يعود الحديث عن موضوع عمالة الأطفال ما قبل السن القانونية ليطرح على مستوى المفتشيات العمالية، المكلفة بمتابعة عملية التشغيل بالمؤسسات الاقتصادية والمقاولات وبعض القطاعات الخاصة، التي تلجأ إلى الاستعانة بهذه الفئات الهشة للحفاظ على استمرارية نشاطها وتجاوز أزمة نقص اليد العاملة التي تعاني منها، خاصة في المجال الفلاحي وبدرجة أقل ورشات البناء، حيث ترتفع الظاهرة بولاية بومرداس في إطار ما يعرف بالعمالة الموسمية المتخصصة في جني المحاصيل الزراعية، بالأخص في شعبة الكروم التي تستقطب أعدادا كبيرة من كل الفئات العمرية بعيدا عن أعين الرقابة. تشكل مناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال مناسبة لعرض التجربة الجزائرية في مجال حماية الطفولة من كل أشكال الاستغلال ومنها الاستغلال الاقتصادي في بعض الأنشطة الصعبة التي لا تتناسب مع سنهم القانوني وقوتهم البدنية وهذا بفضل الترسانة القانونية التي أعدت لهذا الغرض والحرص على تكييفها دوريا بمقتضى الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن مع مختلف الهيئات الدولية الفاعلة المهتمة بشؤون الطفولة، بما فيها تشديد العقوبة على المستخدمين تصل الى السجن ودفع غرامات مالية معتبرة كان قد أشار إليها قانون المالية لسنة 2015. وعليه من خلال هذه التحركات كانت النتائج واضحة في الميدان بتقلص عدد الحالات المسجلة بفضل المتابعة والرقابة المستمرة للهيئات المختصة ومنها مفتشيات العمل على المستوى المحلي، مع ذلك تبقى هذه الجهود ناقصة ولا تشمل كل النشاطات الاقتصادية أبرزها تلك غير المصرح بها لدى المفتشية وصندوق الضمان الاجتماعي على غرار الأنشطة الفلاحية، البناء وبعض المهن الحرة والحرفية الأخرى التي تزداد انتشارا في الوسط الاجتماعي نتيجة الإقبال المتزايد عليها. ولاية بومرداس واحدة من الولايات التي تعرف حركية اقتصادية متنامية في المجال الفلاحي وقطاع البناء التي تعرف ديناميكية كبيرة حتى لدى الخواص فيما يتعلق بتشييد المنازل الخاصة التي تتطلب يد عاملة كبيرة من بنائين وعمال مساعدين وحتى حرفيين في ميدان الترصيص الصحي، صناعة الجبس وكهرباء العمارات وغيرها، أصبح التعامل معهم بالمواعيد وبأسعار خيالية خارجة عن كل التصنيف، لكن كل ذلك بعيدا عن أعين رقابة مفتشية العمل فيما تعلق بالحماية الاجتماعية والاطلاع على ظروف العمل ومحاربة ظاهرة الاستغلال للعمال الذين يتواجد بينهم نسبة كبيرة من القصر دون السن القانوني للعمل، وتجاوزات أخرى تتعلق بحرمان هذه الفئة من التأمين والتصريح لدى صندوق الضمان الاجتماعي. كما تحولت ظاهرة العمالة الموسمية في القطاع الفلاحي وخاصة شعبة الكروم وإنتاج عنب المائدة إلى اكبر تهديد تتعرض له فئة الأطفال والقصر بولاية بومرداس التي تستقطب سنويا في الفترة من بداية شهر جويلية إلى غاية نهاية شهر أكتوبر عشرات العمال حتى من الولايات المجاورة الذين يتجمعون في بعض النقاط المعروفة على أمل الحصول على فرصة عمل في الحقول، وكل ذلك خارج الإطار القانوني، وهو ما يستدعي تحركا من الجهات الوصية لتنظيم النشاط حماية لشريحة الأطفال والقصر وأغلبهم من التلاميذ المسرحين الذين غادروا مقاعد الدراسة، دون إهمال باقي الأنشطة الأخرى التجارية والمسترزقين من طاولات التجارة غير الشرعية على الأرصفة أغلبهم أطفال. تسجيل 4 مخالفات خلال 2019 في إطار المجهودات التي تبذلها مفتشية العمل لولاية بومرداس فيما تعلق بمراقبة عمالة الأطفال والقصر على مستوى المؤسسات الاقتصادية والصناعية التي تملك علاقات عمل مصرح بها، سجلت هذه الأخيرة 4 مخالفات سنة 2019 متعلقة بتشغيل قصر دون تصريح أبوي بمعنى الفئة التي يتراوح سنها ما بين 16 إلى 19 سنة التي سمح لها المشرع الجزائري بالعمل في حدود وبتصريح أبوي مسبق وهذا من مجموع 294 مؤسسة خضعت للتفتيش وتشغل 2116 عاملا، في حين لم تسجل المفتشية الولائية خلال السداسي الأول من السنة أية مخالفة بعد فحصها 237 تشغل 1407 عاملا، كما لم يتم تسجيل مخالفات فيما يخص فئة الأطفال ما دون 16 سنة التي لا يحق لها العمل بأي حال من الأحوال حسب التشريع الجزائري. مع ذلك يبقى الكثير من العمل التحسيسي مفروض القيام به من قبل هذه الهيئات لدى المشغلين والأولياء أيضا للتوعية بمخاطر التشغيل في هذه السن الحساسة من العمر والتذكير بطبيعة المتابعات القانونية والجزائية للمخالفين، وكذا أهمية الرقم الأخضر «11، 11» التي وضعته الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة تحت تصرف المواطنين للتبليغ عن كل الحالات الخاصة بعمالة الأطفال واستغلالهم ومنها القطاعات الاقتصادية والصناعية وكذا الفلاحية التي تستقطب هذه الفئة بداعي الحاجة الاجتماعية وإعالة الأسر المعدومة، وهي من اكبر التحديات التي تواجه الهيئات الاجتماعية المكلفة بحماية الطفولة وانتشالها من مخالب الاستغلال غير القانوني.
