قد يكون من السهل أن تكتب ولكن من الصعب أن تكون أصيلا ... هذه أولى الانطباعات عن التحدي الذي نجح فيه الدكتور بن علية رابحي حين اختار الكتابة الساخرة فخلق من العدم شخصية "شرارة" في مجموعة قصصية صدرت هذا الشهر ... الانطباع الثاني هو الشعور بأن شرارة كان يؤزّ بن علية أزّا لكي يحرر قلمه ويتفرغ للقصة الساخرة وهذا بعد أن جال بن علية بين الرسم والصحافة والتنشيط الثقافي والشعر والسينما والمسرح الذي أحرز فيه شهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي من قسم الفنون العريق بجامعة وهران ... وقبل ذلك حمل بن علية الهم الثقافي شابا يافعا فأسس عدة جمعيات في الأدب والسياحة والفنون التشكيلية والتراث ... فإذا به قد جمع عبر السنون بين الإنتاج الأدبي والفني وتنشيط الساحة الثقافية ... ومثل هذه الفضيلة تجعل منه شاهدا بامتياز على عصر الثقافة بالجلفة بمسراته حين سما به وطنيا ودوليا بالإنتاج والتأليف ... أو بمضراته حين حاول بعض العقيمين عن الانتاج اختزاله في التكسب وإشباع شبقهم في الظهور وممارسة الأبوة الزائفة على المشهد الثقافي!! في الحقيقة إن هذه المقدمة التعريفية بالقاص "بن علية رابحي كانت ضرورية لنعرف أن "شرارة" لم يأت كنتيجة لكاتب متمرس ... بل إن شرارة هو المترجم لكل مآسينا وأفراحنا ... شرارة هو المعبر عن تدبير معيشتنا وهو الناقل لتحايلنا للتكيف مع مصاعب الحياة ... شرارة يريد أن يتزوج وشرارة يريد أن يبني دارا وهكذا دواليك ... وكأن ديدن بن علية هو أن يعطي الكلمة لشخصية من حي شعبي لتنقد وتناقش وتثور وتبدع وتتحرك في لجج الحياة الصعبة. ورغم أن القاص قد أعطى شرارة هامشا كبيرا من التحرك في أحداث الرواية إلا أن تدخلاته عبر الفضاء القصصي كانت موجهة بهدف تأثيث الأحداث ... خذ مثلا الوصف الساخر الذي قدمه الراوي لكورنيش واد ملاح بمناسبة زيارة "شارلي الشلالي" لولاية الجلفة ... وقد سبق أن خبرنا براعة بن علية في تأثيث فضائه القصصي بما يتناسب وطبيعة المكان حين نشر قصته "الفيضان" في 2014 بفضاء البادية المختلف تماما عن فضاء المدينة مع شرارة!! ولعل حديث بن علية عن كورنيش واد ملاح وقمامة سوق الجملة للخضر والفواكه يخفي أمنية دفينة في أن يتغير الحال نحو الأفضل ... وليس بالجديد على الدكتور بن علية هذا النقد المبطن أو الصريح للواقع البائس لولايته التي حملها في قلبه وقلمه وريشته وعدسته أينما حل وارتحل ... وحريّ بنا هنا التذكير بالمقال-الأمنية الذي نشره في "الجلفة إنفو" وفيه يقدم مشروع المدينة السينمائية بولاية الجلفة ويعضد ذلك بوصف دقيق لما يمكن وصفه بكون الجلفة عبارة عن أستوديو مفتوح لكل أنواع المشاهد واللقطات السينمائية والوثائقية ... لقد افتقدنا في الجزائر ذلك المبدع الذي يخلق في عمل فني شخصية أصيلة ... شخصية أصيلة تجعل من غيرها مجرد تقليد مثل "المفتش الطاهر" أو "بوبقرة" أو "الشيخ عطا الله" رحمهم الله ... أو "عثمان عريوات" أطال الله عمره الذي حاول "الحاج لخضر" تقليده ولكنه فشل فشلا ذريعا رغم كل ما سيق له من منتجين وممثلين ... حين تقرأ كجلفاوي أو كجزائري "يوميات شرارة" ستوقن بكل تأكيد أنك أمام شخصية أصيلة تجابه الحياة بما خبرته من تجاربها وهو الذي عرّفه الكاتب بالقول إنه "إنسان العصر الذي يعرف كل شيء لكنه لا يعرف شيئا" ... ولهذا لم يخف القاص رغبته في أن يرى "شرارة" وقد تجسد في عمل تلفزيوني باعتبار شرارة عالما فريدا محوره شخصية فاقدة للمواطنة تريد أن تكتسب شروط حياة أفضل رغم كل التناقضات والبحث عن المبدعين الأصلاّء في ولاية الجلفة لا يكفي فيه الإدّعاء بمعرفة خبايا المشهد الثقافي أو أن تكون من أصحاب الأختام الدائرية والمستطيلة ... بل سيكون للصدفة والتحرّي دوريهما في تسليط الأضواء على أولئك المبدعين ... خذ مثلا الفنان التشكيلي العصامي البدوي "زرقين بن لباز" الذي كان أصيلا في كل أعماله الفنية سواء من حيث الموضوع أو طريقته المتفردة في استخدام الألوان حسب وصف الرسامين الذين اطلعوا على أعماله ... وهاهو الأصيل "رابحي" يذكرنا بالأصيل "زرقين" حين شاركا عام 1989 في المسابقة الدولية لرسم شعار المجلس الدولي للزيتون بإسبانيا!! بن علية فعلها مرة أخرى مع شرارة الذي أثبت أنه فعلا شرارة أدبية تبلورت في ظرف وجيز جدا منذ ظهورها الأول في جويلية 2018 ... لتعطي 61 قصة قصيرة ساخرة تعتبر نواة لرؤية يجب أن تتبلور في عمل تلفزيوني كما قال الدكتور أحمد شريكي. هذا الأخير وصف بن علية بأنه "أحد أهم رجال الفن في الجلفةوالجزائر بحثاً وممارسة في التشكيل والنحت والسينوغرافيا والكاتب والإخراج المسرحي والسينمائي ... وهو بذلك فنان شامل موسوعي ابن الجلفة العريقة التي ينبغي لها أن تحتفي به دوما". بطاقة وصفية للمجموعة القصصية: العنوان: يوميات شرارة المؤلف: الدكتور بن علية رابحي الناشر: دار ومضة للنشر والتوزيع تاريخ الإصدار: مارس 2019 عدد الصفحات: 243 ثمن النسخة : 500 دج لاقتنائها الاتصال بالجوّال: 0676.694.280