كان 12 ديسمبر أكبر من كونه تاريخ الانتخابات الرئاسية لأن الصور التي صنعها المصوتون في مختلف مراكز الاقتراع جعلت منه درسا مهما كَتب بحروف من ذهب شجاعة الجزائري في اختيار الأفضل وإن سوِّق في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي على غير حقيقته، كسر قيودا كبلت عقله وحصرته في مطالبٍ أعطت البرلمان الأوروبي الجُرأة للتدخل في شأننا الداخلي. صور صنعتها نساء يحتقر الكثير منّا مستواهن التعليمي والمعيشي إلا أنهن واعيات لدرجة معرفة المنعرج الخطير الذي وضع الجزائر على فوهة بركان حممه حارقة لكن الوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا جعلها بردا وسلاما على الجزائريين الذين أثبتوا أن الوطن خط أحمر لا يمكن التلاعب به ولا يمكن السماح لأحد أن يُحول أبناءها إلى سلاح موجه ضدها، ولن يُخيّب الجزائري ساعة الحسم دماء الشهداء التي سالت على هذه الأرض الطاهرة لتحريرها من استعمار استطاع التجسد في صورة أخرى بغية التلاعب بشبابها وأبنائها، لكن هيهات أن تنطلي حيل الاستعباد على من كان يحمل هذا الوعي داخله. ...التقيت فتاة في عقدها الثاني في إحدى مراكز التصويت قالت إن التغيير يحتاج إلى أكثر من سنة أوسنتين و»لا يمكننا أن نبقى بعيدين عن العقلانية لأنها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر»، أما أول خطوة في التغيير فلن تكون بعيدة عنا لأننا القاعدة الأساسية له، هذا الوعي هو الحجر الأساس لبناء دولة قوية أما الشجاعة في مواجهة الموقف الذي وضع الجزائري محل شك في كل ما تعلق ب»الوطن» فهي الوصفة السحرية في تحويل موعد 12 ديسمبر صفحة جديدة أضافها التاريخ إلى كتابه في فصل اسمه «الجزائر». لعل المطلع على هذا الشق من التاريخ لن يندهش أبدا من تلك الصور التي رسمها المصوتون في مراكز الاقتراع، حتى هؤلاء الذين امتنعوا عن التصويت كانوا واعين بأهمية التصويت السلبي دون عنف، أوحرق أو منع من أراد الانتخاب من أداء واجبه، هي الحرية التي نرجو وجودها في احترام الآخر مهما كان مختلفا، فالاختلاف وليس الخلاف خطوة مهمة في ثراء الأمم وبناء مجتمع يحترم أفراده بعضهم بعضا، بل هي أهم خاصية يتميز بها من نرى فيهم التطور والتقدم لأنهم يحترمون الآخر مهما كانت صفته. الجميل في كل ما عاشته الجزائر في 12 ديسمبر أن كل من سألته عن سبب تصويته يجيب أنه الجزائر،لا يتكلم عن مرشحه المفضل بل عن الجزائر وأمنها واستقرارها، صور هؤلاء الشباب الذين أقدموا على اقتحام مكاتب الاقتراع وكسر الصناديق، أو صور تلك الحافلة التي أحرقها شباب بسبب حملها لصناديق الاقتراع، أو صور ذلك الشيخ الذي أصيب بخوف شديد ارتسم على وجهه بعدما طالبه شباب بالعدول عن أداء واجبه الانتخابي تعكس مدى انحراف هؤلاء عن جادة الصواب لأن اختلاف الآخر عنك لا يعطيك الحق في إقصائه. في أحد المراكز التي زرتها يوم الاقتراع وقف شاب أمامه وعند خروج الناخب يصفه ب»الخاين» أو»الكاشير» الغريب في الأمر أن الواصف (الشاب) كان في حالة توتر شديد أما ذاك من أدى واجبه الانتخابي فلم يهتم لما قاله بل مضى في طريقه دون أن يُعير الأمر أي اهتمام، ربما يتساءل البعض عن سبب ذلك لكن الحقيقة تؤكد أن الواثق فيما يفعله والمقتنع بحتمية ما يقوم به يجعله يترفع عن أي استفزاز، لأن المهزوز والضعيف فقط من يجعل من العنف لغة للتعبير عن أفكاره .