هناك أسباب شخصية أو جماعية تدعو للاٌلتجاء للدين، فقد يكون الدافع إحساس الفرد بالضعف أو التعرض للقهر وحالات الخوف الذي يعتري أي إنسان في حالات السلم والحرب، فالخوف شعور غريزي يظهر في الطفولة الأولى، والاٌلتجاء إلى الله عند المنتسبين إلى أي دين- يخفف من وطأة الإحساس بالضعف والعجز، ويدفع إلى طلب النجدة والعون والحماية من الله، ومناشدة كبار الأولياء الصالحين وزيارة الأضرحة. يجد المسلمون في تكرار الحجّ والعمرة والصوم في غير شهر رمضان والتكفير عن السيئات بالصدقات، الطريق إلى راحة النفس والتقليل من تأنيب الضمير، وقد جاء في القرآن الكريم آيتان هما: «إنّ النفس لأمّارة بالسوء» «والنفس اللوّامة» من المحتمل أن نجد فيهما المعاني السابقة. ويجد المسيحيون بمختلف مذاهبهم في الاٌعتراف أمام القساوسة وطلب الغفران طريقا للتخلّص من الذنوب والراحة النفسية، وقد وضع القديس أغسطين النوميدي الروماني كتابه الشهير بعنوان: الاعترافات، وهو مرجع إلى اليوم في اللاهوت المسيحي. ويرى بعض المختصين في تاريخ العلوم أن س.فرويد (S.Freud) ميلاهآدلر (Adler) ويونغ (Young) اٌقتبسوا منهج التحليل النفسي من الاعترافات أمام كهنة الكنيسة، حيث يكشف المريض بعد التنويم (Hipnose) أو تقنية الرورشاخ، أي الإسقاط على الرسوم العقد أو ما يعانيه من اضطرابات نفسية مرضية (Psychose) أو عقلية (Nèvrose)، ويوجد الآن في الجزائر كثير من المختصين في علم النفس الكلينيكي وعيادات مختصة في هذا النمط من العلاج. استغلال الدين للتطبيب واستطلاع المجهول في مجتمعنا تنشر الصحف وبعض مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن استغلال الخلفية الدينية للدعوة لتعاطي العلاج بالرقية والتعاويذ (الحروز) التي تستهوي البعض عندما يتعرّضون لأمراض مستعصية أو لتزويج البنات... وهي ظاهرة قديمة، ولا تقتصر على الفئات الشعبية المحدودة الدخل أو غير المتعلمين، بل يلجأ إليها البعض من الطبقات الوسطى والعليا والمتعلمون والجامعيون. كما ظهرت «دكاكين» تقدم العلاج لمختلف الأمراض بعنوان الطب النبوي، ومن الواضح أن نسبة هذا العلاج إلى النبيّ (ص) يزيد من الثقة فيه، ويعطيه رواجا ومصداقية في الأوساط التي أشرنا إليها سابقا، على الرغم من أنّ نبيّنا (ص) كان طبيب الروح والدعوة للتقوى والاعتدال في شؤون الدين والدنيا، أي لا إفراط ولا تفريط. ولا يعني ذلك التقليل من فوائد التطبيب بالأعشاب ووصفاته الصيدلانية التي يقول المختصون أنه ليس لها آثار جانبية. قد يكون الالتجاء إلى الدين الرغبة في استكشاف ما يخبئه الغد، وهو لا يخصّ المجتمعات الإسلامية فهو شائع بأشكال كبيرة في مجتمعات أخرى، تبدأ بالبحث عن الطالع في الجرائد اليومية وقراءة الكفّ والتأثّر بأحوال الطقس، والبحث عن مؤشرات للتفاؤل والتشاؤم مثل التبرك بشخص أو بحيوان للمراهنة في المباريات الرياضية والانتخابات. وهناك في الغرب ما يشبه «العيادات» تشرف عليها غالبا سيدات (بعضهنّ من الغجر) تقدّم النصح لعامة الناس وكذلك لكبار الساسة، فقد نقلت بعض الصحف الفرنسية أنّ الرئيس الأسبق فرنسوا ميتيران كان يواظب على استشارة السيدة شمس (Mme Soleil) أثناء حكمه. لقد عرفت أوروبا الغربية عهد الأنوار وانتشار الاكتشافات العلمية التي قلّصت من مساحة المجهول في الطبيعة والإنسان، كما ساهمت الجدلية المادية في إضعاف الروحانيات والتقليل من تأثير الكهنوتية بصفة مؤقتة في المنظومة الاشتراكية السابقة، ولكن الحاجة إلى قوّة روحانية يوفّرها الدين لم تختف أبدا في حالات الضيق والشدّة أو في الحالات العادية. نجد في سيرة كبار الفلاسفة العقلانيين في الغرب أعلاما ملتزمين بالدين نقرأ ذلك في مؤلفاتهم، نذكر منهم على سبيل المثال روني ديكارت (R.Déscartes) وباسكال (Pascal) ولايبنتز (G.W.Leibeniz). يبدو مما تقدّم أنّ إلغاء التديّن والعلاقة بالدين لم يتحقق أبدا باعتبار الدين الملجأ عند الحاجة في كلّ الأديان ..أمّا الدين الذريعة لأغراض إشهارية أو لتغطية أهداف شخصية نفعية أو حتى سياسية فإنّه بالإمكان التقليل من آثارها على الجمهور بالتوعية ونشر الثقافة العلمية من المدرسة الابتدائية إلى وسائط الثقافة العامة. إذا رجعنا إلى واقع الحال اليوم فإنّ التدين الذرائعي لا يزال يمارس حتى في بلاد قطعت شوطا كبيرا في التقدم العلمي، ومن الأمثلة على ذلك رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنجيل أمام مقرّ الرئاسة-البيت الأبيض- أثناء الاحتجاجات العارمة على قتل أحد الملونين (السود) من طرف الشرطة، وقد علّق خصمه الديموقراطي على ذلك قائلا بأنّ الرئيس لم يفتح الإنجيل في حياته، كما نقلت ذلك قناة س.ن.ن (C.N.N) الأمريكية. هناك أيضا دوافع سياسية وإيديولوجية للتشكيك في الفتوحات العلميّة فقد أنكر أحد المدرسين في الجامعة بأن نزول إنسان على سطح القمر ليس سوى خرافة روّجت لها هوليود في إطار السباق بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، والدليل أنهم اختاروا رائد فضاء باسم أرمسترونغ (Armstrong) سنة 1969 أي اليد القويّة، ومن الواضح أن هذا تفسير إيديولوجي لا علاقة له بعلوم الفضاء في المعسكرين. خلاصة وبدون التوّغل في أسباب ودوافع إظهار الانتماء الديني في بلدان تضع الصليب باعتباره رمزا وطنيا على أعلامها والصليب المعكوف في النظام النازي الألماني المسيحي جدا، ووصف جمهوريات بالإسلامية، كما هو الحال في باكستان وموريتانيا، وعودة العراق إلى علم يحمل جملة «الله أكبر» بعد مسحة علمانية ألغاها صدام حسين في آخر سنوات حكمه، يعني كل ذلك أن الدين الملجأ والدين الذريعة حالة دائمة، وإن تغيّرت دوافعه وأسبابه وفي نفس السياق تقول إسرائيل، إنها دولة يهودية عاصمتها أورشليم أي القدس وتذكر بهيكل سليمان وحائط المبكى تعتبر الدولة العبرية، يوم السبت مقدسا (كيبور) ويسهر على كل ذلك رجال الدين المتشدّدون، والجميع يضطهدون الفلسطينيين على مرأى من العالم الحرّ المدافع عن حقوق الإنسان، وإذا ارتفع صوت يدافع عن تلك الحقوق الأوّلية رفع آخرون قصّة المحرقة التي لا علاقة للعرب والمسلمين بها، ولكن جانبا من هذه المأساة يعود إليهم بسبب الغفلة والصراعات البينيّة، ولا نجد تعبيرا أفضل من قول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرح بميّت إيلام وقد عبّر آنشتاين عن هذه الحالة في مذكّراته بالجملة التالية: لا يتحرّر العبد إذا توهّم وهوّ نائم بأنّه حرّ.