الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على افتتاح أشغال الاجتماع السنوي لإطارات العتاد    الحراك الطلابي العالمي الدّاعم للفلسطينيّين يصل إلى كندا وأوروبا    كتابة الدّولة الأمريكة تُوجّه انتقادا حادّا للمخزن    الوعي المجتمعي لمواجهة التعصّب    تعزيز النشاطات الثقافية والفنية بالوسط الجامعي    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    استفادة ولاية معسكر من مجمع وقفي للأمير عبد القادر    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    1000 مليار لتعزيز الأمن في المطارات    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    تربية: التسجيلات في السنة الأولى ابتدائي بداية من هذه السنة عبر النظام المعلوماتي    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    انطلاق أشغال منتدى دافوس في الرياض بمشاركة عطاف    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    ممثلا لرئيس الجمهورية, العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    الجزائريان مسعود وبلقاضي يُتوّجان بالذهب    الكرة الطائرة/ بطولة إفريقيا للأندية/سيدات: جمعية بجاية تتغلب على ليتو تايم الكاميروني (3-2)    بوغالي يؤكد أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية فئة المسنين وتعزيز مكانتها الاجتماعية    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    خلال زيارة تفقد وعمل إلى سكيكدة: دربال يحمل مسؤوليه المحليين واقع قطاع الموارد المائية غير المقبول    خنشلة: التوقيع على اتفاقيتي تعاون مع مديريتي الشؤون الدينية والتكوين المهني    نريد ديناميكية ونجاعة وتلبية انشغالات المواطنين    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يثمن قرار خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: طرح الصعوبات التي يواجهها المخرجون الفلسطينيون بسبب الاحتلال الصهيوني    بغالي: الإذاعة الجزائرية ترافق الشباب حاملي المشاريع والمؤسسات الناشئة من خلال ندواتها    البليدة: إطلاق أول عملية تصدير لأقلام الأنسولين نحو السعودية من مصنع نوفو نورديسك ببوفاريك    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    حج 2024: دورة تدريبية خاصة بإطارات مكتب شؤون حجاج الجزائر    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : مولودية الجزائر تعمق الفارق في الصدارة وشبيبة القبائل تبتعد عن الخطر    كرة اليد (البطولة الإفريقية للأندية وهران-2024): تتويج الترجي التونسي على حساب الزمالك المصري (30-25)    تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    فلاحة/مؤسسات ناشئة: اطلاق الطبعة الرابعة لمسابقة الابتكار في قطاع الفلاحة في افريقيا    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    فتاة ضمن عصابة سرقة بالعنف    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف التنصير بالجزائر

100 جزائري يعمدون شهريا بولاية تيزي وزو لوحدها.... 32 كنيسة بروتستانتية تنشط بطريقة غير شرعية..والمطالبة بقطع أراضي لبناء أخرى. أكثر من 45 ألف كتاب تبشيري يطعن في الإسلام تم توزيعه خلال سنة 2008 ... آلاف المتنصرين يؤدون قداسهم كل جمعة داخل عشرات الكنائس الإنجيلية.... أموال تجمع داخل الكنيسة دون ترخيص من الجهات الأمنية... عشرات الأسر تنصرت..وسط مخاوف سكان المنطقة من حدوث فتنة بين أبناء العائلة الواحدة.
الحلقة الأولى
بعيدا عن الصورة النمطية التي سوقت لها وسائل إعلامية ورسمية حول ظاهرة "التنصير" بالجزائر ومنطقة القبائل تحديدا، ٍالمرتبطة في ذهن كثيرين بإقتطاع تأشيرة هجرة إلى الضفة الأخرى، أو توفير مزايا مادية وفرص عمل ودراسة بالخارج...
وأيا كانت صدقية هذه الصورة فإن إنتشار الظاهرة الرهيب في الفترة الأخيرة يحتم الوقوف عند جملة من التساؤلات الملحة بين إعتماد تطمينات الجهات الرسمية، بدء من وزارة غلام الله ومجلس بوعمران الشيخ المصّرين على توصيفها "ٍبالعابرة" التي ضخمت وسائل الإعلام من حجمها، وبين تصديق الحقائق المروعة التي تكشفت لنا في أرض الواقع على مدار خمسة أيام من عمر إجراء هذا التحقيق، متنقلين بين قرى ومداشر ولاية تيزي وزو... ٍ
فهل حقيقة "الجشع المادي" هو الدافع الوحيد وراء تخلي عشرات بل مئات الجزائريين شهريا، ومن جميع المراتب الإجتماعية والشرائح العمرية عن دين آبائهم؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟، وهل بالفعل أن الظاهرة لاتعدوا كونها موجة عابرة لا تستوجب كل هذا القلق؟، أم أن المسألة تتعلق بإستلاب ديني قد نلمس نتائجه المباشرة على المدى القريب؟، وإن كان هذا فبعد أكثر من عامين ونصف على سن قانون ممارسة الشعائر الدينية، هل ساهم هذا الأخير في الحد منها...وأين هو دور الجهات المسؤولة أمام كل الأرقام والصور التي تكشفت؟...
كل هذا وغيره ما سعينا إلى إماطة اللثام عنه عند إجرائنا هذا التحقيق الذي حاولنا من خلاله الإبتعاد عن إصدار أية أحكام قيمية لنضع قراء "البلاد" أمام الحقائق الموجودة على الأرض...
البداية كانت من تيزي وزو
اختيارنا ولاية تيزي وزو لإجراء هذا التحقيق، جاء نتيجة إشتهارها بأنها المنطقة الأكثر إستهدافا من طرف الحملات التبشيرية التي اكتسحت جهات عدة
داخل الجزائر، في البداية كنا مترددين بين الكشف عن هويتنا كصحفيين، وبين إخفاء حقيقتنا والتنكر بصفة أننا أشخاص يرغبون في التعرف على دين المسيحية، لأنك ببساطة عندما تفكر في زيارة معاقل نشاط "المنصريين الإنجيليين"، عليك أولا و قبل اتخاذ قرارك أن تفكر في الطريقة التي ستتغلغل من خلالها الى هذا العالم الغامض عنا نحن كجزائريين، خاصة وأن عمومنا كانوا لا يصدّقون أبداً إلى وقت قريب مضى أن هناك عرباً مسيحيون، لأننا ببساطة كنا نربط دائماً العروبة بالإسلام...
لكن وبعد إتصالات حثيثة كنا قد أجريناها مع جهات عروشية لها علاقة بالمشرفين على كنائس تيزي وزو، تم الإتفاق على أن نلتقي بشخص هناك ليرافقنا أثناء أداء المهمة ويشرف على تسهيل عملنا وتذليل جميع العقبات التي قد تواجهنا، سيما وأن زملاء لنا من المنطقة كانوا قد حذرونا من إمكانية أن توصد جميع الأبواب في وجوهنا خاصة إذا علم "المتنصرون" أننا صحفيون من جريدة تصدر باللغة العربية ومعروف أن خطها الإفتتاحي وطني
يرافع للدفاع عن الثوابت..
العروش من السياسة..إلى التنصير؟
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الظهر حينما إنطلقنا من نهج ديدوش مراد وسط العاصمة قاصدين وجهتنا، وعلى طول الطريق كنا نكرر إتصالنا بالشخص المفترض أن يصطحبنا في هذه المهمة لنتفق على المكان الذي سنلتقي فيه...دخلنا المدينة حيث أرشدنا عدد من رجال الشرطة إلى المكان الذي نقصده...وبعد مدة من البحث وصلنا إلى مرادنا، إنه مقر مداومة تنسيقية العروش المحاذي لثكنة عسكرية تابعة لقوات الجيش واقعة بوسط مدينة تيزي وزو، إستقبلنا هناك شخص في منتصف الثلاثينات من العمر يدعى "لخضر"، وهو أحد ممثلي العروش بالإضافة إلى كونه يدير مكتبا لإحدى الجرائد الناطقة بالفرنسية، قام بإدخالنا مباشرة إلى مقر المداومة الذي كان عبارة عن شقة أرضية تضم عدة مكاتب تتوسطها قاعة فسيحة، وزعت على جنباتها لوحات عرض ألصق فيها كم هائل من صور شباب المنطقة أثناء مظاهرات الربيع الأسود وأخرى لزعيم العروش بلعيد عبريكا والكثير من قصاصات الجرائد والمجلات المواكبة لتلك الأحداث... مكثنا قليلا لإلتقاط بعض أنفاسنا جراء التعب الذي لحقنا بسبب طول الطريق الذي زاده إرهاقا الزحمة المرورية الناجمة عن كثرة الحواجزالأمنية المنتشرة عبر مساره، وفي تلك الأثناء اتصل مستقبلنا بالشخص الذي سيوصلنا إلى مبتغانا، والذي كان بدوره ناشطا معروفا في صفوف حركة العروش قبل أن يتحول إلى النصرانية ويصبح أحد المبشرين لها...لنقرر فيما بعد اصطحاب لخضر من أجل استئناف المهمة الطوية التي تنتظرنا ..
فيلات فاخرة تتحول إلى كنائس يرتادها مئات المتنصريين يوميا
على بعد كيلومتر واحد من جامعة مولود معمري، إنعطفنا يسارا لنجد أنفسنا وسط حي راقي بإحدى ضواحي "المدينة الجديدة" إصطفت على حافتيه فيلات فخمة تشير إلى أن سكانه من الطبقة الثرية ميسورة الحال، وماهي إلا لحظات قليلة حتى أشار إلينا مرافقنا بركن السيارة أمام إحداها..كانت الفيلا المكونة من ثلاثة طوابق علامة في الجمال والإتقان خاصة وأنها ضمت فناء واسعا وحديقة محيطة به، إنتضرنا قليلا أمام البوابة الرئيسية قبل أن تتوقف سيارة بيضاء من طراز ألماني، وينزل منها شخص فهمنا فيما بعد أنه ذاته الذي كلمه مرافقنا..بادرنا بالتحية "مرحبا أنا إسمي رمضان، مسيحي الديانة منذ سنوات سأعرفكم بمسؤولي الكنيسة هنا"، اللافت في الأمر أن الفيلا لم تكن تحمل أية اشارات تدل على أنها كنيسة، دخلنا إلى الفناء فوجدنا مجموعة كبيرة من الشباب والشابات كانوا ينظرون إلينا بطريقة تحمل في ثناياها العديد من المعاني والمفردات، بين من يظننا "تائبين جدد" جاؤوا لإعلان عودتهم إلى "سبيل الخلاص"!!! وبين من يعتبرنا مجرد فضوليين أتوا لينقلوا على صفحات الجرائد خلاف ما يشاهدونه هنا..
جزائريون يقودون لواء التنصير خلفا للأباء البيض
تركنا رمضان "نغرق" للحظات في تفكيرنا قبل أن يعود مسرعا ليصعد بنا إلى الطابق الأول للقاء مسؤولي الكنيسة، وفي تلك الأثناء بدأت تتكشف لنا معالم وملامح المكان فهناك صلبان وشعارات مسيحية معلقة في كافة أرجاء البناية تشعر الزائر بأنه حقيقة في مكان يحمل دلالات دينية..هناك قبالة المدخل الرئيسي لقاعة "القداس" استقبلنا رجل ممتلىء الجثة في أوائل عقده الرابع قيل لنا بأنه "الراعي" الثاني في الكنيسة، ومصطلح الراعي كما فهمنا هي مرتبة مرادفة لصفة الإمام عند المسلمين..
في بداية حديثه معنا كان الراعي "طارق" كما يسمى حذرا ومتحفظا للغاية خاصة لما عرف أننا صحفيين، لكنه سرعان ماشرع يروي قصة "تحوله" من الإسلام إلى النصرانية، أخبرنا أنه اعتنق المسيحية سنة 89 لما كان طالبا في القسم النهائي، وبما أنه كان أحد أفراد عائلة كبيرة العدد وظرفها المادي ضعيف فإنه إضطر للذهاب إلى الجامعة من أجل التحضير لشهادة البكالويا، هناك تعرف على مجموعة من الشباب الذين دلوه على "الخلاص"!!!، ومن يومها صار كما يقول "هدفه الأول والأخير في الحياة هو نشر رسالة المحبة والسلام..التي جاء بها يسوع المسيح"، وحين سألناه عن كيفية تعايشه مع الأسرة والمحيط قال بأن جميع أفراد أسرته بدء من والديه وزوجته وأولاده وحتى أصهاره كلهم قد تركوا الإسلام وإعتنقوا المسيحية ، وعن سبب ذلك عبر قائلا "جميع أسرتي رأو بأم أعينهم معجزات المسيح، في السابق كنا مسلمين بالوراثة، وهذا هو الواقع لكننا لم نشعر يوما بأننا فعلا كذلك، ولما استهديت على طريق المسيح ناداني يسوع وقال لي: أحتاجك. فلبّيت النداء ومن يومها صار هدف نشر رسالة المسيح أهمشيء في حياتي، حصل ذلك في سنة 1996" مضيفا "بعد ذلك تلقيت نداء بوجوب الانتشار والدعوة إلى المسيحية في المنطقة.. فأتينا إلى هذا البيت الذي بنيته شيئاً فشيئاً وحولته إلى كنيسة نقيم صلواتنا فيها ونتلوا فيها الإنجيل منذ تلك المدة"، حاولنا مرارا أن نجره للحديث عن الجهة التي تمول نشاطاتهم وتتكفل بنفقات عيشه هو وباقي العاملين في الكنيسة، خاصة وأنه أخبرنا بأنه عمل فترة قصيرة في التعليم الثانوي قبل أن ينقطع كليا لخدمة الكنيسة، وهو حال باقي العاملين فيها، لكنه رفض الإفصاح عن الجهة الممولة مكتفيا بالقول "تبرعات الإخوة تكفي لتغطية هذه الحاجيات"..
"صالح" الراعي الأكبر في الكنيسة ومسؤولها الأول له حكاية مشابهة لحكاية طارق فهو يقول " لقد نادانا الرب واستجبنا لذلك، لأن المسيح هو الطريق وهو الحياة, قال لي أنا أحتاجك فسلّمت نفسي عن طريق تسليم روحي لخدمة يسوع"، الرواية ذاتها تكررت مع كريم وخالد وغيرهم من عشرات الجزائريين "المتحولين" إلى المسيحية، الذين باتوا يمثلون الوقود الحي لحملات التنصير بالمنطقة..
أكثر من 32 كنيسة غير شرعية.. والبقية تأتي
تضم ولاية تيزي وزو لوحدها أكثر من 32 كنيسة، نسبة 90 في المائة منها تابعة للمسيحيين البروتستانت، كما أن غالبيتها العضمى تعمل بطرق غير شرعية ودون الحصول على ترخيص من قبل الجهات الرسمية، جل هذه الكنائس هي عقارات خاصة حولها أصحابها إلى أماكن يلتقي فيها مئات "المتنصرين الجدد" لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، إلى جانب أنها تحوي مرافق أخرى مثل المكتبات ورياض الأطفال، أين يتم إستدراج شباب المنطقة الذين لم يتنصروا بعد عن طريق تقديم دروس دعم يلقيها أشخاص تابعون للكنيسة..هناك يجري إدماج الشباب المتردد على تلك المكتبات حيث يتم استقبالهم من قبل الرهبان ويتم تزويدهم بالكتب والمجلات التنصيرية وبأشرطة فيديو تحوي حصصا بالأمازيغية حول فضائل المسيحية..
حالة كمال الشاب صاحب الواحد وعشرين ربيعا إحدى تلك العينات الكثيرة والمتكررة التي قابلناها، يقول بأن بدايته مع المسيحية كانت سنة 2003 حين كان يومها يتردد على مكتبة تابعة لكنيسة قريته وهناك يقول بأنه تعرف على دين يسوع المسيح من خلال الكتب والمواعظ التي كان يلقيها من حين لآخر "أحد الرعاة"..
على مدار المناطق التي زرناها لم تكد تخلوا مدينة أو دشرة من وجود كنيسة أو مكان يجتمع فيه هؤلاء المتنصرون، ويبدوا أن تساهل الجهات الرسمية معهم وغض الطرف عن نشاط كنائسهم الغير مرخصة، دفع ببعضهم إلى مطالبة الدولة منحهم قطع أراض واسعة حتى يقيموا عليها كنائس تنافس في حجمها مساجد تلك المناطق..
الإنجيليين الجدد...يكتسحون بلاد القبائل
الشيء المريب الذي يشد الإنتباه أيضا في القضية، هو الإنتشار المهول لأتباع الكنيسة البروتستانتية على حساب أتباع المذاهب المسيحية الأخرى، فإذا كان الكاثوليك ينفُون بشدة إقدامهم على تنصير شبان جزائريين، لأن الكنيسة الكاثوليكية لا تبدي حماسة لانظمام الآتين من دِيانات أخرى إليها وتضعهم في الاختبار طيلة سنتين، "أملا بثنيهم عن موقفهم" على ما يذكر مسؤوليها، فإن البروتستانتية تقوم بحملات مكثفة لحمل شباب المنطقة على اعتناق المسيحية، مستخدمين في ذلك كل الأسلحة المُمكنة من إمكانات مادية وحِصص التلقين
باللغة الأمازيغية، وصولا إلى تسهيل مسار التعميد الذي قد لا يستغرق أكثر
من يومين.
ووفقا لهذا المنظور علمنا من مصادر مطلعة كنا قد التقيناها في عمر هذا التحقيق، أكدت لنا أن الكنيسة البروتستانتية هي الأكثر نشاطا من حيث اتساع وامتداد رقعة عمليات التنصير في مناطق القبائل الصغرى والكبرى مقارنة بالكنيسة الكاثوليكية..
أطفال دون سن العاشرة ينّصرون قَصرًا...فقط لأن آبائهم إرتدوا
ربما من حسن حضنا أن يتزامن تاريخ إجرائنا هذا التحقيق مع فترة دخول تلاميذ المدارس مرحلة العطلة الشتوية، لأن ذلك جعلنا نقف على حقائق طالما حاول المشرفون على حملات التبشير إخفائها والتستر عليها...أطفال من كلى الجنسين لاتتجاوز أعمارهم السن العاشرة يُأتى بهم إلى الكنيسة، ليخضعوا لعملية غسيل مخ تُطمس فيها جميع معالم الفطرة التي زرعت في أعماق عقولهم وقلوبهم الصغيرة...حوالي 60 طفلا شاهدناهم يجلسون على مقاعد وسط قاعة القداس التي يعلوها صليب خشبي ضخم، يقف إلى جانبه رجلان كان أحدهما يلقنهم أغاني وترانيم تجسد السيد المسيح في حين يتكفل الثاني بشرح كلمات تلك الأغاني ويروي لهم قصص من الإنجيل تتحدث عن ميلاد عيسى عليه السلام..
بادرنا بفتح عدسة الكاميرا لأخذ صورة المشهد لكن "طارق" سارع إلى منعنا من فعل ذلك بحجة "الحفاظ على خصوصيات الناس"، طالبنا بالتقرب منهم للمعرفة رؤيتهم فيما يجري من حولهم، لكن طلبنا هذا قوبل بالرفض لأسباب فهمنا دوافعها فيما بعد...سألنا "الراعي طارق" عن هوية أولياء هؤلاء الأطفال فأجاب بأنهم جميعهم مسيحيون يأتون بأبنائهم إلى الكنيسة ليتعلموا "دينهم الجديد"!!، وقال "نستغل فترات العطل لننظم إقامة لهؤلاء الأطفال قد تصل إلى أسبوع كامل، حيث يبيتون ويأكلون على حساب الكنيسة ويشاركون خلالها في الأغاني والعروض المسرحية طيلة مدة إقامتهم"...
لم نكتفي بما قاله لنا "طارق" وجربنا بعد رجوعنا في المرة الثانية لنحضر مراسيم القداس أن نقترب منهم أكثر ، وعقب محاولات مربكة وسط إنشغال الجمع الكبير الذي حضر لتأدية "الصلاة" إستطعنا أن ننفرد بإثنين منهم..
"ماسي" هو اسم ذاك الطفل الذي استطعنا الحديث معه، كان شكله المحبوب يحمل الكثير من ملامح البراءة والذكاء، لم يكن قد أطفأ شمعته التاسعة بعد...سألناه بعربية دارجة "واش جيت دير هنا" فأجابنا بفرنسية سليمة يعجز حتى بعض جامعيينا "للأسف" عن التحدث بمثلها "جئت لأصلي مع والداي"، قلنا له لمن تريد أن تصلي ؟، قال "لأجل يسوع"، وهل تعرف من هو يسوع؟.." نعم هو ربي الذي يحبني"، ثم سألنا ببراءة "وانتم من تحبون؟" فأجبناه "الله ولكن ليس يسوع"، حينئذ هز برأسه قائلا "آه عرفت من تقصد"، "إله محمد؟" فأجبناه "نعم"، ليعقب علينا بكلمة يقشعر البدن لسماعها "لكن محمد كاذب.."، كان وقع الكلمة كبيرا إلا أننا استرسلنا في الحديث معه لنعرف سر هذا الكلام الخطير "من قال لك هذا الكلام"، فأجاب بأن معلمه هو من أخبره بذلك، وفي تلك الأثناء ضحكت الطفلة "ليندة" التي كانت تقريبا في نفس سن "ماسي" وقالت "هو يقصد معلم الكنيسة وليس معلم المدرسة...لينصرفا بعدها إلى باقي الأطفال المتواجدون داخل المكتبة...هذه بعض الحالات التي خلفت جيلا جديدا من الأبرياء المتنصرين ذنبهم الوحيد أن أوليائهم قرروا ذات يوم أن يتحولوا إلى دين جديد، أرادوا أن يحملوه إلى فلذات أكبادهم كما حمّلوهم من قبل جيناتهم وكرموزوماتهم البيولوجية.
مسنين ونساء دفعهن الجهل والمرض إلى ترك دين الآباء
لم تقتصر تداعيات انتشار الظاهرة على فئة سنية بعينها بل إمتدت لتشمل بالإضافة إلى الشباب، شريحة أخرى طالما عرفت بتمسكها الشديد بأصول دينها الحنيف حتى ايام الإستعمار الفرنسي لدرجة صدقت فيها مقولة أحدهم "اللهم ارزقني ايمان العجائز"، لكن هاهي اليوم تقع في شراك ما فشلت فرنسا عن تحقيقه على مدار قرن ونصف من الزمن.. عجائز وشيوخ رغم السنين التي أعيتهم والعجز الذي طالهم، استطاع الجهل والمرض أن يفعل فعلته فيهم..العجوز وردية التي جاوزت الثمانين من عمرها أحد تلك الأمثلة الحية، فهي تقول أنها آمنت بعيسى المسيح لأنها لم تعرف طعم الراحة إلا بعد أن نالها الشفاء ببركة يسوع ...تخيلوا عشرات العجائز والشيوخ ممن إلتقيناهم كلهم أجمعوا على أن تحولهم إلى النصرانية جاء كما يقولون بعد شفائهم من أمراض معضلة فشلت جميع وسائل العلاج الأخرى في حلها، مظاهر تركتنا نتأكد من أن الجهل المطبق بمفاهيم الإسلام كان له العامل الأكبر في تفشي الظاهرة، فليس غريبا أن كون معظمهم لا يتكلم العربية ساهم في خلق حاجز تواصل كبير بينهم وبين فهم حقيقة الإسلام، معرفة وان توفرت في حدها الأدنى فانها لا تكفي لتقف حاجزا أمام ضغط وتأثير الأفكار التي يعمد المشرفون على حملات التنصير إلى نشرها في أوساط سكان القرى والمداشر.
كتب توزع مجانا تنعت الإسلام بالإرهاب ..وإمتهان المرأة
الإيمان الذي به نحيا، زوجة الراعي، الكنيسة المنتصرة، حقائق إيمانية ... عناوين كثيرة لكتب تبشيرية يتم توزيع الألاف منها أسبوعيا وبشكل مستمر على الزوار والحشود التي تحضر لأداء قداس الجمعة، وقد دلنا أحد المشرفين على عمليات التبشير رفض الإفصاح لنا عن اسمه أن عدد نسخ الكتب و الاناجيل التي وزعتها الكنيسة – مجانا – وفي عام واحد فقط بلغ أكثر من 45 ألف نسخة، جميعها تأتي من دول أجنبية مثل فرنسا، إيطاليا،أمريكا و لبنان بالإظافة إلى بعض الجامعات الأمريكية المنتشرة في دول عربية مثل مصر والأردن، كما توجد هناك بعض المطابع المحلية الخاصة التي تشرف على توفير هذه الكتب باللغة الأمازيغية، حيث ذكر محدثنا بأن لديها خطة ممنهجة ومراحل معينة تتبعها في نشر هذه الكتب بحسب الكمية والنوعية المطلوبة.
وتضم نسخا من هذه الكتب التي استطعنا الإطلاع على بعضها، مجموعة من القصص والروايات التي تدعم نشاطهم بالدعوة الى اعتناق النصرانية , والتنفير من الاسلام وكنموذج على ذلك، حوت رواية "قلوب ملتهبة" قصصا عن مسيحيات تقول بأنهن تعرضن لكافة أنواع القهر داخل دول إسلامية، بل لم تقتصر الرواية على هذا وإمتدت لتتطاول على القرآن والرموز والشعائر الإسلامية، ففي الوقت الذي تصور فيه المسيحيين على أنهم أناس صبورين يخوضون الاخطار ويتسمون بجمال الملامح وجلال المظهر وتألق الثياب وحسن السمت، فإنها تظهر بالمقابل المسلمين في أوصاف منحطة تتسم بالإرهاب والإنحراف، وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد بعض ما ورد في ذلك "وأخذ الإرهابيون المسلمون يهتفون الله أكبر...الله أكبر"، "أخذ أحد من الرجال رباطا وربطه حول رأسها وكان مكتوب عليه الله أكبر وبآخر قوة تبقت لها صرخت أديل دم يسوع المسيح أقوى من أي شيء.."، "وجاء رئيس جماعة الجهاد وسألهم..هل ستنكرون المسيح أم ستموتون"، "وبدأ الإرهابيون يقرأون كتابهم القرآن،وعندما انتهى ذلك بدءوا يرقصون مثل السكارى ويطلقون بنادقهم في الهواء يعلنون فرحتهم بتحويل المسيحيين إلى دينهم"، وتمعن هذه الكتب في اتهام الإسلام بإمتهان المرأة "في العالم الإسلامي يتوقعون أن تتزوج المرأة قبل سن الخامسة والعشرين، إذا لم تتزوج فهم يفترضون أنها عاهرة وعادة ما تسجن ويعاد تثقيفها وتزوج..".
كما وزعت كتب أخرى وضعت للاستدلال على صحة الإنجيل وسلامته من التحريف , مع اثارة الشك حول القرآن الكريم على أنه كتاب يحمل الكثير من التناقضات وبأنه من تأليف محمد "صلى الله عليه وسلم" بمساعدة من الصحابة.
لكن الشيء المهم الذي أثار انتباهنا، وجعلنا نطرح العديد من التساؤلات ونقاط الإستفهام حول هذه المسألة، هو عن الكيفية التي إستطاع المنصرون من خلالها تجاوز الحدود البرية والبحرية والجوية لتمرير كميات ضخمة من الكتب التنصيرية، مع أنّه كان جديرا أن يتم قطع الطريق وجوبا على أساليب التنصير الحالية في منطقة القبائل.
حفلات زفاف وجنائز تؤدى بالكنائس على الطريقة المسيحية
لم تقتصر التطبيقات المسيحية على الجوانب الدينية فقط بل طالت كذلك العادات الفردية والمظاهر الإجتماعية الأخرى، على غرار الزواج والإحتفالات الدينية والخاصة، بل وصل الأمر إلى درجة تأبين الأموات داخل الكنائس وإقامة مراسيم الجنازة على الطريقة المسيحية، بهذا أخبرنا الراعي "طارق" أن كنيسة المدينة الجديدة لوحدها عقدت خلال الصائفة الماضية أكثر من 45 حالة زفاف تمت بين "المتنصرين" حضر فيها أهالي وأقارب العروسين، كما تشرف الكنيسة على تجهيز الأموات لدفنهم في مقابر خاصة بهم.
خالد أحد هؤلاء الأشخاص، فهو يقول بأن عقد قرانه تم في الكنيسة شهر جويلية الماضي، وأن جميع أصدقائه حتى ممن لم يتنصروا قد شاركو في مراسيم حفل الزفاف الذي أقامه فيها، مضيفا "كيما يحق للمسلم يفتّح في الجامع، أنا من حقي كمسيحي نتزوج في الكنيسة"، في حين ذكرت "نا سعدية" أنها حضرت آخر تأبين لعجوز مسيحية توفيت منذ أكثر من شهر".
يتبع...
هكذا يؤدي مئات الجزائريين المتنصرين صلواتهم
الحلقة الثانية
جاء اليوم المنتظر لنشهد ولأول مرة طقوس أداء القداس، إنطلقنا من العاصمة على الساعة السابعة صباحا ذات يوم جمعة ممطر لنصل إلى :كنيسة المدينة الجديدة'' في تمام الساعة التاسعة، وبخلاف المرة السابقة كان باب الفيلا الرئيسي مشرعا أمام الوافدين الذين تقاطروا على ركن سياراتهم بجوار الحي... مئات الأشخاص من النساء والرجال من شتى الأعمار ومن مختلف بلديات ومداشر تيزي وزو لم يمنعهم المطر الغزير والبرد القارس المتولد عن إنخفاظ درجات الحرارة جراء تساقط الثلوج بمرتفعات جرجرة، من تكبد عناء التنقل وقطع كيلومترات طويلة لحضور قداس الجمعة...حتى الأطفال والطاعنين في السن أبوا إلا أن تنالهم ماسموه ''بركات وأنوار يسوع المسيح''.
وسط الباحة الرئيسية إلتف عشرات الشباب والشابات حول اصالحب كبير رعاة الكنيسة، وهناك أمام المكتبة تهافت آخرون من أجل الحصول على نسخ من آلاف الأناجيل و الكتب التبشيرية التي توزعها عليهم الكنيسة بالمجان كلها يتم جلبها من الخارج، أما في قاعة مجاورة أخرى فيجلس مئات الأطفال والفتيات دون سن العاشرة لتعرض عليهم أفلام كرتون وأغاني تجسد السيد المسيح كإله مخلص، ما إن حاولنا التقرب من نساء كن على مقربة منا حتى تقدم أحد العاملين في الكنيسة لم نتعرف عليه من قبل، بادرنا بالسؤال ''عفوا من أنتم..وماذا تريدون''عرفناه بهويتنا فبدى عليه نوع من القلق والإرتياب، ''ثم من سمح لكم بالدخول؟'' ..لكنه سرعان ما هدأ بعد تحققه بان الأمور قد رتبت سلفا مع الراعيان ''صالح'' و ''طارق''، إلتقينا بنساء كثيرات روين لنا قصة إرتدادهن عن الإسلام وتحولهن إلى المسيحية بسبب ''المعجزات'' التي ظهرت لهن باسم يسوع!، فهذه صليحة صاحبة الخمسة وأربعون ربيعا تقول بأنها كانت تعاني من ألام حادة في ساقيها لم تنفع معها جميع سبل العلاج الطبية، لكنها بمجرد ما صلى عليها راعي الكنيسة شفيت في الحين، وهو ما تقول أنه كان سببا في تنصرها وتعمدها سنة ,2002 روايات عديدة تكررت مع سعدية ،فطوم ،علجية وغيرهن كثيرات ممن إقتنعن بأن إيمانهن بربوبية عيسى هو السبيل ''للخلاص من جميع المشاكل والهموم''...
صلاة على وقع التكنولوجيا
بعدما وقفنا على حالات وعينات قد لاتكون شاذة وسط التفاقم الكبير للضاهرة ، صعدنا إلى قاعة الصلاة الموجودة في الطابق الأول، وهي عبارة عن قاعة فسيحة رص بداخلها حوالي 400 مقعد، لم تكن تشبه قاعات الصلاة التي اعتدنا مشاهدتها داخل الكنائس الكبيرة على غرار كنيسة السيدة الإفريقية المتمركزة بأعالي العاصمة، كانت بسيطة و خالية من التماثيل والزخارف عدا بعض اللوحات الحائطية الممجدة للسيد المسيح، في وسط القاعة توجد مسطبة كبيرة وضع خلفها صليب ضخم إلى جانب مجموعة متكاملة من الألات الموسيقية شكلها يوحي بأنها باهضة الثمن، وعلى طرفي المسطبة نصبت لوحتي عرض كبيرتين مقابلتان لجهازي ''داتاشو'' لنقل جميع تفاصيل ''الصلاة'' من مختلف زوايا القاعة بواسطة كمرات احترافية يقوم عليها شخصان مهمة أحدهما ضبط أجهزة الصوت ...الشيء اللافت في صالة ''التعّبد'' تلك أنها كانت مزودة بتقنيات تكنولوجية عالية تفتقر إليها حتى بعض جامعاتنا الرسمية، مايطرح علامة استفهام كبيرة عن مصدر تمويل مثل تلك المعدات باهضة التكاليف ..
هيستيريا مصحوبة بالغناء والرقص..
تنتهي بعناق وقبلات بين شباب وفتيات مراهقات كانت الساعة تشير إلى قرابة العاشرة إلا ربع حين اكتظت القاعة بأكثر من 500 شخص من كلا الجنسين، صعد القس طارق إلى المنصة مصحوبا بمجموعة من الشباب والفتيات تبين في مابعد أنهم الفريق الصوتي والموسيقي للكنيسة، كان يرتدي بدلة عصرية سوداء وربطة عنق ذكرتنا بالقساوسة الإنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعتمدون نفس الطريقة والأسلوب في إقامة القداس.. استلم على إثرها الميكروفون ودعا جميع الحاضرين للقيام من أجل تقديم التهاني وتبادل القبلات فيما بينهم بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة، وهو ما جرى بالفعل حيث اجتاحت القاعة موجة من العناق والقبلات بين الجميع ومن دون استثناء.. نساء متزوجات قبلن رجالا غرباء عنهن أمام مرأى من أزواجهن.. شباب مراهقون ومراهقات يتعانقون ويقبلون بعضهم البعض بحضور أوليائهم وعائلاتهم دون أدنى حياء أو تحرج، وهو حال ''نا سعدية'' الجالسة بجوارنا التي بادرتنا بالتهاني والقبلات.. تلك المرأة الرهيفة التي استغل رجال الكنيسة طيبتها ليوهموها أن ''المسيحية دين الحب والرحمة والسلام''، على عكس الإسلام الذي يتهمونه ''بتفريخ الإرهابيين وإدخال البلاد في أتون العشرية السوداء''. بعدها شرع الراعي طارق في الدعاء لجميع المشاركين ب ''قداس الجمعة'' من أجل ''إبعاد الشياطين'' ورفع البلاء عن المرضى المصابين الذين تخلفوا عن مشاركتهم في هذه المرة، ليعقبه مباشرة ترديد مجموعة من الأغاني بالأمازيغية والفرنسية بعضها مستوحاة من الإنجيل، تتقدمها في كل مرة كلمة ''هاليلوليا.. هاليلوليا'' التي تعني في لغة المسيح الآرمية القديمة لفظة ''الله''، إلى جانب كلمات أخرى لم يتيسر لنا فهم معناها كان الراعي ''طارق'' يتمتم بها بين الفينة والأخرى، عند استهلال كل فقرة من الفقرات الغنائية، على أنغام خاصة ممزوجة بالألحان القبائلية تارة وبالموسيقى الغربية تارة أخرى. والمثير للانتباه أن الحاضرين المتوزعين عبر مختلف الأعمار والفئات، كلهم كانوا يرددون مع ''الراعي'' تلك الأغاني التي يحفظونها عن ظهر قلب، ما يوحي أن مراسيم القداس تتكرر نفسها على مدار جميع الأسابيع.. لتتصاعد بعدها وتيرة الإيقاع ويدخل الجميع في طقوس ''الحضرة'' والرقص الهستيري المصاحب للغناء، مع ما يرافقه من تأثر وبكاء من طرف بعض الشابات والشباب، قبل أن يُغمى على بعض الحضور بفعل حالة ''الوُجد'' والصخب الذي شهده المجلس، والذي اعتدنا مشاهدته في احتفالات الطرق الصوفية، مع التركيز على أدعية الاستشفاء الروحاني التي تجد صدى لها داخل القاعة، والتي كثيرا ما يتخذها المنصرون حجة تؤكد شفاء المرضى ببركة المسيح!، كون الصحة هي نقطة ضعف الجميع هنا باعتبار أن اغلب الذين استجوبناهم كانوا يعانون من أمراض قبل اعتناقهم المسيحية. المسلمون أعداء الله.. آيات القرآن مادة للتندر والسخرية في خطب القداس في تلك الأثناء تنحى طارق عن المنصة ليفسح المجال أمام الراعي ''كريم''، الذي فتح نسخة من الإنجيل لينطلق في تفسير ما كان يقرأه بالفرنسية عبر ترجمته إلى اللغة الأمازيغية، حيث أشار إلى أن أعداء المسيح هم أعداء الله... وأن المسيح جعل منهم رجال الحق.. والمعادون للمسيح في الجزائر هم رجال الباطل ''إنهم أعداء الله''... في إشارة واضحة إلى عموم الجزائريين الذين يدينون بالإسلام، داعيا بالمقابل الجميع للصلاة كي ''يفترق أعداءنا'' قبل أن يستدل على أمره بان الله حينما ينهض يفترق أعداءه، لكن الأمر المثير في المسألة، هو إقدام الراعي ''طارق'' على إثبات ربوبية المسيح وصحة مزاعم الصلب بذكر الآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن بنوع من السخرية والاستهزاء، مكذبا بذلك ما جاء فيها وسط موجة من السخرية المصحوبة بمجموعة من التعاليق والضحكات التي عمّت أرجاء القاعة.
كؤوس الخمر لتذكر دم المسيح!!
ما هي إلا لحظات حتى شاهدنا العاملين في الكنيسة يضعون كؤوسا كبيرة الحجم مملوءة بشراب يميل إلى السواد أمام القس حتى يباركها، في بداية الأمر ظنناها شايا أو نوعا من العصير، لكن بمجرد ما إن بدأت تلك القداح تطوف صفوف الجالسين داخل القاعة حتى أخذت رائحة مقرفة تنتشر منها، زكمت أنوفنا ليتبين لنا نوع ذلك الشراب ..إنه ''الروج'' أحد أشهر أنواع الخمور المستهلكة في الجزائر..الكل ومن دون استثناء شرب من تلك الأقداح.. رجال ونساء شباب وشيّاب جميعهم كان لهم نصيبهم من الخمر المباركة... خمرة يقول المتنصرون إنها كانت آخر عشاء تناوله السيد المسيح رفقة تلامذته قبل أن يصلب، وبذلك فإن شربهم له يذكرهم بدم يسوع المسفوح على الصليب لفداء البشر من الخطايا!!، أما قطع الخبز الصغيرة التي رافقت توزيع ''الروج'' فهي تمثل جسد سيدنا عيسى -عليه السلام-، طقوس وممارسات حصلت أثناء ''القداس'' جعلتنا نعتقد أنها أصبحت قريبة من كل شيء إلا من كونها وسيلة يُتقرب بها إلى الله...
كامرات مراقبة.. وأعوان أمن يرصدون كل صغيرة وكبيرة
في خارج الكنيسة كما في داخلها نصبت كامرات مراقبة ترصد كل التحركات التي تجري حول محيط ''الفيلا الكنيسة''. ففي الداخل وضع أكثر من 15 عون مراقبة يسهرون على السير الحسن لطقوس ''القداس''، ويشرفون على متابعة كل شاردة وواردة تحصل هناك، بعضهم يقوم على ترتيب جلوس الحاضرين داخل القاعة التي ظهرت صغيرة لاستقطاب العدد الهائل من المصلين، رغم أن كل الكراسي فيها كانت محجوزة إلا أن جموع ''المصلين'' ضلوا يتوافدون عليها، كثير منهم بقوا واقفين وسط الازدحام الشديد. في حين ذهب الآخرون إلى واحدة من القاعات المتواجدة بالطابق الأرضي التي لم تتسع هي الأخرى لاستيعاب الحشود المتوافدة من القرى والمداشر البعيدة لتيزي وزو. كل هذا جعل أعوان الأمن المتميزين عن غيرهم بصدريات برتقالية اللون، يسعون جاهدين لإيجاد مكان لكل من يأتي متأخرا، اثنان منهم لم تكن مهمتهما أكثر من مراقبة كافة تحركاتنا وكلامنا وهو ما حال بيننا وبين التقاط صور الهستيريا والطقوس التي صاحبت الجلسة طيلة أكثر من أربع ساعات، على اعتبار أن هناك نساء لديهن مشاكل عائلية بسبب تنصرهن ولا يرغبن في أن تؤخذ لهم الصور داخل الكنيسة. حاولنا طبعا الاستفسار إن كان هؤلاء الأعوان يتقاضون أجرا لقاء عملهم هذا، لكنهم رفضوا تقديم أي معلومة بهذا الشأن، مكتفين بالقول ''إنهم هنا من أجل الرب!!''.
يتبع...
عائلات تنصّرت بالكامل.. ولم يبق من أفرادها من يَدين بالإسلام ...70 شخصا يُعمّدون شهريا بتيزي وزو فقط
الحلقة الثالثة والأخيرة
الأربعاء ناث ايراثن ...حين تصبح الظاهرة أمرا واقعا يجب التعايش معه!
هناك في أعالي جرجرة وعلى بعد 30 كلم من وسط مدينة تيزي وزو، استقلينا السيارة وتوجهنا إلى مدينة طالما عرف عنها بأنها الأكثر استقطابا واستنزافا من قبل الجماعات التبشيرية،...الأربعاء ناث ايراثن تلك المدينة التي احتضنت قراها ومداشرها ثورة التحرير المباركة وخرّجت عشرات الشهداء، هاهي اليوم تقع ضحية مخططات ارتبط حاضرها بجذور ذلك الماضي القريب الذي سعى فيه أحفاد الكاردينال لافيجري إلى تغيير معالم وهوية شعب طالما انغرس حب الإسلام وتعظيم القرآن في قلبه كتجذر أشجار الزيتون التي يرى فيها الإنسان الأمازيغي رمز حياته وبقائه
ان الوقت ظهرا حين وصلنا إلى قلب المدينة بعد اجتيازنا لطرقاتها الجبلية الملتوية المطلة على مناظر خلابة تنضح بالخضرة، تغري المرء بالتوقف لاستنشاق نسيمها العليل وأخذ صور للذكرى.. استقبلنا هناك أحد العروشيين الذي رتبنا معه اللقاء مسبقا، قبل أن نطلب منه اصطحابنا لأحد المطاعم نسد فيه رمقنا، ليفاجئنا بسؤال لم يكن متوقعا ''هل تريدان مطعما بالكحول'' فأجبنا بالنفي، ليستدرك قائلا ''هنا جل المطاعم تبيع الخمر، لكن هناك واحد يطلق عليه مطعم المسجد لاتوجد فيه كحول''، فأشرنا عليه بأن يأخذنا إليه... مالفت انتباهنا على طول الطريق هو أن جميع المحال التجارية قد زينت مداخلها وواجهاتها بشجرة عيد الميلاد المضيئة بالمصابيح مختلفة الأشكال والألوان، وحلويات لابيش صارت تصنع الحدث بتلك المنطقة التي كانت تستقبل العام الجديد على أنغام ''معطوب الوناس''، حتى يخيل للزائر أنه في واحدة من المدن الجبيلة الأوروبية... حكاية التنصير في ''لارفعا'' كما ينطقها السكان المحليون، متشعبة ومقلقة في نفس الوقت، فهذه البلدية التابعة لولاية تيزي وزو والتي تضم كثافة سكانية تقدر بحوالي 12 ألف نسمة، أخذت فيها مسألة التبشير بالمسيحية أبعادا ومنعطفات أخرى، فهي تحوي كما صرح المشرفون على رعاية المتنصرين بها حوالي 4 كنائس موزعة على أربع مداشر، بعض سكان تلك القرى الجبلية النائية اتخذوا من مساكنهم الخاصة كنائس ومدارس للتبشير انتشرت في كل المنطقة، بعضها بعلم السلطات الرسمية رغم عدم حصولها على رخصة والبعض الآخر دون علم منها ولا ترخيص.
وبحسب ما ذكر لنا، فإن المدينة تشهد شهريا تعميد أزيد من 30 شخصا أي بمعدل شخصين يوميا يرتدون إلى النصرانية، خاصة إذا علمنا أن نسبة الأشخاص الذين يتم تعميدهم هم أقل من ربع العدد الإجمالي للمتنصرين، وهو ما ينبئ -حسب مصادر مطلعة- أن المسألة قد جاوزت أبعاد الظاهرة لتصبح أمرا واقعا يجب مواجهته والتعامل معه على هذا الأساس.
قرية تاوريث...''عقال'' الدشرة يدقون ناقوس الخطر
''أصبحنا نطالب إمام المسجد أن يقدم خطابا متسامحا، لتفادي وقوع فتنة بين أبناء الدشرة والعائلة الواحدة''... نعم كانت هذه هي العبارة التي بادرتنا بها جماعة من ''عقال'' ''تاوريث'' التي تعد واحدة من المداشر النائية لبلدية الأربعاء ناث ايراثن، ما أن علموا بأننا صحفيين نسعى إلى تقصي حقائق التنصير بالمنطقة حتى بادرونا بجملة من الحقائق والمعطيات المثيرة التي وقفت ''البلاد'' على جانب منها..''جعفر'' المسؤول العروشي رقم واحد في القرية وضعنا في صورة الوضع هنا، عشرات الأسر تنصر جميع أفرادها ولم يبق منهم أحد يدين بالإسلام، عائلات أخرى تحول بعض أفرادها إلى المسيحية، يقول جعفر إن جميع سكان تاوريت قد طالت بيوتهم ''الظاهرة'' لدرجة ''دفعتنا إلى مطالبة الإمام باعتماد خطاب ديني متسامح بحيث نعيش جميعنا في إطار واحد، لقبر أي فتنة إن نشبت فإنها ستكون حربا بين الأب وابنه والأخ وأخيه والمرأة وزوجها'' وأضاف ''أعتقد أن الأمر قد تجاوزنا كثيرا ولا مجال أمامنا للوقوف أمام هذا التيار غير القبول بالواقع الحالي والتعايش فيما بيننا''.
على أطراف القرية تقع كنيسة صغيرة يرتادها أسبوعيا مئات المتنصريين الإنجيليين، قادنا إليها ''ابراهيم'' الذي دخل في المسيحية منذ قرابة الأربع سنوات، كل العوامل تجمعت وتحالفت لترسم ديكورا يفتح المجال خصبا أمام شبكات الإنجيليين لتتلقف شباب وسكان المنطقة... دشرة الداخل إليها ليس كالخارج منها لغة مغايرة..دين مغاير.. تضاريس وعرة...راغ رهيب..بالإضافة إلى الغياب التام لسلطة الدولة.. فهنا لا درك ولا شرطة ولا قضاء كل المشاكل والنزاعات تعرض على ''عقال'' الدشرة.. أمام أحد ''الفراجات'' وقفنا ننتظر لحظات حتى أحاط بنا أربعة شباب، قالوا إنهم مسيحيون، أسماؤهم لا تدل على ذلك خالد، سمير وغيرهم كل له حكاية مع التنصير، سمير صاحب ال29 سنة يقول ''كنت من المترددين على المسجد وفي مرة مرضت مرضا لم ينفع معه العلاج إلا بعد أن تعرفت على يسوع، أعجبني الدين المسيحي، خاصة وأنه يبيح كل شيء من مأكل ومشرب، خمر وبالأخص النساء''، وعن علاقته بأسرته بعد ارتداده يقول ''جميع أفراد أسرتي لازالوا مسلمين فأنا الوحيد الذي تحولت إلى دين يسوع، والدي في بادئ الأمر طردني من البيت لكن مع مرور الوقت تقبلوني على مضض داخل العائلة''، يضيف ''في رمضان كنت أصوم برغم أني لم أكن مسلما لأني استثقلت على نفسي أن أفطر في النهار، لكن لما حان وقت المغرب وهممت لأجلس مع العائلة على مائدة الفطور نهرني والدي ووصفني بالكافر ومن يومها صرت آكل في نهار رمضان''.
بعدما وقفنا على حالات وعينات قد لاتكون حالة شاذة وسط التفاقم الكبير للظاهرة، قفلنا راجعين وفي قرارات أذهاننا تداخلت الصور والمعطيات المتكشفة والتي لا يتسع حجم المقال لذكرها، إذ لم نتحدث إلا عن الشيء القليل الذي لاحظناه وشاهدناه في واقع أقل ما يقال عنه إنه مثير ومقلق مع التحفظ بكل ماتعنيه الكلمة من معاني...
لقد وقفت ''البلاد'' على مدار عمر هذا التحقيق، على وضع مريع يحدث بجزء عزيز غال من أرض الجزائر، هذه الصفة لم نجد أبلغ منها تعبيرا عن حجم الخطر والتحدي الحقيقي الذي باتت تطرحه اليوم الحملات التنصيرية البروتستنتية على مستقبل المنطقة والجزائر برمتها، وضعية قد نتحدث عنها يوما لاقدر الله بأنها كانت سببا في حدوث تدخلات من دول أجنبية تدّعي الدفاع عن حقوق الأقلية المسيحية في الجزائر...
70شخصا يُعمّدون شهريا بتيزي وزو فقط
كشف لنا المبشر ''صالح'' الذي يعد أحد أكثر الرعاة الإنجيليين نشاطا على مستوى منطقة القبائل، أن كنائس تيزي وزو المنتشرة عبر مدن ومداشر الولاية تشهد شهريا لوحدها تعميد أكثر من 70 شخصا من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، موضحا أن الفترات المطلوبة لتعميد الأشخاص المتنصرين حديثا، تختلف بحسب تجاوب كل واحد من هؤلاء مع الشروط المطلوبة لإجراء عملية التعميد، وذكر أن هذه الفترات تتراوح بين شهر واحد وسنتين، مشيرا بالمقابل إلى أن ''كنائس'' مدينة تيزي وزو، واضية، الأربعاء نات إيراثن إضافة إلى بوغني، هي التي تشهد أكثر عمليات تعميد ''المرتدين الجدد'' إلى المسيحية.
والتعميد أو مٍجُّفق مٌ كما يسمى بالفرنسية هو أحد الطقوس التي يعتمدها النصارى كدليل على ''تطهير'' الشخص ودخوله بشكل رسمي في الديانة المسيحية، حيث يقوم القس أو الراعي بغطس الشخص المتعمد في حوض كبير من الماء ثم يخرج منه، ويتم التعميد في عدد من الكنائس الواقعة في قرى ومداشر جبلية باللجوء إلى المياه الطبيعة على ضفاف الأودية و الأنهار، أين يقرأ القسيس عند التعميد هذه العبارة المقتبسة من أحد أناجيلهم المحرفة ''إني أعمدك باسم الأب والابن وروح القدس''، كما درجت العادة أن يكون التعميد جماعيا حيث ينظم يوم خاص يجمع فيه جميع الراغبين في هذه العملية ليتم تعميد كل فرد منهم على حدى.
وحول رمزية العملية، ذكر الراعي طارق الذي عمد على يديه كما يقول أكثر من 300 شخص موزعين بين رجال نساء، أنها ''سر الأسرار المسيحية وأساسها، فهو الدخول في الجماعة المسيحية، وهو الوسيلة التي بها يمنحه الله سائر المفاعيل الناتجة عن حياة عيسى وموته''، مضيفا أن
''الحكمة من التعميد يكون عن طريق التركيز على الخلاص من الخطيئة''.
تحقيق أحمد .جوامعي/ياسمينة.مرزوق
إنتهى ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.