رغم كل التنازلات السياسية التي قدمتها السلطة المؤقتة لتهيئة أجواء الحوار الوطني , و توفير ظروف إجراء انتخابات رئاسية في أقرب الآجال حفاظا على مصالح البلاد الأمنية , الاقتصادية و السياسية , غير أنها لم تَجْنِ غير الرفض و الإصرار على مطلب رحيلها , و كأن رحيلها سينهي مشاكل الجزائر, و لو بقيت بدون سلطة سياسية ترعى مصالحها, أو توضع تحت سلطة بديلة لا تحظى بأي نوع من الشرعية, ليس داخليا, و لكن لدى المجتمع الدولي ؟ يخطئ كل من يعتقد أن الفراغ الدستوري و المؤسساتي سيحل مشاكل الجزائر الداخلية و الخارجية و يحقق مطالب الحراك الشعبي , الذي أصبح رهينة ممارسات شخصيات تضع سمعتها فوق مصالح الشعب و مصالح البلاد. فمن دون مثل هذا الاستنتاج , لا يمكن تبرير أو تفسير مواقف بعض الشخصيات من المبادرات السياسية التي تتزاحم في الساحة الوطنية , و من الخطوات العملية التي ما فتئت السلطة المؤقتة تعرضها على الطبقة السياسية و مكونات الحراك, لتجاوز حالة الانسداد التي ترهن المسار الانتخابي . و هي حالة , لا يمكن تجاوزها بالمساومة بالشروط المسبقة عندما لا تتوفر هذه الشروط على فرص قبولها , أو عجز الجهة المعنية عن الاستجابة لها ؛ و لا بالانسحاب من الميدان في أول مواجهة بحجج واهية «معلنة» و أخرى غير معلنة ؛ و لا برفض الانضمام إلى هيئة مستقلة حيادية و محددة المهام لتهيئة مسار العودة إلى العملية الانتخابية , بدوافع شخصية في معظم الحالات ؟ و من الغرابة بمكان , أن مثل هذه التصرفات تتكرر في الزمان و في المكان لدى العديد من الشخصيات في الساحة السياسية الوطنية , أو من طرف الأحزاب و المسؤولين بشكل يوحي بعدم الاستفادة من التجارب المتتالية في مشوارهم السياسي ؟ و ذلك «بتكرار نفس السلوك و انتظار نتائج مختلفة» ! و المفارقة أن العبارة الأخيرة , تلخص تعريف ألبرت آينشتاين للجنون ؟ و من أخطر أنواع الجنون ؛ جنون العظمة, الذي يجعل صاحبه يترفع عن الجلوس على طاولة الحوار مع من يعتبرهم أدنى منه مرتبة أو مكانة أو تاريخا أو علما أو ذكاء أو شعبية أو شرعية أو ...جنونا حتى؟ قد يستطيع هؤلاء إخفاء دوافعهم غير المعلنة لمواقفهم غير المبررة , غير أنهم بذلك يفتحون المجال للتحاليل لعرض كل الاحتمالات الممكنة و غير الممكنة , مثل طموح البعض إلى مهام أعظم من إدارة حوار ينهي مشوارهم السياسي ؟, أو لأن كبرياءهم يحول بينهم و بين مجرد عضوية لجنة يرأسها غيرهم ؟, أو لأن تطور الأحداث قد لا يكون في صالحهم , خاصة إذا نزل عمل «المنجل» إلى ما دون مستوى 1999؟ أو غير ذلك من الدوافع غير المعلنة , مما لا يخطر على بال عاقل , لكنه في متناول المبتلين بجنون العظمة ؟ و هو نوع من الجنون يكاد يكون حكرا على السياسيين , و الغريب أن الذي عرَّف الجنون , التعريف سالف الذكر , هو الذي قال أيضا :»السياسة أصعب من الفيزياء» على من سأله :»لماذا لا تكون السياسة مثل الفيزياء في استنباط القوانين؟». و مع ذلك لا نعتقد أنه في عالم السياسة من هو أذكى من آينشتاين , في ظل تكرار نفس التجارب السياسية الفاشلة.