من تردد السلطات السعودية في إلقاء الضوء على هذه الفضيحة الدولية واستخلاص الدروس المناسبة منها. وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن الجلسة الثانية لما تعتبره السلطات السعودية محاكمة قضية جمال خاشقجي، عقدت يوم الخميس 31 يَناير/ كانون الثاني المنصرم، في سرية تامة، وغابت عنها الصحافة التي لم يتم اخطارها، مثل ما حصل خلال افتتاح المُحاكمة يوم ال03 من يناير الماضي.ولم يُصدر النائب العام أي بيان في أعقاب هذه الجلسة، التي كشفت عنها المقررة الخاص للأمم المتحدة المعنية بالإعدام خارج نطاق القضاء، الفرنسية أغنيس كالامار، المسؤولة عن التحقيق في اغتيال خاشقجي، يوم الخميس المنصرم.ونقلت "لوموند" عمن وصفته بالعارف للشأن السعودي، قوله: "لم نرى أي إصلاحات جوهرية يمكن أن يمنع تَكرار حوادث مثل جريمة اغتيال خاشقجي".ولإقناع حلفائها بحسن نيتها، سمحت القيادة السعودية لممثلي العديد من السفارات الأجنبية بحضور المحاكمة، بما في ذلك السفارة الفرنسية التي تقول "لوموند" إنها امتنعت عن التعليق على الموضوع. وبعد جلسة المُحاكمة الأولى، اكتفى مكتب المدعي العام بالإعلان أن المتهمين تلقوا نسخة من لائحة الاتهام ووقت إضافي لإعداد دفاعهم، دون تقديم هوياتهم.ومع ذلك، تؤكد "لوموند" أنها علِمت من مصادر موثوقة، أن أحمد العسيري وماهر المطرب، الذي يعتبر قائد الكوماندوز في اسطنبول، كانا من بين الأشخاص الأحد عشر الذين حضروا إلى المحكمة. ووفق نفس المصادر، فقد نفى أحمد العسيري أي دور له في المكيدة التي كلفت حياة جمال خاشقجي.في المقابل، غاب عن المحاكمة سعود القحطاني، لسبب غير مبرر، ولا يبدو أن هذا الأخير تم اتهامه، على الرغم من تأكيد نائب المدعي العام أن الرجل التقى ماهر المطرب قبل مغادرته إلى اسطنبول، وشرح له أن جمال خاشقجي يشكل تهديدًا للمملكة. وبحسب رويترز، فإن القحطاني شارك حتى في استجواب خاشقجي قبل قتله بوقت قصير، من خلال اتصال عبر سكايب بين الرياض والقنصلية. وقد انتهت المكالمة بينهما بأمر تقشعر له الأبدان: "أحضر لي رأس الكلب".ورأت "لوموند" أن غياب سعود القحطاني عن جلسات المحاكمة ومقالات الصحافة الأمريكية التي تقدمه على أنه مازال ينشط إلى جانب محمد بن سلمان، يزيدون من تقويض مصداقية الإجراءات القضائية السعودية في هذه القضية التي هزت العالم.وتنقل الصحيفة الفرنسية عن مصدر مطلع قوله: "سعود القحطاني يتمتع بحرية حركة أكبر من تلك المتاحة للأمير الوليد بن طلال. وهذا ليس بالمؤشر الجيد".ومضت "لوموند" إلى القول إنه رغم التعديلات الحكومية الأخيرة التي أتت بالمخضرميْن إبراهيم العساف على رأس الدبلوماسية ومساعد العيبان على رأس مجلس الامن الوطني، إلا أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه التعيينات الأخيرة ستجلب إلى المملكة جرعة الحكمة التي تفتقر إليها على الساحة الدولية، كما تشهد على ذلك سلسلة الأزمات التي تورطت فيها في السنوات الأخيرة- اليمن وقطر وخطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وقضية خاشقجي على وجه الخصوص.وأشارت الصحيفة إلى أنه على مستوى وزارة الخارجية، مازالت تحركات إبراهيم عساف خجولة، ويتم الحديث عن أنه قد يتفرغ لإصلاح الوزارة التي تعتبر مؤسسة جامدة، على أن يبقى عادل الجُبير في الواجهة.وبالنسبة لمساعد العيبان، فإن قدرته على إنعاش مجلس الأمن الوطني مرهونة بوسائل الدعم السياسي التي سيتلقاها، هذا المخضرم المقرب من الولاياتالمتحدة والذي يبدو أن تعيينه يهدف إلى طمأنة الحليف الأمريكي.أما بالنسبة لإعادة تنظيم أجهزة الاستخبارات، التي أعلن عنها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وعهدت إلى ولي العهد محمد بن سلمان، فإنه من غير المحتمل أن تؤدي إلى نتيجة ملموسة. لسبب واحد وبسيط: لقد حدث هذا الإصلاح بالفعل، في عام 2017، مع إنشاء رئاسة أمن الدولة، وإلحاقها بالديوان الملكي. وقد استوعب هذا الهيكل الجديد عدة أجهزة كانت تابعة لوزارة الداخلية، مثل القوات الخاصة والاستخبارات الداخلية.وعليه- تشير لوموند- فإن محمد بن سلمان، الذي كانت له مسبقاً اليد العليا على الاستخبارات الخارجية، يشرف منذ إعادة التنظيم، على جهاز الأمن السعودي بأكمله. وهذا يفسر لماذا، على الرغم من نفي الرياض، يبقى بن سلمان، بالنسبة لمعظم المراقبين، المشتبه الرئيسي في قضية خاشقجي. وهو المشتبه فيه الذي قد لا يُحاكم أبداً.المصدر الوكالات