اتركوه ينمو ويكبر في هدوء، حتى تتضح معالمه ويفصح عما سُطّر له من أهداف دينية وثقافية وفكرية وجمالية وتربوية وإنسانية. أمهلوه، حتى يفصح عن جسور التواصل التي ربما سينسجها مع الآخر الشبيه أو المختلف. لماذا كل هذه السرعة وهذا التسرع لمسك حبل النهايات قبل نقطة البدايات!! أخوفا من ضياع شيء ما نجهله أو امتياز ما أو ربما ملامح منصب تتراءى في الأفق المبهم والمبهم جدا؟؟ تسرع، مثل من يحاول أن يزف العروس قبل أن تجهز خوفا من بقائها في بيت أهلها، ومثل من يفطم رضيعا قبل الأوان وقبل أن يشتد عوده. هكذا تبدو سابقة لأوانها، مسابقة مديح أو وصف جامع الجزائر الجديد، الذي لم يحدد إلى الآن حتى اسمه بشكل نهائي( الجامع الكبير، الجامع الأعظم؟؟؟ )، وربما أسماء لا زالت سرا ولا زالت تحت التدقيق والدراسة. نعرف جيدا حسب ما رأيناه ولمسناه أن الجامع في المراحل الأخيرة من الإنجاز، لكن في الوقت نفسه لا زالت أجزاء منه حجرا عاريا وإسمنتا مسلحا وأسلاكا وحديدا وأكوام رمل وحصى، وآلات ضخمة وعمالا صينيين معلقين في الفراغ، وأتربة وأغبرة متصاعدة؛ فعلى ماذا سيتنافس هؤلاء الشعراء!!؟؟ وأي موضوعة حساسة ستشغلهم جماليا وفنيا في كتابة قصائد، نتساءل هل ستكون حديدية أو بيتونية أو غبارية أو إسمنتية!!؟؟ لهذا ندرك سلفا وللأسف أن الموضوع لا علاقة له بالأدب وقيمته العليا، ولا بجمالية الكتابة ولا بنبل الشعر ودوره في تحريك ما هو جميل وشفاف في عمق الإنسان، حتى يجعل الإنسان إنسانا محاولا التخلص من الوحش الغافي في عمقه والذي يرتكب الفضائع لما تتاح له الفرصة من تشويه واغتصاب وقتل. طبعا لا أحد ينكر حتى وإن اختلفت وجهات النظر والآراء والمواقف - وهذا من حق الجميع في زمن الشفافية وحرية التعبير- بأن هذا الإنجاز الكبير والذي كلّف ما لا يحصى من الملايير هو معلم بامتياز يتربع على 25 هكتارا وفِي موقع استراتيجي تكفيه واجهة البحر أناقة وحرية وجمالا، وهو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة ومئذنته المنارة التي تعد الأعلى في العالم بعلو 250 مترا وحدها معلم بامتياز. فلننتظر الزينة والزخرفة وللننتظر السجاد الإيراني الذي صنع خصيصا ولننتظر المتحف ومقتنياته، ومكتبته العالمية ومحتوياتها التي ستجعل منه مزارا ثقافيا بامتياز وليس دينيا بحتا، ومركزه العلمي للأديان المقارنة الذي سيكون حتما إطارا علميا عالميا، يستفيد منه الأكاديميون والمتخصصون والباحثون عن المعرفة ووهج العقل. في رأيي، فإن هذه الحملة الإشهارية المتعلقة بالجائزة الشعرية المدحية، لن تقود إلا إلى المزيد من الفساد المالي، في زمن التقشف الذي نصفع به في كل مرة يتعلق فيها الأمر بالمشاريع الثقافية والفنية المهمة والهادفة، والذي يواجه به الشباب الحالم والمبدع في مختلف المجالات، هذا التقشف الذي أصبح مطية بامتياز للنهب ولا نراه يشهر نهائيا عندما يتعلق الأمر بالمصالح الخاصة والمشاريع الشخصية المربحة مع الأسماء المستعارة. كما أن هذه الفكرة في حد ذاتها تزيد من الانهيار الذوقي الشعري، وتكريس ظاهرة المدح، وكأننا بين يدي خليفة من خلفاء العصر الأموي أو العباسي أو ما سبقها ولحقها من عصور الرعية والسلطان. والأمر من ذلك في العملية الإبداعية ذاتها، هو عملية تشجيع النظم الفج؛ أقول فجًّا وأعيدها ؛،لأن النظم في زمن ما كانت له قيمته الكبيرة والمهمة ثقافيا وإعلاميا، على مستوى تثبيت الحدث والتوثيق والحفاظ على الذاكرة والهوية؛ خاصة في الجزائر مع شعراء جمعية العلماء المسلمين وهم يواجهون مستعمرا شرسا حاول محو معالم الشخصية الجزائرية بكل مكوناتها، كما كان هذا النظم أيضا متواجدا في خضم النضال والمواجهة لتمرير الرموز والشيفرات بين الثوار، كان دور هذا الشعر نفسه الدور النبيل الذي يقوم به الصحفي والإعلامي المتمكن إلى حد اليوم في لمس دقائق الأشياء ووصفها وتوصيفها حتى تبقى وثيقة حية للأجيال القادمة. ومن يبحث وينقب قليلا في تاريخ الشعر والصحافة في الجزائر سيلمس جيدا ما أقول. لا شيء على الأقل في الوقت الحالي يغري على الكتابة الشعرية في هذا المجال، اللاهم النزوع الانتهازي الذي يلتصق بأي مناسبة لتفريخ المزيد من الخطابات اللاأدبية، والولاءات السياسية للتقرب أكثر من مصدر القرار ، وكان حري بأصحاب هذه الفكرة البائسة إن أرادوا مدحا نزيها على الأقل؛ أن ينتبهوا إلى ما هو منجز وحقق شعبية واسعة ووارءه تاريخ عتيق وثقيل، يستحق أن يتبارى حوله أصحاب الملكات الإبداعية من فنانين ورسامين وخطاطين وغيرهم وهم أولى بذلك لتخليد تحفة فنية مثل المسجد الكبير أو المسجد العتيق أو الجمع كما يطلق عليه، والذي سجله التاريخ في الذهنية الشعبية بكل ما قدمه في كل المراحل الصعبة التي مرت بها الجزائر، وذلك منذ إنجازه في القرن الخامس الهجري في عهد الحكم المرابطي، مثل المسجد الكبير في سيدي عقبة والمسجد الكبير في تلمسان والمسجد الكبير في ندرومة. جميل أن تكون مسابقة لأجمل صوت للآذان، ومسابقة لأجمل صورة ، ومسابقة لأجمل رسم ولوحة فنية، ومسابقة لأجمل مقالة صحفية توصيفية، ومسابقة لأجمل وثائقي... وتعطى الجائزة لمن يستحقها عن حق وليس عن طريق الموالاة ؟؟!!