منذ 1900 تنتظر شخصيات صامويل بيكيت وصول (غودو) لتخليصها من محنة الانتظار.. ومع الوقت يتحوّل الانتظار إلى لعبة سيزيفية لا مفر من لعبها كل يوم.. ومنذ لست أدري كم من السنوات ننتظر نحن الجزائريين وصول كل (غودوهات) الدنيا لتخليصنا من المأزق التاريخي والوجودي الذي نحن فيه.. والجزائري أتقن لعبة الانتظار.. دائما ينتظر في الإدارات وفي محطات النقل الحضري وفي مراكز البريد والبنوك وفي المستشفيات.. ينتظر الراتب الشهري وينتظر الزيادة في الراتب الشهري، لأن أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية من سكر وزيت وفرينة دائما ترتفع أسعارها دون أن تخبره وزارة التجارة، وينتظر وصول فاتورة الكهرباء والغاز والماء.. دائما ينتظر بلا أمل.. في سنوات الدم والدمار كان الجزائري ينتظر السلم أن يتجلى.. أن تنتهي لعبة الموت العبثية في الطرقات والقرى والمداشر.. أن ينام الليل ملء جفونه دون كوابيس.. أن يخرج صباحا من بيته بأمل كامل في العودة مساء سالما معافى.. لكن السلم جاء ناقصا.. جاء بمذاق مر.. ارتفعت أسعار البترول وانتظر الجزائري أن يعمه الخير الوفير الذي يخرج من حقول النفط في حاسي مسعود، لكنه في مقابل ذلك أصبح يقرأ كل يوم في جرائد الصباح عن اختلاسات بالملايير من أمواله.. وانتظر أن يحاكم السراق الكبار أمام الملأ وينالون عقابهم ويردون المال المسروق، لكن لا شيء حدث.. ازداد السراق غنى وثراء وحوّلوا المال المسروق إلى بنوك أوربا وأمريكا وحوكم الصغار ودخلوا السجن. وفي لعبة الانتظار الطويلة يحدث الانتحار وتكثر الجريمة ويعشش الفساد في كل شيء ويكثر الخوف من المستقبل ويصاب الناس بالشيزوفرينيا والكبت وجنون العظمة والانتكاس الذاتي.. في لعبة الانتظار يفقد الزمن معناه وتتعطل آلية الإبداع.. عند صامويل بيكيت لا يأتي (غودو) لكنه في كل مرة يرسل صبيا ليخبر المنتظرين أنه سوف يأتي الأكيد في الغد.. وهكذا يشع الأمل من جديد.. وتعاد اللعبة في الغد.. نحن كذلك ننتظر هذا الغد.. ننتظره محمّلا بالقليل من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة الوطنية على الشعب.. ننتظره كل يوم وكل غد وكل بعد غد وكل أسبوع وكل شهر وكل سنة.