قبل أيام من موعد امتحان شهادة البكالوريا..سلطة ضبط السمعي البصري تحذر من المساس بحقوق الأطفال    تحضيرا لموسم الاصطياف.. مخطط خاص بالرقابة والتموين في 14 ولاية ساحلية    القرار يحض حاملي المشاريع غير الجاهزة.. الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    بريد الجزائر: تعديل مواقيت العمل بشمال وجنوب الوطن    في سابقة تاريخية..ترامب يرسل المارينز لاحتواء احتجاجات لوس أنجلوس    كرة القدم/ مباراة ودية: المنتخب الجزائري ينهزم أمام نظيره السويدي 4-3    الديوان الوطني للتطهير: قرابة 800 تدخل خلال أيام عيد الأضحى لضمان استمرارية الخدمة العمومية    مجلة "آفاق سينمائية" : إبراز دور السينما الجزائرية في فضح الاستعمار الفرنسي    نفذتها "منظمة الجيش السري" للاستعمار الفرنسي:حرق مكتبة الجامعة المركزية عام 1962 جريمة ضد الفكر والإنسانية    وزير الشؤون الدينية والأوقاف:التعاون المثمر بين مكونات البعثة وراء نجاح موسم الحج    مجلس الأمن:البوليساريو تدحض ادعاءات ممثل دولة الاحتلال المغربي    البطل سقط في ميدان الشرف يوم 6 جوان 1958..ولاية باتنة تحيي الذكرى ال 67 لاستشهاد علي النمر    مجلة الجيش:الجزائر سترفع كل التحديات داخليا وخارجيا    حيداوي يدعو الجمعيات الشبانية للانفتاح على شراكات محلية ووطنية    موانئ: اعتماد ميناءين كنموذج أولي لتجريب استراتيجية العصرنة الجديدة    حادثة محاولة الانتحار أمام مقر وزارة العدل: إيداع 4 متهمين الحبس المؤقت    طاقة ومناجم: بحث افاق التعاون بين المؤسسات الجزائرية و "ميتسوبيشي باور أيرو" اليابانية    في لقاء مع السفير الصيني.. بوغالي يشيد بالعلاقات الجزائرية-الصينية ويدعو لتوسيع الشراكة    العدوان الصهيوني: الهجوم على سفينة "مادلين" جزء من الإبادة الجماعية    جمع جلود الأضاحي, أداة لدفع عجلة تطوير الصناعة الوطنية للجلود    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    اتفاقية تعاون علمي بين جامعة "بلحاج بوشعيب" لعين تموشنت وجامعة هيوستن الأمريكية    كرة القدم / بطولة افريقيا للاعبين المحليين 2025 : مجيد بوقرة يقر بصعوبة ضبط التشكيلة النهائية    العروض الوطنية للفيلم السينمائي "محطة عين لحجر" تتواصل عبر عدة ولايات    مجلس الأمة: السيد بوجمعة يبرز أهمية الرقمنة بقطاع العدالة    مؤشرات الاقتصاد الجزائري تتحسّن    البرتغال تُتوّج بدوري الأمم الأوروبية    حجز قرابة 1.5 مليون قرص مهلوس بباتنة    بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    الجزائر تتحصّل على جائزة لبيتم    الحجّاج يؤدون طواف الوداع    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 54981 شهيدا و126920 مصابا    فلسطين : مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    ورقلة : حجز أزيد من 62 ألف كبسولة من "بريقابالين"    تكريس لإرادة سياسية واضحة لحماية "ذاكرة وطن"    يختطف سفينة "كسر الحصار" على قطاع غزة    ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    تكرس قيم الاحترافية والوطنية التي تحدو منتسبي القطاع    تنظيم عودة أول فوج للحجاج الجزائريين إلى أرض الوطن    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    640 ألف مليار لاقتصاد أقوى ومعيشة أحسن    اللجنة المنظمة تطلق اليوم الموقع الرسمي للحدث    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    استشراف لمستقبل الفن والتكنولوجيا    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    الخضر يضعون اللمسات الأخيرة    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الابداع في اغتيال المبدع والابداع..!
أقواس: أولاد بلادي وبنات بلادي والثقافة
نشر في الشروق اليومي يوم 23 - 12 - 2009

هذه المرة، وأنا عائد من عمَّان الأردن، التي سبق لي وأن زرتها من قبل عدة مرات كانت أولاها في بداية الثمانينات. هذه المرة، بيني و بين نفسي، تساءلت: "يا ربي لماذا مدن البلدان دائما إلى الأمام، دائما في تصاعد وصعود ومدننا تراوح في مكانها كي لا أقول تتقهقر..!؟
* كان ذلك خريفا لعام من أعوام بداية الثمانينات، دخلت عمَّان لأول مرة، جئتها برا من دمشق، كنت لا أعرف عنها من التاريخ والشخصيات سوى سبتمبر الأسود والروائي غالب هلسا الذي عاش ومات منفيا بعيدا عنها، وإذ نزلت بالمدينة وجدتها عبارة عن قرية بسيطة بسلوكات بدوية، شارع واحد و غبار وحزن ولا شيء، كنت أشاهد ذلك، أنا الذي تركت خلفي وهران في بهاء المدن المتوسطية بغواياتها وضجيجها وعنفها الجميل وطموحها الذي يتفجر من عيون شبابها. قضيت في ما كان يسمى بعمَّان الثمانينات نصف نهار، درتها راجلا ثم عدت في مساء اليوم نفسه إلى دمشق برا.
* و بعدها زرت عمَّان مرات عديدة و لكنها لم تكن لتثيرني ولا لتفرض عليَّ سؤال المقارنة. لست أدري لماذا هذه المرة بالذات، أثارتني هذه المدينة وحركت فيَّ الغيرة، فتساءلت: أتتغير المدن بكل هذه السرعة، حتى تصبح مركزا وتصبح هاجسا في الكتابة وفي الفن التشكيلي وفي المسرح و كذا الموسيقى؟
* هذه المرة وجدت عمان مدينة أخرى، مدينة تخرج من غبارها و حزنها إلى طموح جارف نحو التقدم، دون أن يفقد أهلها طيبتهم و بدويتهم، إنهم يدخلون المدنية بهدوء الواثق وطمأنينة العاشق للمكان؟
* هذه المرة وأنا أتجول في عمان اليوم، التي لم أجد فيها من عمان البارحة، تلك التي رأيتها في بداية الثمانيات شيئا، أدركت أن الإنسان حين يعشق المكان ويرتبط به ارتباط المصير يصبح قادرا على خلق المعجزة، المعجزات الكبرى تخرج من العدم أو من الأشياء الصغيرة. وتلك قوة عمان. حين شاهدت عمان اليوم أدركت أن الأردنيين أكثر الشعوب ارتباطا بترابهم. فهذا الفضاء الذي كان خلاء أو كاد أن يكون ذلك تحول في ظرف ربع قرن إلى مكان مركزي، يلتقي فيه الاقتصاد و السياسة والمال، و لكن أهم ما يلتقي في هذا المكان هي الثقافات العالمية من خلال قاعات السينما، والمهرجانات المدروسة، ويلتقي فيها الفن التشكيلي في أروقة أصبحت مرجعا للمتخصصين في هذا الشأن، ويلتقي فيها الأدباء حول الشعر والرواية والقصة، فسلام لبعضهم: للدكتور فيصل دراج وإلياس فركوح وجريس السماوي وإبراهيم نصر الله وفخري قعوار وعزالدين المناصرة وسميحة خريس وليلى الأطرش و فيروز التميمي وهاشم غرايبة وزليخة أبو ريشة والعشرات مثلهم ويلتقي فيها المثقفون ليتناقشوا وليتخاصموا باحترام ثقافي وفكري عاليين، و يجيؤها السياح من كل فج لتصبح البتراء والعقبة جزءا من مخيالات البشرية، و تشيد فيها فنادق من الطراز العالي، تابعة لأكبر السلاسل الفندقية في العالم، وتلتقي فيها البنوك والجامعات العالمية بفروعها الخاصة والعمومية.
* وبينما أنا أتأمل عمَّان اليوم في صعودها هذا الذي يتحقق دون تبجح ولا انتفاخ، هذا الصعود الذي جعل منها في أقل من ربع قرن بوابة حقيقية في الشرق الأوسط ، بعد أن كانت نسيا منسيا، تساءلت بغيرة و حزن: ماذا تحقق في مدينة كوهران، أتحدث عن وهران والحديث قياس كما يقول الفقهاء، مدينة كنا نحلم ونسعى كي تكون عاصمة المغرب العربي، كان ذلك في منتصف الثمانينات...
* لقد شاخت مدينة وهران وهرمت و تهاوت أحلامها التي كانت ترفعها في السبعينات والثمانينات، ومثلها هرمت وشاخت كثير من مدننا.
* كانت وهران، والحديث قياس على مدننا جميعها، لها ملتقاها الأدبي وملتقاها النقد، كما كان لقسنطينة ملتقاها حول الرواية، ولسعيدة ملتقاها حول القصة القصيرة، وسكيكدة كان لها ملتقاها حول الفنون التشكيلية، وبسكرة كان لها مهرجانها وغير ذلك...
*
خرج الاستعمار الفرنسي وقد ترك في وهران مسرحا واحدا كان قد بني قبل قرن من الزمن لتغطية حاجيات ثلاثين ألف أوروبي، بعد قرن من إنشاء هذا المسرح وبعد قرابة نصف قرن من الاستقلال، هل استطاعت بلادي بتعاقب الأنظمة وعلى اختلاف أو توافق توجهاتها أن تبني مسرحا جديدا لسكان هذه المدينة، وقد وصل تعدادها قرابة ثلاثة ملايين..!؟
* جاء المال فهربت الثقافة، وجاءت التعددية فتشتت المثقفون شذرا مذرا، كما يقال، كنا في الزمن الذي كان يسمى زمن الحزب الواحد، وهذه ليست نوسطالجيا زمن الحزب الواحد، كنا نعمل بكثير من التطوع و كثير من الإرادة والإيمان بالعمل الثقافي، وفي ظل ظرف كان شحيحا في المال، وبشركة وطنية واحدة للكتاب، كان للكتاب ألقه وحفله وعرسه، و كانت الثقافة لها وجود... كان ذاك زمن محمد خدة، إسياخم، مولود معمري، كاتب ياسين، علولة، أحلام مستغانمي، عائشة حداد، مرزاق بقطاش، عمار بلحسن، عمار العسكري، تساكي، رشيد بن براهيم، الطاهر وطار، رشيد بوجدرة، علي خوجة، الأخضر حامينا، الأدرع الشريف، أحمد منور، نمسي سعيد، الحبيب السائح، عبد الملك مرتاض، عبد الله ركيبي، عبد العالي رزاقي، أحمد حمدي، محمد زتيلي، عياش يحياوي، إدريس بوذيبة، محمد مفلاح، م. صالح حرزالله، العيد بن عروس، بشير خلف، محمد دحو، مصطفى فاسي، بلقاسم بن عبدالله، مخلوف عامر، ابن الأصيل، عبد القادر زيتوني، بختي بنعودة، محمد ساري وغيرهم.. واليوم وقد جاء المال كثيرا وغزيرا، لكن تراجعت أسماؤنا الكبيرة في بورصة الثقافة في بلادنا، وسقط ظلام كثيف على أسماء تحفر طريقها بقوة في الخارج وبعضها لم يغادر تراب هذا البلد وقد سبقه اسمه إلى الآفاق العربية أو الدولية.
* إن الجزائر الثقافية والأدبية ولود، في كل مرة يشارك فيها الكتاب الشباب بمسابقات أدبية دولية أو إقليمية إلا ويحدثوا المفاجآت، وهم المبدعون المهمشون وغير المعروفين ولا المعترف بهم فيما يسمى عندنا بالحياة الثقافية.
* إن الواقع الذي تعيشه الآليات الثقافية في بلادنا لم يعد يسمح بتوصيل أصوات جديدة.
* سأذكر لكم بعض أسماء شرفت الجزائر في منابر عربية ومتوسطية ودولية ولكن صوتها غير مسموع وغير موجود البتة في فضاءات الشرعية الثقافية الجزائرية.
* من منكم يعرف، أقصد القراء، أقصد أصحاب دور النشر وأقصد القيمين على المؤسسات الثقافية، من منكم يعرف قاصة اسمها جميلة طلباوي، هذه الكاتبة القادمة من بشار التي حصلت على جائزة أدب الطفل..!
* من منكم يعرف ذاك القاص المتميز الذي يحب الجلفة ويحب العادات النايلية بكل طقوسها، أعنيك يا صديقي أيها المبدع: يا عبد القادر حميدة الذي فاجأنا بحصوله على جائز "دبي الثقافية للإبداع" للقصة القصيرة في دورتها 2008/2009 شكرا لأنك كرمت القصة القصيرة بعد أن هجرناها جميعا.
* من منكم تحدث عن الروائي سمير قسيمي، صاحب "يوم رائع للموت" والذي قفز بجدارة أدبية إلى المراتب الأولى في تصفيات أكبر مسابقة عربية في الرواية، وأعني بها جائزة البوكر، فلولا هذا الاعتراف الذي جاءه من الخارج، ما كان لأحد أن يكتب عنه، وأتمنى ألا يقبره الإعلام والأصدقاء بمجرد انتهاء الحديث والجدل حول جائزة البوكر العربية. وأطلب من سمير قسيمي ألا يتأثر إن وجد الصمت حوله، وعليه أن يثابر ويستمر وسيعودون إليه في الموسم القادم، فلا تحزن يا صديقي..!
* من منكم يعرف الفنانة التشكيلية الشابة عتيقة بوبزاري هذه التي تذهب لست أدري لتشارك في واحدة من أكبر المسابقات العالمية وتحصد الجائزة الأولى.. شكرا لأناملك الصغيرة ولحسك الدافئ.
* من منكم يذكر شاعرة رقيقة حساسة تكلم عنها الجميع لأنها كانت في تصفيات مسابقة أمير الشعراء وأعني بها حنين عمر.. لا تيأسي يا أيتها الرقيقة...!
* ومن منكم يتذكر أو يسأل عن شاعر اسمه كشخصيته: رابح ظريف، اسم على مسمى، شاعر "ظريف" وعميق، لكن سعى دون جدوى إلى طلب شغل يليق به في باب الثقافة وشؤونها، و لكن..!؟ و هو الذي حمل ألوان الشعر الجزائري في تصفيات مسابقة أمير الشعراء، سامحنا أيها الشاعر الأمير.
*
من منا يذكر الشاعر عبد الرزاق بوكبة خارج برامج تليفزيونية قدمها أو حفلات ثقافية كان عريفا لها، وهو الذي كان من الأسماء الفائزة في مسابقة بيروت 39 والذي تنظمه مؤسسة "هاي فيستفال" بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية في إطار احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب.
*
من يعرف اسما لكاتبة جزائرية، شابة، تدعى فايزة غوين وهي التي حصدت أيضا إلى جانب عبد الرزاق بوكبة جائزة مسابقة بيروت 39، شكرا لك أيتها المبدعة وأنت في "النكرة" الشريفة.
*
من منا سمع السماع الثقافي عن شاعر مثير في كتاباته وفي تواضعه، من منكم يعرف الشاعر البشير بن عبد الرحمن الذي حصل على المرتبة الأولى في المسابقة الشعرية الدولية "تجمع شعراء بلا حدود" دورة محمود درويش 2009 !؟ سامحنا أيها الشاعر ولا تلتفت لأخطائنا فالشعر دليلك إلى المجد والوجود.
*
ماذا كانت ستكون الروائية الشابة فايزة قن، الكاتبة المتميزة والحدث الأدبي في فرنسا والتي حققت روايتها الأولى"كيف كيف غدا" أكبر مبيعات سنة 2004، ماذا كان سيكون مصيرها ومستقبلها الأدبي لو أنها وجدت في العاصمة أو وهران أو سوق اهراس..!؟ أكيد ستكون نسيا منسيا.
*
ماذا كان سيكون الروائي المبدع سليم باشي لو ظل في جامعة من جامعاتنا التي منها تخرج، كان سينتهي كما ينتهي عشرات المبدعين الذين تغتالهم الجامعة ويخنقهم الفضاء الثقافي.
*
ماذا كان سيكون مصير الروائي عمارة لخوص المقيم في إيطاليا والذي تحول إلى كاتب مثير للجدل لو أنه ظل في مقاهي العاصمة أو في مهاترات حول اتحاد الكتاب؟
*
هل كان يمكن للشاب خالد أو الشاب مامي أو الشيخة الريميتي الله يرحمها، هل كان لهم أن يكونوا ما هم عليه لو ظلوا في هذه البلاد. فمهرجان موسيقى "الراي "مع أنني لا أحب هذه الموسيقى ولا أسمعها" الذي كان من المفروض أن يكون مهرجانا لهذا البلد وأن تكون وهران المدينة الوازنة عاصمته الدولية، بوصفها مولده ومنتجة نجومه ومن خلال هذا المهرجان تصير المدينة مرجعا أساسيا وبوابة حقيقية للسياحة المتوسطية وعليه ينفض المهرجان قليلا من الموت عنها. والعجيب والمؤلم والمحزن هو أن جيراننا استولوا على المهرجان وأسكنوه مدينة لهم أقرب مدنهم جغرافيا إلى وهران وجعلوا منها بين عشية وضحاها مدينة لأكبر تظاهرة ثقافية عالمية لموسيقى "الراي" بمعدل حضور يقارب المليون سنويا.
*
حين أكتب بهذه المرارة والغيرة الطافحة، فأنا لا أحمل مؤسسات الدولة وحدها مسؤولية هذا الموت المبرمج و هذا الانهيار الصارخ فنحن أهل الثقافة والإبداع، و في المقام الأول، نتحمل كثيرا من تبعات هذا الخراب، نحن الفأس الذي به يحفر أعداء الثقافة قبرها وقبورنا، فالمثقفون غير منظمين، متخاصمون و في حرب شبه دائمة على التافه من الأمور، وقد أفسدوا جو وهواء منظماتهم، كمنظمة اتحاد الكتاب الجزائريين ومنظمة الناشرين وغيرهما...
*
وحدها الفضاءات والحلقات الثقافية المستدامة، تستطيع أن تخلق جوا لحماية المواهب ورعايتها والذهاب بها إلى الأمام.
*
وحدها الفضاءات الثقافية ذات التقاليد الرصينة والمؤسسة على الاختلاف لا الخلاف، قادرة على حماية ذاكرة المدن، وتأكيد حيويتها، وتجديد دمها، وتخليص مبدعيها من الموت والنسيان.
*
تساءلت عن كل هذا وبهذا الحزن الذي يشبه الرثاء، أيها الأصدقاء، و قد سكنتني الغيرة الزرقاء وأنا عائد من مدينة عمان، مدينة دخلتها في الثمانينات قرية ووجدتها اليوم مدينة بثقافتها وحياتها ومع ذلك يعمل أهلها ومثقفوها بحثا عن الأجمل والأجود وبأصوات نقدية حادة، لأنهم يعرفون بأن مهمة المثقف الذي يحب مدينته ووطنه هي أولا ممارسة النقد البناء الذي لا ينتمي إلى تصفيات حسابات ولا إلى نشر غسيل و إنما هو عتاب المحب للحبيب. و مع ذلك نقول لأولاد بلادي و بنات بلادي لا تيأسوا، إن أكبر عدو للمثقفين والمبدعين هو: ثقافة اليأس..!؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.