضاحي المستوردة    قبس من نور النبوة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه الآخر للتسامح مع الحركى و"المتعاونين" مع الإستعمار
مع منصور رحال في كتابه "الثوار"
نشر في الفجر يوم 11 - 03 - 2014

نتناول في الحلقة الأخيرة (*) حول كتاب مجاهد سلاح الإشارة منصور رحال “الثوار”العملية التي نزل خلالها جيش الإحتلال بكلكله على قلعة أوراس المنيعة، وكان من أبطال التصدي في الفصل الأول النقيب الشهيد عبد المجيد عبد الصّمد قائد منطقة آرّيس، ومن أبطال الفصل الثاني الرائد الشهيد علي السويعي ا لنائب السياسي بمجلس الولاية.
كما نتناول مظاهر سباق السلطة والحكم التي تجلت بالأوراس من خلال تودد طرفي السباق الحكومة المؤقتة وهيئة الأركان العامة إلى العقيد الطاهر الزبيري، ومحاولة كل منهما كسبه إلى جانبه، نظرا لوزن الولاية المعنوي خاصة ونقف في الختام مع الكاتب المجاهد حول رهان التسامح مع الحركى والمتعاونين مع نظام الإحتلال وأسئلته الوجيهة حول المخاطر المحتملة التي يمكن أن تنجر عن ذلك، بعد فتح أبواب الجيش وهياكل الدولة الأخرى أمامهم على مصراعيها!

3 رواد في إعصار “أرياج”
بدأ الفصل الثاني من عملية “أرياج” بعمق الأوراس في 6 فبراير 1961، بنفس طريقة الفصل الأول (*) تقريبا: الإسراع بالتمركز في دشرة بني ملول التي تتوسط مسرح عمليات العدو، والإنطلاق منها في مختلف الإتجاهات، لمحاصرة ما أمكن من وحدات جيش التحرير الوطني ومحاولة إبادتها، وصادف هذا الإنزال البري الكثيف بقلب الأوراس، تجمع نحو كتيبة من الثوار، غير بعيد عن الدشرة في 9 من نفس الشهر.. وكان من بين عناصر الكتيبة قادة الولاية الرواد: الطاهر الزبيري، علي السويعي، مصطفى بالنوي.. اكتشف العدو هذا التجمع الهام فتحرك ليلا من القاعدة المذكورة مشيا على الأقدام، ليحتل أهم المواقع الإستراتيجية بدءا بالقمم المحيطة بالمكان، وفي فجر اليوم الموالي عندما حاول الثوار استطلاع الوضع، اكتشفوا أن العدو حكم حصارهم من جميع الجهات..
وهكذا بدأت الإشتباكات مع طلائع الإستطلاع ذاتها.
استمرت المواجهة غير المتكافئة عدة أيام، في شكل اشتباكات دورية متفرقة، بعد انقسام كتيبة الثوار المدعمة (نحو 140 ثائرا) إلى فصائل وأفواج..
وكان من شهداء الساعات الأولى الرائد علي السويعي المسؤول السياسي للولاية.. وقد أصيب بداية إصابة خطيرة، وأُسر في حالته تلك قبل الإجهاز عليه والتمثيل بجثته..
ووجد الرائد الزبيري قائد الولاية بالنيابة نفسه مع الممرض قويدر سالمي، بعد تفرق أو استشهاد عناصر الفوج المرافق له، وقد أصيب بجروح في أحد الإشتباكات، لكنه تمكن من النجاة بعد استماتة بطولية، والإنسحاب إلى ناحية إينوغيسن.. وكان الرائد بالنوي أوفر حظا، بفضل عدد من الأبطال ضمن فصيلته، أمثال أبراهم غوڤالي وعمار الكبير.. وقد نجح هذا الأخير بمبادرة استشهادية في فتح ثغرة بالحصار المستحكم، تمكن من التسلل عبرها 24 مجاهدا يتقدمهم الرائد بالنوي.
ومن تحديات جيش التحرير وسط لهيب الفصل الثاني من أرياج، يذكر الشاهد وصول فوج مدجج بالسلاح من تونس بقيادة المرشح الحبيب خطاف (من مستغانم)..
وبعد مرور هذا الإعصار الجهنمي، تجمع الناجون من لهيبه في غابة بني ملول المنيعة، حيث قام الرائد الزبيري ببعض الترقيات والتعيينات، كان من بين المستفيدين منها:
محمد الصالح يحياوي الذي عين على رأس المنطقة الثانية (آريس) برتبة نقيب، خلفا للشهيد البطل عبد المجيد عبد الصمد.
منصور رحال الذي عين أمينا عاما للولاية برتبة ملازم..
ونكتشف مع الشاهد أن أمانة مركز القيادة، كانت جهازا بأتم معنى الكلمة، رغم ظروف الحرب التي تضطرها إلى التنقل باستمرار ويذكر الشاهد من بين مساعديه في مهمته الإدارية المركزية تلك: الصديق بن عبيد، حسين سلمان، حسن وڤواڤ، وأخيرا مصطفى الأجنف..
ومن منجزات هذه الهيئة:
وضع بطاقية لجنود الولاية، تتضمن معلومات أساسية حول الجندي، فضلا عن ملاحظات حول مشاركته في المعارك ومبادراته بصفة عامة، وحتى تاريخ الإستشهاد بالنسبة للذين سقطوا في ميدان الشرف.
تسيير مالية الولاية التي كان بها في ربيع 1961 مبلغ 25 مليون (فرنك قديم) هذا المبلغ الذي شكل خزينة الولاية، يحفظ ليلا في أماكن آمنة لا تثير الإنتباه عادة
تسيير محفوظات الولاية:
من هذه المحفوظات الرسائل المحلية أو غيرها، ويخبرنا الشاهد أنها تحرق في الغاب، ما يعني أن الإحتفاظ بها يتم على مستوى الجهة المستقبلة (مجلس الثورة، الحكومة المؤقتة، هيئة الأركان العامة..) أما البرقيات المشفرة فيتم تسجيلها في محاضر الإستغلال، المودعة في أرشيف الولاية.
اجتهاد.. في لهيب المعركة
عاشت الولاية الأولى أوراس النمامشة ابتداءا من 6 فبراير 1961 الفصل الثاني من عملية “أرياج” التي تشكل إحدى حلقات “مخطط شال” الذي يتواصل تنفيذه، رغم رحيل صاحبه في أبريل من العام العاضي..
وكان ذلك يعني لمنصور رحال وطاقم محطة الإشارة عطلة إجبارية، والإندماج في الوحدات الواقفة في وجه العدوان، بعد فك المحطة طبعا وتخزين أجزئها في أماكن آمنة.
وأمام ضغوط قوات العدو الجهنمية انشطرت وحدات جيش التحرير إلى الحد الأدنى، بهدف مضاعفة فرض الإفلات من براثن العدو.. مثلا كان فوج منصور مشكلا من 5 جنود، فاضطر إلى الإنقسام أيضا ليجد منصور نفسه مع رفيق واحد فقط هو محمد خوالدي..
ومع ذلك يؤكد الشاهد، أن هذه النواة الدنيا كانت تجد صعوبة في التنقل ليلا، لن العدو كان يلجأ إلى الإستعمال الكثيف للقنابل الضوئية، الخارقة لجناح الظلام الحليف الطبيعي للثوار، فكانت لذلك تضبط وثباتها من شجيرة إلى أخرى خلال الثواني الفاصلة بين قنبلة كاشفة وأخرى..
وبهذه الطريقة تمكن الثنائي ذات ليلة في حدود الثانية فجرا من النجاة بالنفس، والخروج من شبكات “أرياج” المنتشرة في قلب الأوراس على نطاق واسع..
وكان المفر عبر مرتفعات المصارة باتجاه دشرة إينوغيسن الصامدة، حيد كان أحد المسبلين، في استقبالهما، وإسعافهما في الحين بشيء من الدفء والطعام خاصة..
وفي 6 أفريل 1961، أخرج طاقم محطة الإشارة الجهاز اللاسليكي ومستلزماته من مخبأه، وحاول تجديد الإتصال بمحطة تونس المركزية، لكن دون نتيجة في ذلك اليوم، وتأجل الإتصال إلى غاية 11 من نفس الشهر، بإرسال برقية تتناول معاناة الولاية تحت عاصفة “أرياج” العنيفة.
غير أن الخناق المضروب على الولاية، اضطر طاقم المحطة إلى التزام الصمت من جديد، تجنبا لطائرة الإستكشاف المتطورة التي دأبت على مطاردة مركز القيادة خاصة، اعتمادا على موجات الإتصال اللاسلكي تحديدا، استمر التعتيم اللاسلكي قرابة شهر، لتستأنف المحطة إرسالها إبتداءا من 17 مايو الموالي، قبيل انطلاق مفاوضات ايفيان الأولى بعد 3 أيام.
وقد فوجئ منصور بتغيير نظام الترميز السابق، تحسبا لاحتمال تفكيك سره من قبل مصالح العدو، وفوجئ أكثر باعتماد المحطة المركزية لنظام جديد (د.ج 3)، كان من اجتهاده واقتراحه، وكان أرسله إلى تونس مع الدكتور محمود عثامنة في سبتمبر من العام الماضي..
هذا التتويج المستحق لاجتهاد مسؤول محطة الأوراس، يثمّن حضورها فكريا، هذا الحضور المزكى بتضحيات عناصرها على غرار صالح بوخاري الذي أصيب في اشتباك فصيلته مع وحدة للعدو بسفح جبل فورار في 9 سبتمبر 1961.
وقد أصيب معه بجروح في نفس الإشتباك رفيقه عيسى معاش.

تسابق في خطب ودّ الأوراس!
في غضون ديسمبر 1961 تمت ترقية الرائد الطاهر الزبيري إلى رتبة عقيد، مع ترسيمه قائدا للولاية، بعد تولي المنصب بالنيابة منذ أكتوبر من السنة الماضية.
وخلال النصف الثاني من يناير 1962 شكل مجلس ولاية من الرواد:
محمد الصالح يحياوي: نائبا سياسيا
عمار ملاح: نائبا مكلفا بالإستعلام والإتصال
محفوظ اسماعين: نائبا مكلفا بالشؤون الإجتماعية، وهو منصب مستحدث مكافأة لجهوده في القطاع الصحي بالولاية منذ أواخر 1955.
ولم يعين العقيد الزبيري عضوا مكلفا بالشؤون العسكرية، مفضلا توليها بنفسه مباشرة.
وقرر قائد الولاية بالمناسبة ترقية عدد من الإطارات، شملت من طاقم أمانة الولاية كلا من:
منصور رحال برتبة ملازم أول
سلمان وحويلي برتبة ملازم
واستفاد مسؤول محطة الإشارة الجديدة بومدين رحالي من الترقية كذلك بمنحه رتبة ملازم بهذه التشكيلة الجديدة لمجلس الولاية واجه الطاهر الزبيري ورفاقه الطور الأخير من معركة الإستغلال الذي تخللته “معارك شرف” من جانب جيش الإحتلال ومعارك تأكيد وجود إلى آخر لحظة من جانب جيش التحرير الوطني ..
وفي هذا السياق تصدى جيش التحرير بالأوراس إلى عدد من الهجمات التي كان العدو يستعمل فيها المروحيات القتالية بكثافة.. وكان أخطر هذه المروحيات الطراز الحديث من نوع “ه 34” الذي استعمل مرة أخرى في آخر عملية، أسبوعا فقط قبيل وقف القتال..
وعلى ذكر هذا الحدث التاريخي تلقت محطة الإشارة عصر 18 مارس 1962 برقية، تتضمن أمر الحكومة المؤقتة بإيقاف القتال ابتداء من منتصف نهار 19 من نفس الشهر..
وفي إطار تطبيق إيقاف القتال عبر الولاية، استقبل الزبيري ورفاقه وفد “حكومة بومرداس”، برئاسة شوقي مصطفاي رئيس فريق جبهة التحرير في هذه الحكومة ومعه بلعيد عبد السلام مسؤول شؤون الاقتصاد في ذات الحكومة، والرائد محمد علاهم ممثل جيش التحرير في اللجنة المركزية لإيقاف القتال.. وكان موضوع الزيارة تنصيب اللجنة الولائية لإيقاف القتال، برئاسة نور الدين خلادي مندوب اللجنة المركزية.. ومساعدة كل من الملازمين الأولين منصور رحال ومحمد الصالح الصفاقسي.
اجتمع وفد حكومة بومرادس مع ممثلي الولاية في مقر “لصاص” ببلدية المدينة وقد بدا لمنصور أن يفتح درج المكتب الذي يجلس إليه ففوجيء بأنه مليء بأرشيف خاص “أرشيد الوشاية” بكل فظائعها! فتساءل في قرارة نفسه: لماذا ترك لصاص مثل هذه القنبلة؟ أتراه يأمل تشجيع الجزائريين على الإقتتال فيما بينهم؟!
ورغم انشغال الشاهد بإيقاف القتال ومشاكله، فقد ظل يتابع عن كثب ما يجري بمقر قيادة الولاية الذي كان ما يزال بغابة بني ملول.
ومن أهم أطوال ما بعد 19 مارس:
1 هذا السيل من البرقيات المتهاطل على محطة الإشارة من الحكومة المؤقتة وهيئة الأركان العامة في نفس الوقت، والذي كان ينذر بصراع شرس في سبيل السلطة والحكم..
كان كل طرف يدرك جيدا وزن الأوراس المعنوي خاصة فكان لذلك يخطب ود العقيد الزبيري، ويريده الإلتحاق بصفه هو وولايته.
أحد الطرفين ذهب إلى حد المطالبة، بإطلاع إطارات وجنود الأوراس على المواقف السلبية الصادرة عن الطرف المنافس. وقد أغضب ذلك قائد الولاية ورفاقه، فكان هذا الرد الجاف منهم: “نشعر ببالغ التقزز إزاء طلب إطلاع الإطارات والجنود.. على خلافات والصراعات الداخلية التي تمزق الهيئات العليا لحركات التحرر. رأينا تغليب سبيل الوفاق والوحدة ولم يكتف بلقاسم كريم ببرقيات الحكومة المؤقتة، بل أوفد في نفس الإطار الرائد قاسي، بأمل أن يكون أحسن خطأ.. وقد استقبله منصور رحال ورفاقه إلى مقر قيادة الولاية في 5 مايو 1962، ولاحظ بالمناسبة أنه اجتمع مطولا بالعقيد الزبيري لكن بدون نتيجة، كما يدل على ذلك لاحقا موقف هذا الأخير المساندة، لتحالف هيئة الأركان العامة مع أحمد بن بلة.
2 ضم أعداد من الحركى إلى صفوف جيش التحرير بالولاية:
زار منصور رحال ذات يوم مقر الولاية، فلاحظ عددا هاما من الحركى جالسين في محيطه.. استشاط غضبا وهو يردد في قرارة نفسه “ها قد أصبحنا أقلية في مقر قيادة المقاومة ذاته!”
وكان تبرير قائد الولاية لهذه الظاهرة، أنه فضل تخليصهم من قبضة ضابط فرنسي متطرف، قام بتجميعهم في مرتفعات المصارة، بهدف استخدامهم في معاقل مناهضة للثورة.
ويلاحظ الكاتب، أن “جيش التحرير الجديد” ما لبث أن هضم مثل هذه الأعداد من الحركى، هذه الملاحظة تشير إلى رهان أوسع: تسامح جزائر الاستقلال مع الأعداد الضخمة من الحركى والمتعاونين مع نظام الاحتلال، وفتح أبوب الجيش وهياكل الدولة الناشئة أمامهم.. إن مثل هذه الرهان لم يكن يخلو من مخاطر، ينبه إليها الكاتب المجاهد بصيغة السؤال “هل بإمكان الجزائر المستقلة أن تضع ضوابط لحماية الدولة وهياكلها وإرادتها واقتصادها، من كل المؤامرات التخريبية التي يمكن أن تستهدف استقرارها من جرّاء هذا الرهان؟”.
ويذكر في هذا الصدد الواقعة التالية:
أنه كلف بعد إيقاف القتال باستنطاق ضابط سابق في جيش التحرير، كان سلم نفسه ومجموعة للعدو.. وأعد لذلك محضر استنطاق ثقيل، استنادا إلى تصريحات المعني نفسه.. غير أن قائد الولاية عفا عنه مع ذلك..
وبعد سنوات من الإستقلال ذهل الشاهد، وقد أحيل على الحياة المدنية، لما بلغه أن هذا الضابط المستسلم يشغل وظيفة هامة في هياكل الدولة! (انتهى).

(*) طالع الحلقات السابقة في صحيفة الفجر، أعداد 19 و 26 فبراير و 5 مارس الجاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.