الولايات المتحدةالأمريكية الأكثر استهدافا في عمليات إرهابية لم تنقطع منذ أربعة عقود تقريبا، ولم يكشف عن الفاعل بدليل إجرامي قاطع، سوى الإشارة إلى اتهام تنظيمات إرهابية، لها مقاصد تخريبية ضد دولة عظمى. اتهم تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان ومواقع أخرى في استهداف المواقع الأمريكية، ومواقع أخرى استهدفت بعيدا عن أهداف القاعدة التي كانت الأداة الأمريكية في مقارعة قوات الاتحاد السوفيتي في أفغانستان آنذاك . أزمة الإرهاب الذي واجهته أمريكا بدأت في منطقة الشرق الأوسط، في توقيتات رافقتها أحداث ومتغيرات فاجأت العالم، منذ انطلاق خطط الاتحاد السوفيتي للاقتراب من المياه الدافئة، وظهور تنظيم القاعدة الإرهابي في مواجهته. أسقطت "الثورة الإيرانية" بقيادة "خميني" عام 1979 نظام الشاه نشاه، فدهش العالم وهو يرى انتفاضة طلابية انتهت باقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واحتجاز 52 رهينة لمدة 444 يوم، فكانت بداية العداء الأمريكي – الإيراني. دونت سجلات التاريخ ذلك الحدث باعتباره أول استهداف لموقع أمريكي دبلوماسي محصن سياسيا وأمنيا، بعد الانقلاب على النظام الإمبراطوري في إيران، ثم توالى الاستهداف على مدى أربعين عاما عجزت الولاياتالمتحدة عن وضع حد له بتجفيف منابعه الإرهابية أو وأد هجماته قبل وقوعها . تنامى الإرهاب، ولم يعد تنظيم القاعدة الذي امتدت أذرعه في كل مكان وحده الفاعل في الشرق الأوسط والعالم، وأضحت له حاضنات فتحت له امتدادات حيوية أوسع ودعم متكامل سهل تنفيذ عملياته الإرهابية في عمق أهدافه المرسومة. لم يكن تنظيم القاعدة وحده في دائرة الاتهام الأمريكي، فعندما تعرضت السفارة الأمريكية بالعاصمة اللبنانية بيروت، في 18 أفريل 1983، لتفجير انتحاري بسيارة مفخخة، راح ضحيته 63 شخصا، اتهمت واشنطن جماعة "حزب الله" اللبناني بالمسؤولية عن التفجير، بينما كانت الحرب العراقية – الإيرانية في أوج مواجهاتها. ولم تمض سوى أشهر قليلة على تفجير بيروت، حتى تعرضت السفارة الأمريكية في الكويت في ديسمبر 1983 لهجوم إرهابي بشاحنة محملة باسطوانات غازية تحتوي على متفجرات بلاستيكية. عاد تنظيم القاعدة إلى الواجهة، ونفذ عملتي استهداف السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في توقيت واحد عام 1998، بسيارات مفخخة قتل في العمليتين 214 شخص وأصيب أكثر من 400 شخص . وإذا ما حددت واشنطن الفاعل في الإرهاب الذي استهدف سفارتيها في نايروبي ودار السلام، فإنها لم تعلن عن الفاعل الذي استهدف سفارتها في دمشق سبتمبر عام 2006، نفذه أربعة مسلحين بسيارة مفخخة . وقبل انفجار دمشق استهدفت القنصلية الأمريكية بمدينة كراتشي الباكستانية قبيل زيارة كانت مقررة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إلى باكستان بسيارة مفخخة في مارس 2006، ما أسفر عن مقتل دبلوماسي أمريكي و4 باكستانيين وإصابة 35 شخصا، وتجدد الهجوم على القنصلية الأمريكية في مدينة بيشاور عام 2010 من قبل حركة طالبان . استهداف المواقع الأمريكية في مقرات البعثات الدبلوماسية لم ينقطع في آسيا والشرق الأوسط تحديدا، من ليبيا التي قتل فيها السفير الأمريكي عام 2012 ببنغازي، إلى اليمن وأفغانستان، لكن أغرب الاستهدافات التي عانت منها واشنطن تلك التي وقعت في العاصمة اليونانية أثينا 2007 وتركيا في العاصمة أنقرة عام 2013 واسطنبول عام 2008، والهجوم على السفارة الأمريكية في بكين جويلية عام 2018، بعد شهرين من إعلان قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران . ويشهد العراق في مرحلته الراهنة الاستهداف الأكثر للسفارة الأمريكية، من قبل تنظيمات مسلحة موالية إلى إيران بهجوم صاروخي متكرر، انتقاما لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني . أما الهجوم الانتحاري الذي استهدف السفارة الأمريكية في تونس، فيضعنا أمام أكثر من تساؤل حول الهدف الذي يتوخاه مرتكبيه، ولأي حاضنة ينتمون، وإذا ما كان امتدادا لسلسة الهجمات تلك؟ أيا كانت الإجابة فإن تونس تسربت إليها الخلايا الإرهابية التي دفعت بها حاضناتها الإقليمية الآيلة للسقوط أمام إرادة دولية، عبر بوابة المنجز الديمقراطي في حياة مدنية لن يحيا فيها الفكر المتطرف.