شان-2024/ودي: المنتخب الجزائري للمحليين يفوز أمام رواندا (2-0)    الاقتصاد الجزائري بخير.. والقدرة الشرائية تتحسن    رافعات من الجيل الجديد تؤسّس لموانئ"ذكية" بالجزائر    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    إجراءات جديدة لإصدار تأشيرات العمرة الموسم القادم    الجزائر تتوّج بالجائزة الذهبية "اليتيم"    "حماس" تدين جريمة الاحتلال بحق سفينة "مادلين"    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    كنت مستعدا لكسر ساقي من أجل البرتغال    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    عوالم من نور تتجاوز الملموس البائس    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    مناقشة مشروعي القانونين المتعلقين بمحكمة التنازع والوقاية من المخدرات    12 جوان.. آخر أجل لتفعيل حسابات المكتتبين في "عدل3"    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    برنامج "عدل 3" : ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    السيد مراد ينوه بتجند مستخدمي الجماعات المحلية خلال أيام عيد الأضحى المبارك    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن : العمليات الانتقالية السياسية السلمية في وسط إفريقيا تمثل "تقدما لافتا" باتجاه المصالحة    مصطفى حيداوي : تقدم ملموس في إعداد المخطط الوطني للشباب وإستراتيجية قطاع الشباب    أشاد بمجهودات أعوان الرقابة.. زيتوني ينوه بحس المسؤولية الذي تحلى به التجار خلال أيام العيد    توقيف 3 مجرمين وحجز قرابة 5ر1 مليون قرص مهلوس بباتنة    عودة أول فوج للحجاج الجزائريين غدا الثلاثاء الى أرض الوطن بعد أداء المناسك في ظروف تنظيمية محكمة    ألعاب القوى/ الملتقى الدولي بإيطاليا: العداء الجزائري سريش عمار يتوج ببرونزية سباق 1500 م    عيد الأضحى: احتفال في أجواء من البهجة والتضامن والتآزر    الملتقى الدولي بموسكو: نسرين عابد تحطم الرقم القياسي الوطني لسباق 800 م لفئة اقل من 20 سنة    "قافلة الصمود" : قرابة 1700 مشارك ينطلقون من تونس لكسر الحصار الصهيوني على قطاع غزة    وهران : الطبعة الأولى لمعرض الجزائر للسكك الحديدية بدءا من الأربعاء    معركة سيدي عبد الرحمان بالشلف : بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    جامعة فرحات عباس بسطيف: 3 باحثين يتحصلون على براءة اختراع في مجال قياس الجرعات الإشعاعية    تنظيم الطبعة الرابعة لصالون الصيدلة "ألفارما" من 26 إلى 28 يونيو بعنابة    وزير الثقافة زهيرَ بللُّو يهنئ الفنانين في يومهم الوطني    حث على تعزيز أداء الخدمة العمومية عبر كامل التراب الوطني    هلاك 9 أشخاص في حوادث المرور    غزة : استشهاد 11 فلسطينيا وإصابة العشرات    الفريق أول شنقريحة يترأس مراسم حفل تقديم التهاني    عملية جمع جلود الأضاحي لسنة 2025 تشهد تقدما ملموسا    الصحفي عبد الرحمن مخلف في ذمة الله    خواطر الكُتاب.. أبعاد لا تنتهي    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    متابعة 50 مشروعا كبيرا لضمان نجاعة الإنفاق    ناصري: كل عام وأنتم بخير    إيمان خليف تغيب عن بطولة العالم للملاكمة    بن جامع يدعو لإسقاط درع الحصانة عن الكيان الصهيوني    أعياد ودماء وخبز    شخصيات سياسية تدعو روتايو إلى الاستقالة    المغير: لمياء بريك كاتبة تتطلع إلى الارتقاء بأدب الطفل    تشييع جثمان المجاهد المرحوم مصطفى بودينة بمقبرة العالية    "وهران : اختتام الطبعة ال11 لمهرجان "القراءة في احتفال    الخضر يبحثون عن التأكيد    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة قهر !

بالرغم من أنها لم تدم سوى ثوان، إلا أن النظرات التي رمقتني بها، تنم على شيء وحيد، وهي أنها غارقة في حزن شديد، إلى درجة تملكتني رعشة غريبة، وغاصت بقوة في جسمي الهزيل..كنت في مقتبل العمر حينها، لذلك لم يتسنى لي معرفة ما تعنيه كلمات أكتضت بحلق إمراة في العشرينيات من العمر، غير قادرة على التفوه بها!
لكنها قالت الكثير ..الكثير ..من تلك العَبرات التي ذرفتها حينما هممت بالدخول الى غرفة تنبعث منها رائحة الأدوية وأنفاس المريضات المكدسات في ذلك المكان الضيق، كانت معزولة وكأنها تقطن داخل بهو من الوحدة، لم تلبث أن أجهشت ببكاء ونحيب غير مفهومين، لما اجتزت عتبة الباب !
فتاة ذات سحنة جميلة في عقدها الثاني، تبدو غارقة في قهر غير مفهوم، حاولت أن أستقرأ عينيها الجميلتين والحزينتين في نفس الوقت، متسائلا كيف لهذين المتناقضين أن يرتسما على وجه إمراة دفعة واحدة، وهي على مشارف الانهيار؟.. أحسست بقهرها الذي يشبه الصهد في أوج انبعاثه يلفح كل من ينظر إليها، كانت تحت رحمة سعار الحزن الذي يأسر أنفاسها المخنوقة، وكنت أنا على عتبة معرفة ماذا يكمن وراء عينيها المحملقتين فيّ تارة وفي الفراغ تارة أخرى؟.

كانت تبدو ميتة رغم أنها لازالت على قيد الحياة، لا أعرف كيف حضرتني في تلك اللحظات كلمات غابريال غارسيا ماكيز، حول رؤيته لأمراه ميته يوما ما، كانت تتنفس مثلنا كما يقول !! ولكن كيف لإمرأة أن تموت بهذه السهولة يتساءل غابو ؟ وكيف نراها تحتضر؟ ..إجابات الأديب الكلومبي أسقطتها تباعا على تلك الفتاة الحزينة، تموت المرأة إذا فارقت وجهها الابتسامة، إذا لم تعد تهتم بجمالها إذا لم تتمسك بأيدي أحد ما بقوة، وإن لم تعد تنتظر عناق أحد.. وإن اعتلت وجهها ابتسامة ساخرة ، نعم هكذا فقط تموت إمرأة ! .
ساعدتني هذه العبارة في تفكيك حالة تلك الفتاة العشرينية وتقريب فهمي لحالتها الغارقة في الغم، الذي حولها الى كومة من قش ثقيلة حتى على الهواء، أبعدت عنها ناظري ، وتبادلت أطراف الحديث مع إحدى قريباتي اللائي كانت في مصلحة الولادة على بعد شارع من العرقوب عن مولودها الجديد، وسألتها مباشرة عن النظرة التي هزتني من الداخل ، وسبب بكاء فتاة المتناقضات التي رأيت، قالت لي وبصوت خافت، إن زوجها المشتغل كعون أمن بالجامعة لم يزرها حتى اليوم رغم أنهما رزقا بطفلهما الأول ..هي طريحة الفراش هنا منذ أسبوع ولم يأتي!
ولم تكد لسترق السمع وتفهم وشوشتنا و موضوع النقاش، حتى إنفكت من صمتها المطبق كثور هائج كان أسيرا في زنزانة وقالت مجاش اليوم ثاني مجاش وكأنني خدامة عندو، لكن ربي إخلصو ، حتى أهله جاو مرة وحدة مزادوش جاو خلاص .. كانت ترتل هذه الكلمات على مسامعي وهي غارقة في بحر من الدموع واليأس، لا أعرف عادة كيف أتصرف في مواقف بالغة الحزن كهذه سوى أن اركن الى الصمت، في حين اجتاحني شعورغريب، طقطق هذا الإحساس يومياتي إلى درجة أنني رويت بحسرة هذه المشاهد المحزنة ألاف المرات لأصدقائي حتى تملكهم الملل.

ذابت طبقة أخرى من طبقات الجليد في ذهني، وازدادت مداركي للواقع الحقيقي البعيد عن رائحة الكتب والجرائد التي كنت أغرق فيها يوميا، واكتشفت من خلال تلك الفتاة ماذا يعني الواضع الاجتماعي الحقيقي والبائس، وأدركت كيف تكون زوجا مهملا، وأبا تافها و غير مسؤول ، وأن تعمد على توزيع كل تلك الضحكات على ألاف الطالبات اللائي يدخلن ويخرجن من باب الجامعة !!، وأن تخيط الإدارات طولا وعرضا من أجل قضاء حاجة لفتاة تكون بعيدة عنك كل البعد، دون كلل أو ممل منك، وتأسرك زيارة زوجتك القابعة في مستشفى الولادة وهي في حالة انتظار لإطلالتك، ليس هذا فقط بل تحجم عن استقبال أبنك الأول ..كانت صدمتي عظيمة من هول هذا المشهد الذي لم يدم 5 دقائق تقريبا لكنه خلف في ذهني انطباعا سيئا للغاية عن إهمال بعض الرجال لزوجاتهم وأبنائهم، وفرقت حينها فقط بين أن تكون رجلا حقيقيا وأن تكون مسخا!

لم يعرف ذلك الرجل أنه أوقد كرها لن ينطفئ، وفتح جروحا لن تندمل حتى وان لجأ الى ألاف الاعتذارات للتأثير في نفس تلك المرأة، كان هذا الموقف الدراماتيكي بالنسبة لي شرارة لكي أكتشف كيفية تشكل عوالم كره المرأة لرجل في هذا العالم ؟ وكيف يمكن لذلك الكائن الجميل أن يتحول الى وحش يلتهم الجميع بصمت عندما يحاصر، تناهى الى خيالي كيف يمكن أن يتحول ذلك الإهمال الذي يلقيه الرجل داخل نفس المرأة؟، الى عبوة ناسفة، يأسرها للحظات وينطلق ليحرق الجميع بما فيها هي !.
تساؤلاتي الكثيرة وضعتني على عتبة الجدلية التاريخية حول من هو الأكثر وفاء الرجل أم المرأة ؟ كلها تقريبا أجابت عنها غصة تلك الفتاة ذات العشرين ربيعا، وتداعت الى ذاكرتي ألاف القصص عن خيانة الرجل ووفاء المرأة، نعم أنه وفاء أسطوري لمئات النساء في مدينتي وتقريبا في جميع المدن الجزائرية تناسيتها أو نسيتها؟، لا يهم.. المهم أنه شكل في ذهني لحظة استكشاف وسبر لأغوار واقع رأيته بأم عيني، محاولا إيجاد إجابات مقنعة لعلامات الاستفهام التي تشكلت في ذهني بعد تلك المشاهد.
في مدينتي تكتفي المرأة خاصة التي يتوفى زوجها، بأن لا ترتبط بعده، رغم أنها في عز شبابها، مفضلة البقاء إلى جانب أبنائها كلبؤة تحرس العرين، في المقابل يبحث الرجال عن خليلات لهم في عز مرض زوجاتهم، ولا يكتفون بهذا بل يغازلون ألاف النساء في الشوارع ويدقون عليهن مضاجعهن بالمحادثات الهاتفية ليلا، في الوقت الذي يحرمون زوجاتهم وأبنائهم من نظرة اطمئنان .

تموضعت في داخلي فكرة أجدها واقعية الى أبعد حد، حيث أن بعض الرجال وهم في عز زواجهم يحملون في دواخلهم نساء أخريات، حتى وإن كن من نسج خيالاتهم التافهة ، رغم أن زوجاتهم لا ترى غيرهم رجالا !، ويجسدون بذلك أعمق المتناقضات التي يعيشها أي شخص في هذا العالم، فهم لهم القدرة على توزيع تلك الابتسامات الكثيرة على جميع النساء، لكنهم يتعمدون كتمانها في حق أقرب الناس إليهم !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.