قبل حرب عام 1967 كانت صورة إسرائيل عموما إيجابية في عيون كثير من دول العالم وعلى رأسهم بريطانيا وفرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد كانت ثمة قلة وعي بالجرائم والآلام التي تعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل عام ,1948 وكان ينظر إلى إسرائيل على أنها الضحية التي دافعت عن نفسها ضد الجيوش العربية التي أرادت رميها في البحر، وبما أن الشعور بالذنب إزاء المحرقة (الهولوكوست) التي تكذبها إيران في عصر أحمدي نجاد كان يلقي بظلاله بقوة على أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية كانت صورة إسرائيل والإسرائليين بوصفهم ضحايا لا تزال راسخة، هذا في وقت جرى تصوير الإسرائيليين الأوائل في أذهان الرأي العام الغربي على أنهم مسالمون وديمقراطيون أقامو دولة ديمقراطية نادرة ومن الطراز الفريد في التاريخ في الشرق الأوسط، وزرعوا الصحاري، وبنو الجامعات، علاوة على ذلك كانت إسرائيل آنذاك في جوهرها دولة أوروبية وغربية، فقد كان غالبية سكانها أوروبيين مثلما هو حال جميع زعمائها، وكان ينظر إلى هوية إسرائيل وخطابها السياسي على أنهما غربيان تماما. وحقيقة في الواقع، وخلال هذه الفترة المبكرة كانت إسرائيل تحظى بملاءة شبه شاملة من معظم ألوان الطيف السياسي الغربي ما عدا اليسار الشيوعي السوفياتي الذي كان صديق الكثير من الدول العربية قد عارضها، أما اليسار غير السوفياتي وغير الشيوعي فقد اعتبر الإشتراكية الصهيونية جزء من حركته، ورأى في إسرائيل نموذجا للديمقراطية الإشتراكية، هذا وعلى المستوى الدولي كانت فرنسا الداعم العسكري الرئيسي لإسرائيل في الوقت الذي كانت تسعى فيه إلى التمسك بمستعمراتها في الجزائر، وقد عملت مع بريطانيا وإسرائيل عام 1965 للإستيلاء على شبه جزيرة سيناء في مصر أم الدنيا بالنسبة للمصريين وكثير من العرب وإضعاف وتقزيم شخصية رجل العرب عبد الناصر جمال· كانت الولاياتالمتحدة في هذا الوقت تساعد إسرائيل وتدعمها داخل حدود 1948 لكنها كانت تعارض بشدة أي نزعة توسعية عسكرية كتلك التي جرت عام ,1956 إلا أن حرب عام 1967 كانت نقطة تحول في معظم هذه الأنماط، فقد غير انتصار إسرائيل الصاعق صورتها على الصعيد الدولي من الضحية إلى القاهرة، وبانتصارها أصبحت قوة استعمارية محتلة، ومع مرور السنين والأعوام تم استبدال صورة الإنسان الإسرائيلي المستضعف بصورة الجندي الإسرائيلي على ظهر دبابة يواجه المدنيين والنساء والأطفال في أرض محتلة، واستبدلت صورة إسرائيل الديمقراطية والمجتمع المتحضر الحديث بصورة أو قل صور الحواجز والتفتيش وأعمال القمع ومصادرة الحرية والأراضي والجدران الفاصلة والغازات العسكرية· وأثناء أواخر الستينات أيضا بدأ اليسار في الغرب في تغيير تركيزه من قضايا العمال والصراع الطبقي إلى قضايا أوسع نطاقا مثل مناهضة الاستعمار والإمبريالية الغربية في العالم الثالث، وأدت اتصالات الشعوب في العالم ككوبا وفييتنام والجزائر وإفريقيا إلى تحول في الخطاب اليساري، ففي هذا المنظور الجديد لعبت هوية إسرائيل الغربية ضدها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فقد شهدت العلاقات الدولية تحولا في الأوضاع، ففي ظل حكم ديغول تخلصت فرنسا من عبئها الإستعماري في الجزائر ولم تعد في حاجة إلى إسرائيل في حربها مع العالم العربي، وسعت بدلا من ذلك إلى إعادة بناء علاقاتها مع العالم العربي، أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فنظرت إلى الأمور بطريقة مختلفة قبل عام 1967 حيث رأت في إسرائيل دولة صغيرة وغير آمنة تكاد لا تستطيع أن تحمي حدودها، وفي عام 1967 رأت إسرائيل أنها يمكن أن تكون لاعبا قويا وفعالا في الحرب الباردة وقررت دعمها بقوة، يضاف إلى ذلك أن معظم الدول العربية كانت قد انقلبت ضد الولاياتالمتحدة، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تغير سياستها وهذا بعد حرب 1967 التي أسفرت عن موجة جديدة من المهاجرين اليهود جاؤوا من الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن سوريا والعراق ومصر وليبيا وأجزاء أخرى من العالم العربي، فهذه الحرب جاءت بموجة كبيرة من المهاجرين الذين جاؤوا إلى إسرائيل حاملين العداء للعرب، وبوصول هذه الموجة من المهاجرين الروس أكملت إسرائيل تحولها الديموغرافي، فقد بدأت كبلد أوروبي وأصبحت بحلول عام 1990 دولة مختلفة تماما حيث لم تعد المقومات الديموغرافية ولا الخطاب السياسي يلاقيان صدى في الكثير من الدول الغربية· أما اليوم فليس لإسرائيل سوى القليل من الأصدقاء في أوساط اليمين أو اليسار في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتراجعت صديقتها حيث أصبحت تعلن بصوت مرتفع أنها دولة يهودية وهذا لإبقاء الصلة بالمحرقة الأوروبية التي ارتكبت في حق اليهود ويتم تمييزها كدولة خاصة ذات وضع خاص كضحية، فالولاياتالمتحدة هي آخر خلفاء إسرائيل وأصبحت ترى أن السياسة الإسرائيلية تتعارض مع المصالح القومية للولايات المتحدة، هذا في وقت أصبحت فيه إسرائيل تعتمد قوة واحدة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأدركت الولاياتالمتحدة أن تعنت إسرائيل لا يخدم مصالحها، وأن الأسلحة الفتاكة التي تملكها لا يمكنها إلا أن تخلق المزيد من المشاكل والأعداء لها، كما أنه لا يمكن أن تدوم هذه المستعمرة وسط محيط سكاني معاد، والأمر يتطلب زعيما ناضجا وقويا مثل الجنرال ديغول الذي أدرك خطأ فرنسا الإستراتيجي في استعمار الجزائر، ليقوم بتنفيذ انسحاب تاريخي ينقذ اليهود مما وقعوا فيه·