قدّم المحامي الفرنسي سيرج بوتو، أمس الثلاثاء بفندق السوفيتال بالعاصمة، كتابه “فرنساالجزائر، من جانب الضفتين”، الصادر شهر أفريل الفارط عن دار لارماتان. وتحدث بوتو عن تجربته بالجزائر، والعلاقة الحميمة التي تجمعه بها، والتي دفعته إلى الكتابة عنها، كما تطرق إلى بعض النقاط الواردة في الكتاب على غرار جرائم فرنسا في الجزائر، ومستقبل العلاقات بين البلدين كما يراها الكاتب، بل وحتى الشباب الفرنسيين من أصول مغاربية. بطريقة عفوية وأشبه بالكتابة السيرية، يفتتح سيرج بوتو كتابه “فرنساالجزائر، من جانب الضفتين” “France – Algérie , du côté des deux rives” بالحديث عن بداية علاقته بالجزائر، قائلا إنه لا شيء كان يبين أن قدره مرتبط بهذه البلاد، فقد أدى خدمته العسكرية مع المظليين في السنغال، وكان يميل إلى التبشير ويتوق إلى اكتشاف القرى الأفريقية، يؤكد بوتو في حديثه أمام جمهور القرّاء والصحفيين بقاعة السوفيتال. «غير أن التدابير الإدارية كانت تتعثر ومنذ عودتي إلى فرنسا بدأ صبري ينفد”، ليقترح عليه فرانسوا فيري الذهاب للتدريس في مدرسة ابتدائية ببلاد القبائل: “وصلت إذن مطلع جويلية 1964 إلى الجزائر العاصمة، مع بعض المال وكيس سفر وعنوانا بحي تيليملي بأعالي العاصمة”، يسرد بوتو في مطلع مقدمة الكتاب تحت عنوان “جزائري، 1964 1968”. وحين حديثه عن سبب تأليفه الكتاب، استشهد المحامي الفرنسي بهذه القصة، وكيف ساهمت الأقدار في أن يحطّ الرحال بهذه البلاد، وكيف ارتبط قدره بها في أكثر من مناسبة، علاقة تصل حدّ الولع، وتتغلغل في تفاصيل حياته الشخصية، حتى أنه التقى زوجته بالجزائر، وفي ذلك يقول: “عرفتُ الحب في الجزائر، وفي كتابي أتحدث أيضا عن حبي للجزائر.. لذلك أردت الكتابة عن هذه البلاد”، يؤكد سيرج. ولكن الكتاب ليس مجرّد سيرة ذاتية أو سلّة جُمعت فيها القصص والذكريات، يسردها المدرّس بباب الوادي والقصبة غداة الاستقلال، حيث قام الدكتور سيرج بوتو، الحاصل على دكتوراه في القانون واقتصاد الدول الأفريقية، بتقسيم كتابه إلى 18 فصلا، موزعة على قرابة 300 صفحة، وإلى جانب المقدمة السابق ذكرها، نجد فصلا عن “فرنسا والعالم العربي” عاد فيه إلى علاقة فرنسا عبر التاريخ بالعرب والحضارة العربية الإسلامية، وفصلا ثانيا عنوانه “احتلال الجزائر وتنظيم النظام الكولونيالي”، ثم ثالثا عن “الكفاح المسلّح من أجل الاستقلال”، ورابعا عن “دور الأممالمتحدة في الاستقلال”، وفي تقديمه لهذا الفصل قال بوتو إن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مبدأ كانت تستعمله فرنسا الاستعمارية لمنع التطرق إلى الجزائر في الأممالمتحدة، ثم “اتفاقيات إيفيان وتطبيقها” في فصل خامس، يليه فصل سادس عن “الجزائر المستقلة والعلاقات مع فرنسا”. ويواصل المؤلف التطرق إلى مختلف القضايا معتمدا ترتيبا كرونولوجيا، حيث نجد فصولا عن “سيطرة الجزائر على ثرواتها البترولية”، و«التجارب النووية في الصحراء والضحايا”، ثم “ضحايا السنوات السود”، ويقصد هنا “المختفين والمفقودين من الطرفين” على حدّ تعبيره، ثم “من شهادة إقامة إلى ازدواجية الجنسية”، “العلاقات التجارية بين الشركات الفرنسية والجزائرية”، “الرياضة بين الماضي والحاضر”، وهنا أشار بوتو إلى عدد من أحسن الللاعبين “الفرنسيين” الذين كانوا اللاعبين الجزائريين، وذكر على سبيل المثال رشيد مخلوفي، “الدفع الجديد للتعاون”، “روابط مدعّمة مع اتفاقيات التعاون الجديدة”، “التعاون في المتوسط”، “الجزائر والاتحاد الأوروبي”، “فرنسا، الإسلام واللائكية”، وأخير الفصل الثامن عشر تحت عنوان “الدعوة إلى الجهاد”.. وفي هذا الفصل الأخير يتطرق بوتو إلى الشباب “الذين لم يتمكنوا من التعبير عن نفسهم فاختاروا “الجهاد” لإسماع أصواتهم” حسب قوله. واعتبر بوتو أن من أهداف الكتاب “إعادة التفكير في هذه العلاقة بين البلدين وتحقيق توازن وإنصاف أكبر فيها”، مشيرا إلى أن الكثير من الفرنسيين لا يعرفون جيدا الجزائر، أو لديهم صورة سيئة عن شباب الأحياء، وبالتالي بلدانهم الأصلية، بسبب سياسات الدولة الفرنسية. أما عن فرنسا الاستعمارية فقال بوتو إنها اقترفت جرائم ضد الإنسانية، وطبقت نظاما قضائيا غير عادل. ويحاول بوتو بهذا الكتاب المساهمة في تقوية الروابط بين الجزائروفرنسا، خاصة في ظل تنامي خطاب الكراهية العنصري عند اليمين المتطرف. للإشارة فإن سيرج بوتو Serge Pautot محام بمرسيليا، دكتور في القانون واقتصاد الدول الأفريقية، نائب رئيس الفدرالية الفرنسية للملاكمة، ورئيس اللجنة الجهوية، ويعمل على مساعدة نوادي مرسيليا وعلى الأخص الشباب المنحدر من الجاليات المهاجرة.